إذا كانت معظم لقاءات لودريان مهمّة، فلزيارته بكركي والإجتماع بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي نكهة خاصة، ليس بسبب العلاقات المميزة بين فرنسا والبطريركية المارونية، بل نظراً الى تردّي هذه العلاقات في المرحلة السابقة.
يقول أحد المطارنة إن قصة الموارنة وباريس في الأشهر السابقة تشبه قصة راعي الغنم والذئب، فالغنم يحتمي طوال الوقت بالراعي ويخاف من الذئب الذي يريد أكله، وفي نهاية المطاف يأتي الراعي الذي هو مصدر حماية للغنم ويذبحه. لذلك عملت البطريركية لئلا يحصل معها ومع المسيحيين ما حصل مع الذئب والغنم والراعي، ولكي تقول لفرنسا إنكِ على خطأ ويجب تصحيح المسار.
وعلى رغم كل خطوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد استقباله البطريرك في الإليزيه لتصحيح العلاقات مع بكركي واللبنانيين، وترجم ذلك بتكليف لودريان الملف اللبناني وتعيين سفير جديد لفرنسا في لبنان بدل السفيرة آن غريو، إلا أنّ الحذر من سلوك باريس لا يزال سيّد الموقف عند سيد بكركي، فالثقة إهتزت وتحتاج إلى وقت لترميمها.
حلّ لودريان ضيفاً على بكركي. استقبل كما يجب. لكن مظاهر الحفاوة غابت، وحضر الإستحقاق الرئاسي طبقاً أساسياً على طاولة المحادثات. وكرر لودريان إعتذاره من بكركي على تصرفات ليست مقصودة بحقها، وأكد محورية بكركي في الحركة الرئاسية وضمير لبنان، مشدداً على أنّ باريس متمسّكة بالعلاقات المميزة معها، ولن توفّر جهداً لإعادتها إلى سابق عهدها، وهناك رغبة فرنسية في فتح صفحة جديدة من العلاقات.
شرح الراعي موقفه للضيف الفرنسي، وشدّد على تمسّكه بالحياد وسط وجود أيدٍ خارجية تلعب بالإستحقاق وتضغط على أطراف داخلية من أجل عرقلته، وهذه الأطراف الداخلية تنفّذ رغبات بعض الخارج، واستعان بما حصل في جلسة إنتخاب الرئيس الأخيرة حيث عطّل عدد من النواب النصاب، غامزاً من دعم باريس لهذا الفريق.
لم يطلب الراعي من لودريان التدخّل، لأنّ التدخلات السابقة لم توصل إلى نتيجة، لكنه شدّد على أهمية إحترام الآليات الدستورية وعدم تعطيل النصاب، وهذه هي الطريقة الأسهل لإنتخاب رئيس.
شكّلت المواصفات الرئاسية نقطة إلتقاء بين الراعي ولودريان، وأكّد الجانب الفرنسي على انتخاب رئيس إصلاحي ووضع خطة طريق إنقاذية وعدم تكريس الإنتخابات الرئاسية لتغليب فريق على آخر، ووعد لودريان بتكثيف الجهود الفرنسية مع الخارج، وخصوصاً مع طهران للإفراج عن الإنتخابات الرئاسية وعدم عرقلة الفريق الموالي لها الإستحقاق الرئاسي.
لم يطرح لودريان اسم رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية أو يعلن دعمه، وتطرّق إلى هذا الإسم مثلما تطرّق إلى إسم المرشح جهاد أزعور، وجرى تقييم نتائج الجلسة الاخيرة للإنتخابات، على أن يستكمل لودريان جولته الإستطلاعية ويطلع الراعي على نتائجها.
هناك تأكيدات من فرنسا وتطمينات أنها لن تتعامل مع الإستحقاق الرئاسي من دون التنسيق مع بكركي والمسيحيين، فما سمعه ماكرون ولودريان من الراعي كان كفيلاً بايصال رسالة الغضب المارونية واللبنانية، وتعمل بكركي بالتنسيق مع الفاتيكان على تفكيك الألغام التي تحاصر الإستحقاق الرئاسي.
ولا توفّر دوائر الفاتيكان جهداً، إلا وتصبّه في خدمة إنتخاب رئيس للجمهورية وتتواصل مع باريس في هذا الشأن وتدعوها إلى إحترام التركيبة اللبنانية والخصوصية المسيحية، وبالتالي لن تصدر أي مبادرة عن لودريان أو يطرح أسماء رئاسية مرشحة أو يحاول تسويق اي اسم، بل سيحمل نتائج زيارته إلى الإليزيه، ربما لإنضاج مبادرة مع الدول الخمس المتابعة للملف اللبناني، علماً أنّ التأثير الفرنسي شبه معدوم.
وما سمعه لودريان في بكركي من حذر حيال الدور الفرنسي قاله رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بـ»العربي المشبرح» بعد توجّه الزائر الفرنسي من بكركي إلى معراب، إذ أكّد لفرنسا على لبنانية الحلّ، وذهب بعيداً بالقول «لا نريد تدخّل فرنسا أو طهران ونريد قراراً سيادياً لبنانياً»، وبالتالي واضعاً باريس في مرتبة طهران.
تبقى الشكوك على حالها عند الأغلبية المسيحية من الدور الفرنسي حتى لو أظهرت باريس نيات حسنة وتغييراً في سياستها، لكن الأكيد أنّ القادة المسيحيين ينتظرون ما بعد مغادرة الزائر الفرنسي ليكملوا خططهم الرئاسية.