لكن عملية «طوفان الأقصى» بعد أيام على كلمة نصرالله تلك، جرفت معها الأوليات الداخلية لـ»حزب الله» بحيث لم يعد هناك صوت يعلو على صوت المعركة. لكن «الحزب» كسر صمته بعد تصدُّر ملف النازحين السوريين الاهتمامات في لبنان أخيراً، إثر التحرُّك العملي لحزب «القوات اللبنانية» على هذا الصعيد، وقُبيل الجلسة النيابية للخروج بتوصية للحكومة بشأن الملف وتحديداً بخصوص هبة المليار يورو الموعودة من الاتحاد الأوروبي. وتناول نصرالله ملف النزوح مجدداً يوم الاثنين الفائت، داعياً إلى «فتح البحر أمام النازحين السوريين بإرادتهم بدلاً من تعريضهم للخطر عبر الرحيل عبر طرق غير شرعية». كذلك كرّر «لازمة» أنّ الأميركيين والأوروبيين سبب أزمة النزوح والحلّ في أيديهم عبر فك الحصار ورفع العقوبات عن سوريا. وكرّر أيضاً «المُكرّر» منذ سنوات على ألسنة جميع المسؤولين في الحزب: للتواصل الرسمي اللبناني – السوري لمعالجة هذه الأزمة.
نصرالله أصدر «فتواه» لحلّ معضلة النزوح، لكنّ كثُراً قرأوا فيها مسعى لتعويم نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومساعدة دمشق من بوابة النزوح، متجاهلاً أنّ فتح البحار بطريقة «شبه شرعية» في اتجاه أوروبا بقرار وطني رسمي واضح يعني جلب الحصار والعقوبات على لبنان، فضلاً عن أنّ ترك النازحين يهاجرون إلى أوروبا منطلقين من الشواطئ اللبنانية بـ»السفن» يعني تحفيز مزيد من السوريين على الدخول إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية لهذه الغاية. فمن دون ضبط الحدود البرية الشرعية مع سوريا وإقفال غير الشرعية منها، لوقف النزف البشري السوري إلى الأراضي اللبنانية، من الصعب إقفال باب النزوح. وبالتالي تسأل جهات سياسية معارضة: ماذا فعل «حزب الله» على هذا المستوى؟ ومن يرفض ترسيم الحدود البرية مع سوريا؟ ولماذا لم يَمُن نصرالله على حليفه الأسد لوقف موجة النزوح التي اصطُلح على تسميتها بـ»النزوح الجديد»، والتي دخل من خلالها الآلاف من الشبان السوريين لدواعٍ عدة من ضمنها أمنية؟ وماذا فعل «الحزب» لإراحة الجيش اللبناني أو مساعدته على هذا المستوى، بحيث يمنع النظام السوري النزوح عبر ضبط الحدود من الجهة السورية؟
كذلك ماذا أنجز «الحزب» أو قدّم في ملف النزوح على الصعيد التشريعي؟ وهو لم يرَ خطراً متأتياً من تملُّك السوريين لاقتراح تعديل القانون بما يمنع أو يحدّ من هذا التملُّك؟ لماذا لم يُقنع «الحزب» حليفه «التيار الوطني الحر» بالقبول بإنشاء مخيمات للنازحين بما يمنع انتشارهم على الأراضي اللبنانية كافةً و»تغلغلهم» في كلّ المناطق؟ لماذا لم يسعَ «الحزب» مع الأمن العام برئاسة اللواء عباس ابراهيم للحزم بالتعامل مع السوريين المخالفين وترحيل كلّ سوري غير شرعي يقيم في لبنان، وما الأرقام التي تصدر عن الأمن العام الآن، حيال المخالفات المضبوطة خلال الحملة الحالية، إلّا دليل على مدى فوضى الوجود السوري في لبنان من دون مراعاة للقوانين؟ لماذا لم يتمكّن «الحزب» من إعادة عشرات الآلاف من النازحين إلى سوريا كما وعد سابقاً؟ وماذا عن تجربة «العودة الطوعية» التي خاض غمارها «الحزب» في بداياتها ولم تُسفر إلّا عن إعادة بضعة آلاف من النازحين ووفق تنسيق وموافقة مسبقين مع الجهات السورية؟
على رغم حُكم فريق 8 آذار خلال عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون، أقلّه خلال السنوات الثلاث الأخيرة من عهده عبر حكومة الرئيس حسان دياب، لم يشهد ملف النزوح السوري أي تطوُّر إيجابي، ولم تتحقّق عودة النازحين إلى بلادهم. وسبق أن «هدّد» عون خلال عهده المجتمع الدولي بزيارة دمشق لبحث ملف اللاجئين، ولم يحرّك هذا التهديد ساكناً لدى المعنيين، وانتهى عهد عون من دون أن زيارة سوريا أو عودة النازحين.
التنسيق مع سوريا في ملف النزوح بدأ منذ مطلع عام 2019 رسمياً، مع زيارة الوزير الأسبق صالح الغريب دمشق فور تعيينه وزيراً في حكومة الرئيس سعد الحريري في عهد عون، فشهدت هذه الزيارة إعتراضات كثيرة طاولت الحريري نفسه، حتى من فريقه السياسي. بعدها، كرّت السبحة، وبات عدد من الوزراء يزور سوريا لـ»التنسيق» في ملف النزوح، من دون تحقيق أي نتيجة عملية. كذلك زار وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب على رأس وفد مرافق دمشق، حيث التقى نظيره السوري فيصل المقداد، واتُفق على التنسيق والتعاون والتسهيل من الجانب السوري. بدوره زار المدير العام للأمن العام الياس البيسري دمشق، وهو مكلّف التنسيق مع الجهات السورية في ملف النزوح. فأي تنسيق يريده نصرالله بعد؟ «الحزب» يعتبر أنّ هناك ضرورة للتواصل على أعلى المستويات، وبالتالي في غياب رئيس للجمهورية على رئيس الحكومة زيارة دمشق على رأس وفد. لكن عملياً، أي إفادة من هذا التنسيق «على أعلى مستوى»، علماً أنّ الأسد بنفسه صرّح أكثر من مرة أنّ عودة النازحين إلى سوريا تتطلّب إعادة الإعمار، وهذا غير متوافر بعد؟