ووفق “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”، وهي شبكة حقوقية وإعلامية “فقد اشتكى ممثلو الفصائل الفلسطينية والأهالي في مخيم خان دنون بريف دمشق والعديد من المخيمات من العراقيل التي تضعها الأجهزة الأمنية السورية”.
وأوضح مدير مكتب الإعلام في المجموعة، فايز أبو عيد لموقع “الحرة” أن السلطات الأمنية التابعة للنظام السوري قيّدت تنظيم أي تظاهرة أو وقفة، إلا بحالة “المرور بدراسة أمنية مشددة قد تستغرق لأسابيع، وتأتي بالرفض”.
وشمل التضييق الأمني رفض الموافقة لوقفة تضامنية بالشموع لأطفال مخيم خان دنون، وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي كانت سلطات النظام السوري قد منعت الفصائل الفلسطينية الموجودة على الأراضي السورية من تنظيم أي مظاهرات قرب الجولان.
ونقلت مجموعة “العمل من أجل فلسطينيي سوريا” عن مصادر مطلعة في “حزب البعث” قولها إن “التعليمات جاءت بناء على تقديرات أمنية وسياسية تشير إلى أن أي خطوة من هذا القبيل قد تثير غضب الجانب الإسرائيلي والأميركي، وتعرض سوريا لخطر التدخل العسكري من قبلهما”.
وتأكد موقع “الحرة” من تقييد الفعاليات الخاصة بالفلسطينيين في سوريا للتضامن مع غزة، من أحد المطلعين على شؤونهم في مدينة حمص، وقال لموقع “الحرة”، طالبا عدم ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، إن السياسة “المستجدة” لم تنحصر على دمشق فحسب، بل تعّدت لتصل إلى مناطق تجمع الفلسطينيين في حلب ووسط البلاد، من بينها مخيم العائدين بحمص.
“علامات استفهام”
ومنذ بداية هجوم “حماس”، في السابع من أكتوبر الماضي، وما تبعه من حربٍ بدأتها إسرائيل في قطاع غزة التزم النظام السوري بسياسة اعتبر مراقبون أنها تصب في إطار “الابتعاد عن المشهد محاولة عدم الانخراط”.
ورغم البيانات التي أصدرتها وزارة الخارجية السورية، وأدانت فيها ما يجري في القطاع المحاصر بحق الفلسطينيين، لم تخرج اللغة الدبلوماسية التي سارت عليها عن نطاق الإدانة والاستنكار.
ودائما ما يؤكد النظام السوري منذ عقود على فكرة أن “سوريا جزء من محور المقاومة”، وبينما كان اسم فلسطين وقضيتها يتردد في معظم خطابات رئيسه بشار الأسد اتبعت قواته بحقهم سياسة مغايرة على الأرض.
وتوثّق “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 3207 لاجئا فلسطينيا، على يد قوات النظام السوري، خلال الفترة من مارس 2011 وحتى أكتوبر 2022، إضافة إلى 2721 ما يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
وبدورها تشير “مجموعة العمل” إلى أن فريق التوثيق لديها قام بإحصاء قرابة ألفي معتقل من اللاجئين الفلسطينيين منذ مارس 2011، يشكل الشباب النسبة الكبرى منهم، كما تم توثيق اعتقال عدد من الصحفيين والناشطين الإغاثيين، إضافة لاعتقال العديد من الرموز والكفاءات والنخب الفلسطينية.
ويقول مدير مكتب الإعلام في المجموعة فايز أبو عيد إن “الموافقات الأمنية التي يفرضها النظام في الوقت الحالي على المخيمات الفلسطينية حديثة العهد، ولم تكن في السابق”.
ويضيف أنها “تحتاج لأسابيع حتى يتم قبولها وفي الغالب تأتي بالرفض”، و”لا تتماشى مع الشعارات التي يطرحها النظام السوري بأن فلسطين هي القضية المركزية بالنسبة لديه”.
“الإجراءات الجديدة تثير الكثير من علامات الاستفهام”، ويوضح أبو عيد أن تقييد الفعاليات التضامنية مع غزة لم يقتصر خلال الأيام الماضية على المخيمات الموجودة في دمشق، بل شمل جميع المناطق التي يتواجد فيها الفلسطينيين في البلاد.
ما الذي تغيّر؟
وعلى مدى السنوات الماضية وعند أي حدث في القدس وغزة من قبل الجيش الإسرائيلي كانت المخيمات الفلسطينية تخرج على الفور للتعبير عن غضبها ومساندتها لأهلها في فلسطين “دون أن ينتظروا أي موافقة أمنية”.
“كنا نخرج في السابق صغار وكبار ونساء عند أي حدث في فلسطين وغزة”، كما يقول أبو عيد، مشيرا إلى سياسة متغيرة طرأت على النظام السوري، وتترجمت في أعقاب الحرب التي تشهدها غزة لليوم الـ28 على التوالي.
ولم يخرج رئيس النظام بأي إطلالة إعلامية منذ حرب غزة، لكنه التقى بمجموعة من “أعضاء السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية السورية”، حسب ما أوردت وكالة “سانا” في السادس والعشرين من أكتوبر، وانتشرت له صورة واحدة معهم.
