وما يثير ريبة أبناء تلك المناطق، ولا سيما منهم المسيحيون، تصريحات قديمة لأمين عام “حزب الله” حسن نصرالله تعود لعام 1985 يقول فيها إن “مناطق جبيل وكسروان هي أراضٍ للمسلمين، وقد أتاها المسيحيون غزاة”، إذ يتخوف هؤلاء أن يكون الهدف غير المعلن هو السيطرة على تلك المناطق عبر التستر وراء سرديات وتبريرات تخفي في طياتها المشروع المضمر، وذلك على رغم تطمينات قيادات في الحزب الذين أوضحوا أكثر من مرة خلفيات تلك التصريحات وإعادة أسبابها إلى تشنجات سياسية مرتبطة بالحرب الأهلية التي كانت سائدة حينها.
وما يعزز فرضية سعي “حزب الله” إلى السيطرة على تلك المناطق هو وجود نزاعات عقارية واسعة، إذ تتهم البطريركية المارونية الحزب بتغطية وضع يد أهالي القرى الشيعية على أملاك واسعة تابعة لملكيات خاصة ووقف الكنسية، ولا سيما في قرى لاسا وجرود العاقورة، حيث فشل القضاء منذ سنوات بمعالجة النزاعات العقارية.
طريق عسكري
وأثار إعادة تداول مقطع فيديو قديم سبق أن نشره مركز الأبحاث الإسرائيلي “ألما” قبل 8 أشهر وجود أنفاق ومواقع صواريخ لـ”حزب الله” في جرود جبيل تشنجاً كبيراً واستنفاراً شعبياً وعودة الحديث عن أخطار سلاح الحزب على المنطقة، سواء لناحية إمكانية توسيع الضربات الإسرائيلية أو لناحية أهدافه من إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة تبعد نحو 100 كلم عن الحدود الإسرائيلية، وما إذا كان الهدف المخفي السيطرة على البلاد من وسطها في منطقة استراتيجية تصل البقاع في البحر وتمر في عمق المناطق المسيحية التي تناهض بصورة عامة سلاح الحزب.
وتضمن الفيديو رسماً لطريق يربط حدث بعلبك في البقاع، حيث تقع مناطق نفوذ “حزب الله”، بجبيل على البحر الأبيض المتوسط، علماً أن وزارة الطاقة اللبنانية قد أعلنت في بيان “أن ما نشره الجيش الإسرائيلي ويدعي فيه وجود مواقع صواريخ في جبيل وكسروان وأنفاق ما هو إلا منشآت تابعة لمؤسسة مياه بيروت”.
وفي هذا السياق يؤكد النائب السابق فارس سعيد وجود طريق عسكري أنشأه الحزب منذ سنوات لربط مدينة بعلبك، حيث نفوذ الحزب السياسي والعسكري بالشواطئ اللبنانية، مشيراً إلى أن هذا الطريق يمر حصراً بقرى شيعية مع تجنب مروره قصداً بأي قرية مسيحية بهدف استخدامه لأهداف عسكرية.
وحول الأنفاق التي ظهرت في الفيديو الإسرائيلي، والذي تبين أنها تعود لوزارة الطاقة، وتم إنشاؤها كجزء من البنى التحتية التابعة لسد “جنة” المائي، لفت سعيد إلى أن الحزب قد يستخدم البنى التحتية المدنية التي تملكها الدولة لأغراض عسكرية، مذكراً بانفجار مرفأ بيروت الذي تسبب به تخزين مادة “نيترات الأمونيوم” التي تستخدم لأغراض عسكرية، مطالباً الجيش اللبناني بمراقبة تلك الأماكن إضافة إلى تنظيم يوم إعلامي لزيارة الطريق الذي تحوم حوله الشبهات بحضور إعلاميين محليين عرب وأجانب.
وأشار إلى أن “إسرائيل سبق أن قصفت ذلك الطريق خلال حرب عام 2006 عندما استهدفوا جسري الفيدار والكازينو، وقطعوا التواصل عبرها الذي كان بين البقاع وجبل لبنان وصولاً إلى البحر”.
