بدأ وزير الخارجية الفرنسي السابق جان – أيف لودريان أمس ما بدا «مهمة مستحيلة» في بيروت في إطار محاولة تحقيق «معجزة» تَوافُق داخلي على الإسراع بإنجاز انتخابات رئاسية تأخّر موعدها نحو 10 أشهر (من تاريخ بدء الموعد الدستوري الممكن لإجرائها).
وبوصول لودريان عصر أمس إلى مطار رفيق الحريري الدولي موفداً شخصياً من الرئيس ايمانويل ماكرون مكلفاً المساعدة بإيجاد «حل توافقي وفعال للأزمة اللبنانية التي تفاقمت خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020»، ينشغل لبنان على مدى 3 أيام بمحطةٍ ديبلوماسية بارزة وإن كانت لا تحمل أي توقعاتٍ بأن تُفْضي إلى اختراقاتٍ في «الجدار الحديدي» إلا أنها بالتأكيد ستُعْطي مؤشرات إلى المنحى الذي سيسلكه المسار الخارجي للمأزق الرئاسي الذي بات له ناظِم إقليمي دولي تشكله «مجموعة الخمس» (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر) حول لبنان التي ينقصها «الزائد واحد» أي إيران لتصبح قادرة على بلوغ تقاطعات «قابلة للحياة».
وإذا كان المسارُ الداخلي للأزمةِ الرئاسية اتخذ بُعداً جديداً منذ جلسة الانتخاب في 14 الجاري والتي وثّقت بالأرقام والسياسة «بلوك الـ77 لا» لانتخاب مرشح فريق الممانعة (بقيادة حزب الله) سليمان فرنجية الذي تُعتبر باريس «عرّابته» خارجياً، مع نيل مرشح غالبية المعارضة وبتقاطُع مع «التيار الوطني الحر» 59 صوتاً (مقابل 51 لفرنجية)، فإنّ مَهمة لودريان انطبعت في شكلها كما مضمونها الذي بات شبه معلوم بإشاراتٍ عكست «التقاطاً» لِما عبّرت عنه موْقعة الأربعاء الماضي الرئاسية وترسيماً لِما يحمله الرجل المتمرّس بالشأن اللبناني في «حقيبته الديبلوماسية» التي لن تُكشف أوراقها رسمياً.
ففي الشكل جاء ما نُقل عن المكتب الإعلامي للسفارة الفرنسية من أنه «لن يتم توزيع جدول لبرنامج زيارة لودريان»، وأنه «لن يكون هناك أي مؤتمر صحافي له» ليؤكد الطابع الاستطلاعي و«السري» لمهمته التي بدا توصيف النائب مروان حماده الأكثر تعبيراً عنه بإعلانه «أن الوزير الفرنسي السابق يأتي ومعه ملفان، واحد يحتوي كل ما توصلت إليه المبادرة الفرنسية السابقة عبر معادلة فرنجية (رئيساً للجمهورية) – نواف سلام (رئيساً للحكومة)، وملف أبيض يجمع فيه كل الملاحظات التي سيسمعها ابتداء من رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومن كل الذين سيجتمع بهم».
كما أن جدول أعمال الزيارة التي دشّنها أمس بلقاء بري على أن يجتمع اليوم بميقاتي والراعي، وبينها اجتماعات مع رؤساء الأحزاب والكتل وممثلين للنواب المستقلين والتغييريين، وبعضها سيحصل في قصر الصنوبر، إلى جانب لقاء مرتقب مع سفراء «مجموعة الخمس»، ينطوي على رمزية كبيرة يشكّلها تخصيصه مواعيد مع المرشحين المعلَنين أو المضمرين، من فرنجية، إلى أزعور (وربما عن بُعد بحال لم يكن في بيروت) والوزير السابق زياد بارود، مروراً بقائد الجيش العماد جوزف عون.
«لا فرنجية ولا أزعور»!
