إن أكبر خطأ اقترفه حزب الله عندما أوهم نفسه أن التيار العوني و جمهوره أو أقله جزء من ذلك الجمهور أصبحوا مناصرين لمشاريعه الأيديولوجية و الفكرية الغريبة عن حضارتهم و تاريخهم و ثقافتهم التي نشأوا عليها …
ربما درجة التوهم التي وصل اليها بعض من في حزب الله أعمت أعينهم عن بعض الحقائق الثابتة و الأكيدة و التي لا لبس فيها و هي التالية :
أولاً – التيار العوني لم يدخل السياسة من باب حزب الله و النظام السوري ليتحول الى تابع لهم كباقي المجموعات التي يحركونها في الطوائف الأخرى ، فهذا التيار أحببنا ذلك أم لا ، لا فضل لأحد عليه في وجوده ، هو يملك حيثيته الشعبية داخل المجتمع المسيحي و يملك كل مبررات وجوده كحزب سياسي فاعل و قوي في التركيبة اللبنانية دون منة من أحد ، من هنا كان خطأ حزب الله الكبير عند محاولته استتباع العونيين له و جعلهم أداة في يده و هذا ما لا يمكن لهم أن يقبلوه لأنه و ببساطه الغاء طوعي لأنفسهم .
ثانياً – و هو الأهم : لقد قام التحالف بين الحزب و التيار و بالأساس على تبادل المصالح و الخدمات حتى لو حاولوا تغليفها بشعارات فضفاضة ، طنانة رنانة اثبتت الأيام أن لا قيمة لها :
فالتيار ذهب للتحالف مع الحزب أصلا لأنه اعتبر بشكل أو بآخر أن هذا الحزب هو الأقدر على تأمين مصالحه داخل السلطة اللبنانية بعد سنوات النفي و العزلة و إيصاله بالتالي الى مراكز القرار ، بسبب تغلغله المزمن في الدولة و قدرته ان كانت التهويلية أو الفعلية الكبيرة في السياسة اللبنانية ، و هذا ما حصل أصلاً ، و لو امتلكت أي مجموعة لبنانية أخرى امكانيات و قدرات حزب الله لكان التيار تحالف معها بغض النظر عن عقيدتها و رؤيتها و أهدافها .
و الحزب ذهب للتحالف مع العونيين في لحظة دقيقة من تاريخه احتاج فيها لحليف من طائفة أخرى ليَقيه أهوال العاصفة الكبرى التي ضربت لبنان عقب اغتيال الحريري و ثورة الارز و التي ربما كانت ستطيح به كما أطاحت بالوصاية السورية لولا ذلك التحالف الذي شكل بمعنى من المعاني خشبة الخلاص لجماعة حزب الله في تلك المرحلة ،
لذلك و كما كان للحزب فضل على التيار بتقديمه المناصب له في السلطة كذلك كان للتيار فضل كبير على حزب الله بحمايته له في تلك المرحلة الدقيقة و الحساسة من تاريخه و هو ( أي التيار) دفع اثماناً كبرى لتلك الحماية خاصة في علاقاته الدولية و صورته التي تهشمت داخل مجتمعه أو لاً و أمام العالم ثانياً .
اذاً و بالأساس هذا التحالف قام على تبادل المصالح و الخدمات و لم يقم على أي شيء آخر ، و ما حصل لاحقاً و ادى الى الانتكاسة التي نراها اليوم في علاقة الطرفين كان و بالأساس أيضاً بسبب استغناء حزب الله عن خدمات التيار العوني عندما لم يعد بحاجة اليها بعد ان استتب له الوضع في لبنان ، بإضعاف كل أخصامه من جهة و بالإختراقات النوعية التي نجح بإحداثها داخل الطوائف الأخرى خاصة الطائفة السنية .
فلماذا يتفاجأ و يُصدم البعض بما يحصل في هذه العلاقة راهناً ؟
ألم يكن هؤلاء يعرفون الحقائق التي سردناها ؟ هل كانوا سذّج الى هذه الدرجة ؟ أو أنهم تغاضوا عنها الى أن فاض الكأس ووصل الجميع الى النتيجة المعروفة ؟ في كل الحالات كانو مخطئين و عليهم الاعتراف بذلك بدل توزيع النظريات الخنفشارية على اللبنانيين !!!
كل من لديه القدرة على التفكير و التحليل كان يدرك أصلاً كل تلك الحقائق و كان يدرك أيضاً أن هذا التحالف لا بد من وصوله الى نهاية كهذه بعد انتفاء العامل المصلحي الأساسي الذي أدى الى نشوئه .
فلا إبن كسروان الماروني العوني أصبح مقاوما إسلاميا و لم يكن يوما بهذا الوارد لأن ذلك مناقض لهويته التاريخية و لعلّة وجوده في هذا الشرق ، و طبعا جماهير الحزب المؤدلجة لم تقتنع يوماً بنظريات التيار العوني التي تبدأ بالعلمنة الشاملة و تنتهي بزاروب تعيين مدير عام باسم حقوق المسيحيين !!!
بالنهاية و كما يعتبر كثر أن هذا التحالف أدخل لبنان في دوامة التفتت و الإنهيار و الضياع ، ربما يكون انتهائه ان حصل فعلاً بداية استعادة الكيان اللبناني لعافيته بعودة كل المكونات الى احجامها الطبيعية و الفعلية و التي لا تتخطى بأي شكل من الأشكال حجم الكيان ككل بمكوناته مجتمعين … فلننتظر و نرى …