وخلال حواره مع الأعضاء اتهم الأسد الدول الأوروبية والولايات المتحدة بانتهاج “معيار واحد في سياستهم”، وهو الانحياز الدائم لمصالحهم الخاصة على حساب مصالح الشعوب والدول الأخرى.
وبينما اعتبر أن “أحد أبرز الأسباب التي تشعل الصراعات في منطقتنا التي تشهد الآن حربا على غزة تمثل نموذجا صارخا لهذا الانحياز” لم يخض في تفاصيل ما يحصل في غزة، في مسار يخالف ما كان يتبعه في السابق، مكررا التأكيد على “دور سوريا المحور ي في فلسطين”.
ويعتقد ألكسندر لانغلويس، وهو باحث أميركي يركز على شؤون الشرق الأوسط أن “التعليقات العامة التي صدرت من النظام السوري خلال الأيام الماضية لا ترقى إلى موقف سوريا التقليدي من فلسطين وإسرائيل”.
ويقول لانغلويس لموقع “الحرة” إن “دمشق يبدو أنها تتجنب إلى حد كبير الإشارة المباشرة إلى حماس”، وإن “هذا النهج مثير للاهتمام بالنظر إلى دعم الحركة السياسي للثورة السورية في معظم فترات الحرب”.
وعلى الرغم من أن “حماس” والنظام السوري أعادتا تطبيع العلاقات هذا العام، إلا أن الأسد “لا يزال يحمل آراء سلبية تجاه الجماعة بسبب أفعالها السابقة داخل بلاده”.
ومع ذلك يشير الباحث الأميركي إلى أسباب أخرى تتعلق بأن “دمشق تمثل لاعبا ضعيفا بشكل لا يصدق في المنطقة اليوم، الأمر الذي يقدم أسبابا مقنعة لعدم اتخاذها موقفا أقوى بشأن الصراع هذا الشهر”.
“خطوط رسمت له”
ولا تزال الأنظار تتجه إلى الساحتين السورية واللبنانية وما إذا كان التصعيد في غزة سينسحب إليهما أم لا، ولاسيما في ظل تواصل التحذيرات من أن تتوسع الحرب إلى “نطاق إقليمي”.
وكانت الحدود بين لبنان وإسرائيل شهدت مواجهات عن بعد بالصواريخ الموجهة وقذائف المدفعية، مما أسفر عن مقتل عناصر من “حزب الله”، لكن من جانب سوريا لم يتعدَ الأمر سوى قذائف وصواريخ “مجهولة المصدر”، دفعت الجيش الإسرائيلي للرد عليها في ذات التوقيت.
وكان الرد الإسرائيلي قد تطور مؤخرا إلى حد ضرب ثكنات عسكرية في درعا ومطاري حلب ودمشق لأربعة مرات، ما أسفر عن خروجهما عن الخدمة، دون أن يعلن النظام السوري عودة الرحلات الجوية عبرهما حتى الآن.
ويرى الباحث السوري في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان أن “النظام السوري لا يملك أي أدوات، ولذلك يحاول التراجع بخطوات إلى الخلف، مع الالتزام بعدم التصريح بشكل حاد ومباشر”.
ويقول شعبان لموقع “الحرة”: “هذا هو المتوفر لديه. ليس له القدرة على فعل أي شيء للخروج من خطوط رسمت له”، في إشارة من الباحث إلى إيران.
وتعتبر إيران إحدى أبرز داعمي النظام السوري، وتدعم أيضا حركة “حماس” في غزة و”حزب الله” في لبنان.
وتواجه الآن “معضلة”، إذ تفكر في كيفية الرد هي والميليشيات التابعة لها – المعروفة باسم “محور المقاومة” – على الحرب الإسرائيلية على غزة، وما إذا كان ينبغي تعزيز أوراق اعتمادها “الثورية” على حساب خطر إشعال حرب أوسع نطاقا، وفق تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأربعاء.
ويضيف الباحث شعبان: “هناك ضغوط على شخصيات فلسطينية في سوريا بناء على معلومات مؤكدة، وخاصة فيما يتعلق بتحركاتهم”، ولا يرى من جانب آخر واقعية بأن “النظام يحاول النأي بنفسه”، لأنه “ضعيف وغير قادر على اتخاذ موقف جدي وتضامني”.
ويفتقر النظام السوري إلى السيادة الكاملة على حدوده، ناهيك عن القدرة على العمل بفعالية خارج حدوده.
ويوضح الباحث الأميركي لانغلويس أن “الداعمين الرئيسيين له (إيران وروسيا) يعرفان ذلك، ومن المحتمل أن تكون الأولى غير مهتمة بمشاركة دمشق المباشرة الأعمق في صراع مع إسرائيل في الوقت الحاضر”.
وعلى هذا النحو، لعبت الميليشيات المدعومة من إيران إلى حد كبير دورا خلفيا في الضربات المتكررة على إسرائيل من الأراضي السورية.
ويتابع الباحث: “من المحتمل أن يشكل هذا مدى الدور الذي تلعبه سوريا في الصراع، ما لم يحدث تصعيد كبير وتوسيع للحرب، أو إذا وجدت إيران أن سوريا ساحة معركة أكثر قابلية للحياة لمجموعة مثل حزب الله للاشتباك مع إسرائيل في وقت لاحق”.