وإذ استوقف أوساطاً سياسية أن اللقاء مع قائد الجيش سيشكّل أول دخول فرنسي مباشر على خط العماد جوزف عون الذي يتم طرْحه كأحد أبرز الأسماء المرشحة لإسقاطها على «الخيار الثالث» الذي تراهن عواصم عدة كما أطراف داخلية على أنه سيكون المخرج لكسْر المأزق على قاعدة «لا فرنجية ولا أزعور»، فإن هذه الأوساط ترى أن اجتماعات لودريان مع المرشحين المطروحين للرئاسة بمَن فيهم زعيم «المردة» (فرنجية) يحمل رسالةً بأن باريس التي يصعب أن تُعطي إشارةً «رسمية» بأنها طوت ورقة «مرشح الحل الممكن» الذي سوّقتْها عبثاً في الأشهر الماضية، فتحت بالحد الأدنى الباب أمام خيارات أخرى ومن دون أن تتورّط فرنسا هذه المرة في تبنّي أحدها بالاسم علناً، وذلك انطلاقاً من القراءة الواقعية لمعاني ارتسام اعتراض مسيحي – سني – درزي على انتخاب مرشح الممانعة.
وبحسب المعطيات التي سبقت وصول لودريان، فإنه سيكون مستمعاً أكثر منه متحدثاً ما خلا تكرار خطورة المزيد من إضاعة الوقت الذي نَفَذّ أصلاً للبنان، وسط توقعات بأنه سيحمل معه لهذه المرحلة من مهمته مواصفاتٍ أو بروفايل للرئيس المطلوب إذا أريد القفز فوق مقايضة فرنجية – سلام، ومع اقتناعٍ بأن كل تراجُع في منسوبِ «الهوية السياسية» لرئيس الجمهورية سينسحب على موقع رئاسة الحكومة، بما أوحى بأن مبدأ التلازم بين الموقعين لم يسقط وإن كانت الظروق قد تحتم الانتقال من «التبادُل» على هذا الصعيد إلى التناسُب، هذا طبعاً على افتراض أن «حزب الله» سيقبل بأن يتزحزح عن خيار فرنجية وهو ما علمت «الراي» أن الحزب ليس في وارده، وربما لن يكون أبداً.
وإذ تتحضّر غالبية المعارضة لتقديم مذكرة إلى لودريان حول مجريات الأزمة الرئاسية وحيثيات دعم أزعور بالتقاطع مع «التيار الحر»، كان بارزاً موقف للهيئة السياسية للتيار انطوى على تمسك بمعادلة «التراجع عن أزعور مقابل تراجع الممانعة عن فرنجية»، إذ أعلنت بعد اجتماعها الدوري برئاسة النائب جبران باسيل أن «الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس الجمهورية إنجلت عن معادلة واضحة تقضي بأن تتواصل الدعوات لجلسات انتخاب لإنتاج رئيس عبر التصويت أو يقتنع الفريق الداعم للمرشح سليمان فرنجية أن طريق الوصول مسدود، وبالتالي تنتقل القوى النيابية الى مرحلة جديدة لإنتاج رئيس بالتوافق على الاسم وعلى الخطوط العريضة لبرنامج العهد وسبل تأمين النجاح له».
وفي موازاة ذلك، كان نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم يعتبر أن جلسة الأربعاء الانتخابية «ثبتت أنّ مرشحاً للمواجهة لا يؤدَّي إلى إنجاز للاستحقاق وانتخاب الرئيس، وأنه لا يمكن أن تُفتح كوَّة في الأفق المسدود إلَّا بالحوار من دون اشتراط إلغاء أيِّ اسم على طاولة الحوار».
وشددت على أنه «يمكن للحوار أن يؤدي إلى تسوية وأن يبدِّد بعض المخاوف، وأن يؤكد على نقاط مشتركة نستطيع أن نتفاهم عليها وأن نوسِّعها، ثم إذا وجدنا مساحة الالتقاء نشترط على رئيس الجمهورية الذي سنختاره معاً، بأن يلتزم ونكون يداً واحدة في التزام هذا الرئيس».
أضاف: «رغم تمسُّكنا بترشيح الوزير السابق فرنجية نحن ندعو إلى الحوار، لماذا؟ لنسأل بعضنا بعضاً وليُجيب بعضنا بعضاً، ونحصر نقاط الخلاف ونبحث عن حلٍّ لها، أمَّا أن يقول البعض نحن لا نريد النقاش ما دام الوزير فرنجية مرشحاً، فهذا أمر مرفوض.
