شيئا فشيئا يبدو أن إسرائيل تقترب من شن هجوم بري واسع النقاط على قطاع غزة ردا على الهجوم المباغت الذي نفذته حركة حماس، السبت، الماضي، وتمكنت خلاله من قتل مئات الإسرائيليين، غالبيتهم مدنيون، واختطاف ما يقرب من 100 آخرين، في أكثر الهجمات دموية في تاريخ إسرائيل.
وحتى الآن، لم تعلن إسرائيل بشكل رسمي عزمها على شن الهجوم البري، لكن المعطيات على الأرض وفي تل أبيب تؤكد ذلك، وهي خطوة قد يكون من شأنها أن تؤدي لسقوط المزيد من الخسائر سواء بالنسبة لإسرائيل أو للمدنيين الفلسطينيين ومقاتلي حماس، وفقا لخبراء عسكرييين.
منذ عدة أيام وإسرائيل تحشد قواتها على حدود القطاع، كما أنها قررت تعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط، فيما تواصل شن غارات مكثفة على مناطق عدة في قطاع غزة الذي يسكنه نحو 2.3 مليون نسمة.
خطوة أخرى تقرب من الهجوم البري، أعلن عنها، الأربعاء، وتتمثل في تشكيل حكومة طوارئ بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وزعيم الحزب الوسطي المعارض وزير الدفاع السابق بيني غانتس، وجاءت بعد عدة عدة أشهر من الانقسام الداخلي داخل إسرائيل حول سياسات نتانياهو وحلفائه من اليمين المتشدد.
يقول الخبير في شؤون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سعيد عكاشة إن “عمليات التحشيد الضخمة للقوات الإسرائيلية في محيط قطاع غزة، تشير إلى أن الهجوم البري سيكون قريبا، وقريبا جدا”.
ويضيف عكاشة لموقع “الحرة” أن “إسرائيل كانت حريصة في الفترة الماضية على عدم المغامرة ودخول غزة رغم تلقيها آلاف الصواريخ من حماس”.
“لكن، اليوم الوضع مختلف لأن حجم الخسائر التي تلقتها كان كبيرا في الهجوم المباغت الذي شنته حماس” وفقا لعكاشة.
كيف تختلف هذه الأزمة عن سابقاتها؟
نفذت حماس هجمات صاروخية وعمليات تسلل واختطاف من قبل، لكن الهجوم الأخير أدى بالفعل إلى مقتل أشخاص أكبر من جميع هجمات حماس التي نفذتها منذ عام 2007 مجتمعة.
كذلك فإن عدد الصواريخ التي أعلن الجيش الإسرائيلي أن حماس أطلقتها في يومي السابع والثامن من هذا الشهر (أكثر من 3200 صاروخ) يتجاوز إجمالي عدد الصواريخ التي تم إطلاقها في أي عام منذ سيطرة حماس على قطاع غزة، باستثناء عامي 2014 و2021.
بالإضافة لذلك فإن حجم التسلل عبر الحدود مع قطاع غزة كان غير مسبوق، فقد عبر مئات المسلحين الحدود إلى إسرائيل يوم السبت الماضي عبر محاور متعددة، ودخلوا نحو 20 بلدة، وسيطروا عمليا على عدة مجتمعات، وهاجموا تجمعاً كبيرا واحدا على الأقل من المدنيين.
استغرق الأمر من الجيش الإسرائيلي أكثر من يومين من القتال لاستعادة السيطرة على المستوطنات الأقرب إلى غزة.
ومع ذلك يرى الخبير العسكري أكرم خريف أن أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد حماس ستكون باهظة، على الطرفين، نتيجة وجود أكثر من مليوني مدني يسكنون القطاع بالإضافة إلى احتمال سقوط عدد كبير من الجنود الإسرائيليين ومقاتلي حماس.
يعتقد خريف في حديث لموقع “الحرة” أن “إسرائيل ستتفادى لأقصى حد أي هجوم بري قبل أن تنهي مرحلة القصف المكثف، وهذا بدوره سيؤدي لسقوط المزيد من المدنيين”.