السيطرة على لبنان
من جانبه رأى العميد المتقاعد يوسف الجدم أنه “لا يمكن لأي شخص كان ليس لديه جهاز استخباراتي أن يؤكد حقيقة وجود منشآت لـ(حزب الله) في منطقة جبيل، لكن الأكيد أن الحزب منتشر في كل لبنان، ولديه استراتيجية خاصة للسيطرة على جميع الأراضي اللبنانية، فانتشاره تخطى حدود لبنان ووصل إلى العراق وسوريا واليمن، وهو بالتالي يشجع انتشار النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذا أمر واقع لا يخفى على أحد”. وأوضح أن “الحزب مرتبط عقائدياً ومادياً بإيران، وهو يسعى إلى ترسيخ أيديولوجيته من خلال الهيمنة والسيطرة على لبنان”، لافتاً إلى أن “حرب عام 2006 كانت تدار من قبل عديد من المسؤولين الإيرانيين في لبنان”، لهذا “كل الاحتمالات واردة بخصوص انتشاره على كافة الأراضي اللبنانية، ومنطقة جبيل الكسروانية تهمه نظراً إلى موقعها الاستراتيجي ولأهميتها التاريخية”. وكشف عن أن الحزب موجود عسكرياً في معظم القمم الجبيلة اللبنانية، ومنها جبل “صنين”، وهذا بطبيعة الحال يفسر إن كان يسعى فعلاً إلى السيطرة على لبنان ككل بأي نزاع قد يشتعل بينه وبين مجموعات لبنانية.
وعن حرب الأنفاق أوضح “أنها استراتيجية عسكرية معروفة وقديمة وأشهر دولة تعتمدها في العالم المعاصر هي كوريا الشمالية، التي ينتشر جميع جيشها تحت الأرض، فهذه استراتيجية منطقية ومعتمدة خصوصاً عند الميليشيات”.
إمساك الدولة
بدوره يعتبر العميد جورج الصغير أن “حزب الله” يسعى إلى الوجود في المناطق الشيعية لمنع دخول تيارات سياسية بديلة للطائفة، وهو ما يبرر وجوده في قرى جبيل، حيث يشكل هؤلاء أقلية في المنطقة، إلا أنه في المقابل يخفف من أهمية وجود ترسانة عسكرية كبيرة في تلك المناطق، إذ برأيه الصواريخ البعيدة المدى موجودة في البقاع ولا ضرورة لوضعها في منطقة محيطها من بيئة تناهضه.
ولفت إلى أن “الحزب لا يسعى للسيطرة العسكرية على لبنان، كونه يسيطر على الدولة من خلال الحكومات والمؤسسات الأمنية والقضائية والأحزاب الموالية والخاضعة له، فهو مسيطر على البلاد بهذه الطريقة، بالتالي لا داعي لتحريك آلته العسكرية التي ستواجه بمقاومة كبيرة من قبل المكونات والطوائف الأخرى”.
حرب نفسية
في المقابل، نفى رئيس بلدية لاسا رمزي المقداد وجود أنفاق ومخازن لـ”حزب الله” في المنطقة، مشيراً إلى أن تلك المنشآت التي يظهرها الفيديو تابعة لمصلحة مياه بيروت وجبل لبنان كانت قد أنشئت لمشروع سد جنة.
وأكد أن المعلومات المتداولة عن وجود نفق لـ”حزب الله” عارية من الصحة، كاشفاً عن أن النفق المزعوم أنشئ بهدف اختبار نوعية الصخر قبيل البدء ببناء السد المائي، والذي توقف العمل به منذ الـ17 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بسبب تدهور الوضع الاقتصادي بعد أن كانت الدولة اللبنانية قد ألزمته لشركة برازيلية. وأوضح أن “هذا المشروع يعمل فيه 1500 موظف تم تسريحهم مع وقف العمل وسحبوا كل المعدات”، مؤكداً عدم وجود أسرار بهذا المشروع، بالتالي المعلومات بالفيديو مغلوطة، معتبراً أن الغرض من نشره في هذا التوقيت يأتي في إطار التهويل والحرب النفسية على اللبنانيين.
مساعدة إيران وكوريا الشمالية
وأخيراً نشرت صحيفة “غلوبز” الإسرائيلية تقريراً جديداً تحدثت فيه عن أنفاق “حزب الله” في لبنان، مشيرة إلى أن تلك الأنفاق خطرة جداً وأكبر وأعمق وأكثر أهمية من أنفاق حركة “حماس” في قطاع غزة، وأن “بناء الأنفاق في لبنان تم بمساعدة مالية من إيران وبواسطة خبرات من كوريا الشمالية تمت الاستعانة بها”.
وفي السياق طالب القيادي في حزب “الكتائب اللبنانية” بشير عساكر الدولة ببسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح بيد الجيش، مؤكداً أننا “لا نريد العيش في مناطق غير مستقرة وغير آمنة”. ولفت إلى أن “جماعة (حزب الله) على معرفة تامة أنها تملك فائضاً من القوة، وأنها متجذرة في السلطة وتحل مكان الدولة ومستفيدة من الفراغ في المؤسسات العامة، ولا سيما رئاسة الجمهورية من أجل تنفيذ أهدافها العسكرية والإقليمية لمصلحة إيران”.