الطريقة التي اعتمدها الطرف الآخر بالتحدِّي لم تنفع ولن تنفع، فلا نحن قادرون على أن ننجز الاستحقاق لوحدنا، ولا أنتم قادرون على إنجاز الاستحقاق بوحدكم، فما هو الحل؟ العناد ليس حلَّاً، الحل بالحوار والتلاقي والتفاهم (…) لقد قبلتم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور وكلُّكم لا يعتبره الأفضل، فمن يأخذكم بالقوة كي تختاروا مرشحاً ترفضونه؟ إذا كان لديكم الاستعداد لهذا المستوى، من الأفضل أن يكون لديكم الاستعداد لتعديل الهدف بالعمل للانتخاب مع شركائكم في الوطن، فالاتفاق أفضل وأكثر إيجابية، ومع عدمه ستكون الأزمة طويلة، وأنتم تتحملون مسؤوليتها».
السفير الإيراني
في سياق متصل، أكد السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني «تضامن الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الشعب اللبناني ومع كل الشعوب التي تحارب من أجل التحرير والاستقلال الناجز والحرية والكرامة والعدالة».
وقال: «نحن مستمرون بتقديم كل ما بوسعنا لدعم هذه المسيرة الثورية والمقاومة، ولن نتوانى في دعم الشعوب العربية والإسلامية في كل مكان».
وطالب اللبنانيين بـ «التوافق على الساحة اللبنانية للوصول في أسرع وقت ممكن لانتخاب رئيس. ومن هذا المنطلق، نجدّد دعوتنا إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وفق الأسس المعروفة على الساحة اللبنانية، بمعزل عن التسميات المختلفة فهذا شأن لبناني، ولبنان لا يتحمل أن تطول هذه الأزمة».
الحكومة… خبْط عشواء
في الأثناء، بدا التخبط سيّد الموقف في حكومة تصريف الأعمال التي عقدت جلسة جديدة يوم أمس، انطبعتْ بقرار باغَتَ وزير التربية حتى وقضى بإلغاء امتحانات الشهادة المتوسطة لهذه السنة وقبل نحو أسبوعين من موعدها لاعتباراتٍ لوجستية تتصل بعدم قدرة القوى الأمنية على ضمان سلامة كل الامتحانات الرسمية «وضرورة تركيز الجهد على اجراء امتحانات الثانوية العامة بدل الجهد الذي سيصرف على الشهادة المتوسطة».
وقد تسبب هذا القرار بارباكاتٍ وسط عدم اتضاح الصورة حيال هل سيتمّ إعطاء إفادات من وزارة التربية لطلبة البريفيه او الاعتماد على العلامات المدرسية للترفيع، ناهيك عما إذا كان هذا الإلغاء سيكون نهائياً.
ولم يقلّ دلالة على هشاشة الواقع الحكومي الذي يواجه أصلاً اعتراضات من قلب البيت الحكومي على اجتماع مجلس الوزراء في كنف الشغور الرئاسي، ولا سيما من فريق التيار الوطني الحر الذي يقاطع غالبية وزرائه الجلسات، كما من أطراف معارضة باتت تأخذ على الحكومة التوسع في مفهوم تصريف الأعمال خلافاً للدستور كما أعلن أمس رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، من «المعركة» التي حفلت بلغة التحدي العالي السقف بين وزيري الاقتصاد أمين سلام والسياحة وليد نصار حول صلاحية أي من الوزارتين في تنظيم مشاركة لبنان في «اكسبو قطر» الخريف المقبل.
وبعدما كاد الخلاف بين سلام ونصار أن يتطور إلى رفع الثاني شكوى قدح وذم بحق الأول ما لم يعتذر منه عن كلام قاله بحقه، وردّ الثاني بأنه «إذا قصد نصار التحدي من خلال طلبه الاعتذار، فأنا لا أحد يتحدّاني»، جاءت تخريجة الحل من مجلس الوزراء أمس بتوزيع مهمات تنظيم مشاركة لبنان على 4 وزارات، تتقدّمها وزارة الاقتصاد «بصفتها الجهة الرسمية المكلفة التواصل مع الجهات المعنية في قطر لتأمين المشاركة في المعرض على أن تتولى تنظيم الأجنحة اللبنانية وإدارتها»، وتكليف وزارة الزارعة «تأمين التشغيل» ووزارة السياحة «متابعة الموضوع مع المؤسسات والإدارات المعنية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين مشاركة فاعلة عبر تحضير الرزم السياحية لضمان أوسع مشاركة في هذا النطاق»، ووزارة الخارجية «الإشراف وإعطاء التوجيهات التي تراها مناسبة عند الاقتضاء لتحسين صورة لبنان الخارجية».