ويضيف خريف أن ” إسرائيل لن تشن الهجوم البري قريبا، كما أنه لن يحصل بشكل عشوائي من أجل تفادي سقوط عدد كبير من جنودها”.
تمكنت حماس من خطف مواطنين إسرائيليين وغربيين واقتادتهم إلى غزة كرهائن، وهذا “سيزيد الوضع تعقيدا بالنسبة للقوات الإسرائيلية في حال تم اتخاذ قرار الاجتياح”، وفقا لخريف.
ماذا بعد؟
تحدث تحليل صادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن عن السيناريوهات المتوقعة للحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وأشار إلى أن إسرائيل لا تمتلك الكثير من خيارات الجيدة في غزة.
ووفقا للتحليل فإن اقتصار الرد الإسرائيلي على الغارات الجوية أو الحصار الشامل لن يقضي على قدرات حركة حماس كما يهدف المسؤولون الإسرائيليون.
ويشير التحليل إلى أن هذه المعطيات تجعل التدخل البري الواسع باعتباره المسار الأكثر ترجيحا وفعالية، على الرغم من أن إسرائيل سعت مرارا وتكرارا إلى تجنب مثل هذه التوغلات في الماضي.
يقول التحليل إن الهجوم البري سيكون صعبا على الجيش الإسرائيلي ومدمرا للمدنيين الفلسطينيين، باعتبار أن قطاع غزة يعد واحدا من بين أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان على وجه الأرض.
كما أن الهجمات في المناطق الحضرية تعد من بين أصعب العمليات التي يمكن أن يقوم بها أي جيش في العالم وأكثرها فتكا.
وبعيدا عن غزة، يتعين على إسرائيل أيضا أن تتعامل مع التهديد بالتصعيد على ساحتين رئيسيتين أخريتين وهما لبنان وسوريا، وفقا للخبير العسكري أكرم خريف.
يقول عكاشة إن “إسرائيل قد تعمد لشن اجتياح كبير للقطاع، ولكنها ستبدأ أولا بتجزئته لمساحات محددة وتأمر السكان بالمغادرة من أجل تدمير مواقع ومخابئ وأنفاق حركة حماس”.
كذلك “يعول نتانياهو على اعتقال قادة حماس، كتعبير عن نوع من الاعتذار للشعب الإسرائيلي الذي بوغت تماما بهجوم الحركة الأخير”.
ويتابع عكاشة أن “تشكيل حكومة طوارئ سيساعد إسرائيل على البدء بالحرب بشكل موحد، بعد أن كانت هناك انقسامات داخلية في السابق”.
ومع ذلك يعتقد عكاشة أن “من الصعب جدا أن تنجح إسرائيل في إسقاط حماس بشكل نهائي”.
وحتى في حال نجحت في ذلك، فسيتوجب عليها اتخاذ قرارات بالغة الأهمية، تتمثل في ترك حماس الضعيفة سليمة ومسيطرة، أو أن تطيح بإدارتها الفعلية في القطاع وفقا لتحليل مركز الدراسات الاستراتيجية، الذي يبين أن كلا الخياران لا يعتبران جذابين بالنسبة لإسرائيل.
فإذا تمكنت حماس من البقاء فسوف تزعم أنها حققت انتصارا استراتيجيا على إسرائيل، وإذا تمت الإطاحة بها، فلا توجد قوة فلسطينية معتدلة لتحل محلها”، وفقا للتحليل.
ويتابع أنه “بدون وجود بديل جاهز لحماس، لن يكون أمام إسرائيل خيار سوى تولي السيطرة المباشرة على غزة، وهو ما سيؤدي على الأرجح إلى تفاقم الصراع الفلسطيني، وتعميق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، وتقييد موارد إسرائيل العسكرية والاقتصادية في حملة مفتوحة لمكافحة التمرد”.