وتنطلق أهمية هذا الكلام من كونه لا يعبّر عن موقف الشيخ قاووق أو حزب الله فحسب بل في مضمونه عن التوجه الحقيقي لإيران التي ترى في اجتماع العرب التفافاً على خطتها وخصوصاً على مساعيها للتفرّد بالورقة الفلسطينية وتوظيف عملية «طوفان الأقصى» لمصلحتها في خلال تفاوضها مع الإدارة الأمريكية من خلال الامساك بقرار حزب الله بالدخول في الحرب أو الاكتفاء بالمواجهات المدروسة والمضبوطة ضمن قواعد الاشتباك. وهذا ما يفسّر عدم إنخراط الحزب في الحرب نصرة لغزة وعدم ترجمة شعار «وحدة الساحات» وإبقاء جبهة الجنوب تحت السيطرة، مع تلويح أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله بأن كل الاحتمالات مفتوحة في محاولة للتهويل والضغط لحساب تحسين ظروف التفاوض مع طهران من قبل واشنطن والغرب، وتناغماً مع الرسائل التي يطلقها من حين إلى آخر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على ضفة التفاوض وآخرها قوله قبل يومين من موعد انعقاد القمة العربية إنه «نظرًا لتزايد حدة الحرب في غزة أصبح توسيع نطاق الحرب أمرًا لا مفر منه».
ويعبّر موقف عبد اللهيان عن انزعاج إيراني من أخذ القمة العربية المبادرة ووضع تصوّر لإنهاء الحرب في قطاع غزة في وقت تُركت غزة لمصيرها من قبل طهران التي تسعى لتوظيف ما تقوم به حركات المقاومة الدائرة في فلكها بإيقاع مضبوط لتوسيع نفوذها في بعض الدول العربية وتكريس هيمنتها على بعض العواصم على حساب القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.
والمستغرب أن تصدر مثل هذه المواقف عن حزب الله بالتزامن مع توجه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الرياض للمشاركة في أعمال القمة وتقديم خطته للسلام التي يقترح فيها وقف الأعمال العدائية لمدة خمسة أيام، وقيام «حماس» بإطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين، وفتح إسرائيل معابرها الحدودية أمام المزيد من المساعدات الإنسانية، ثم عقد قمة دولية لحل الدولتين. وكأن الحزب يستخف بهذه المشاركة التي تمثّل لبنان الرسمي والشعبي وبهذه الخطة والقول إن القرار الفعلي هو في الضاحية الجنوبية وفي طهران، ولا تأثير لحضور الدولة لا في لبنان ولا في الرياض، وأن لبنان سيبقى ساحة مستباحة لمشاريع اقليمية وايديولوجية من دون أن يحق للمواطن اللبناني أن ينعم بأمن واستقرار وازدهار في كنف الدولة. من هنا، ضرب حزب الله بعرض الحائط كل الدعوات التي صدرت عن ميقاتي وعن العديد من الكتل النيابية والأحزاب الداعية إلى الالتزام بالقرار1701 وعدم انتهاكه من خلال توسيع الجبهة من مزارع شبعا ونقلها إلى الخط الأزرق على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة وصولاً إلى الناقورة خشية من أي عبث بخطوط حمراء ومن أي خطأ في التقدير تستغله إسرائيل لتنفيذ عدوان على لبنان مستفيدة من حجم الدعم الأمريكي والغربي غير المسبوق المتمثل باستقدام الأساطيل وحاملات الطائرات لمساندتها في حربها ضد غزة و«حركة حماس».
المفارقة أنه فيما يقول السيد نصرالله أن عملية «طوفان الأقصى» هي قرار فلسطيني غير منسّق مع الحزب ولم يكن على علم مسبق به، يرفضون أي تحرك نحو حل سريع خارج إطار محور الممانعة لعدم ترك الشعب الفلسطيني في غزة عرضة للإبادة، ويلجأون إلى تخوين كل مَن يتعارض رأيه مع رأي هذا المحور ولاسيما إذا رفع شعار لا للحرب ونعم لانتشار الجيش اللبناني على الحدود وتطبيق القرار 1701. كل ذلك، لإبقاء الجنوب والوضع في لبنان برمّته تحت رحمة حزب بعيداً عن أي مظاهر فعلية للدولة.
ومن شأن مثل هذه المواقف الصادرة عن أحد الأحزاب في لبنان والمنددة مرة جديدة بالجهود العربية أن تسيء إلى علاقات البلد بالدول العربية وخصوصاً الخليجية بعدما نجحت المساعي في السنة الفائتة في إعادة ترميم هذه العلاقات وحل الأزمة الدبلوماسية التي نشأت مع بعض الدول الخليجية. وكان من الأفضل تفادي هذه الحملة المبيّتة ضد القمة العربية وانتظار ما سيصدر عنها من توصيات ومقررات بدل الحكم المسبق عليها.
يبقى أن حزب الله الذي يؤكد مراراً جهوزيته للحرب مدعو من قبل المعارضة في لبنان إلى الأخذ بعين الاعتبار نموذج ما يجري في غزة وما جرى في حرب تموز/يوليو 2006 حيث لم يعد في رأي هذه المعارضة من معنى للحديث عن قدرة الردع وتوازن الرعب بوجود كل هذه الأساطيل الدولية في البحر، وبالتالي لا داعي لأن يُستدرج إلى حرب مفتوحة سيدفع لبنان ثمنها. وجاء نداء المعارضة إلى قادة القمة العربية ليعبّر بوضوح عن ضرورة مساعدة لبنان على التصدي لمحاولة جرّه إلى الحرب في ظل سيادته المخطوفة وقراره المسلوب ورفض أن يتحدث باسم لبنان وزير خارجية دولة أخرى، وأن يصادر طرف داخلي مسلح قراره السيادي.