ولمنطقة الكحالة قصص طويلة منذ الحرب الأهلية وما قبلها، فهي المنطقة الاستراتيجية التي تربط جزءاً من الجبل ببيروت كما تربط البقاع بها، وكثيراً ما دارت معارك كبيرة خلال سنوات الحرب، التي استذكرها اللبنانيون إثر اندلاع الإشكال بين أهالي المنطقة وعناصر «حزب الله» المكلفين حمايةَ الشاحنة ما أدى إلى سقوط قتيلين، من الطرفين.
وتطرح محاولة استهداف سيارة وزير الدفاع مع اشتباك الكحالة الكثير من التساؤلات حول مصير لبنان وأزمته المتعددة الجوانب، من الشغور الرئاسي إلى الفشل المالي والاقتصادي.
ورفَع ما جرى خلال الساعات الماضية منسوب خطاب الأوساط المسيحية المطالِبة بالذهاب إلى الطلاق أو الانفصال والتقسيم، ودعوات اعتماد مبدأ الأمن الذاتي، مادام «حزب الله» يمتلك السلاح ويسير في مختلف المناطق وعلى كل الطرقات.
وشمل الهجوم السياسي الجيش اللبناني، الذي جاءت محاولة اغتيال سليم فور إعلانه مصادرة شاحنة «حزب الله» وفتح تحقيق في إشكال الكحالة، إذ اعتبر بعض النواب أن موقفه لم يكن مفهوماً، وكان يجب عليه أن يتصدى لعناصر الحزب ولأهالي المنطقة الذين قطعوا الطريق الدولي وحاولوا منع نقل الشاحنة، إلا أن الجيش أصر على فتح الطريق ونقل الشاحنة، في حين أفادت مصادر قريبة من الحزب بأنه قد تسلّم كل الشحنة التي كانت بداخلها، بينما أكد الجيش أنها أصبحت بحوزته وباشر التحقيقات في خلفيات الحادث.
وتُفضي هذه الإشكالات والاشتباكات إلى احتمال من اثنين، إما تزايد الضغوط على كل القوى السياسية بما فيها «حزب الله» ما سيدفعه للذهاب إلى إبرام تسوية سياسية وتقديم تنازلات، وإما استمرار الوضع على حاله مع احتمال أن تكون هذه الأحداث مرشحة للازدياد والارتفاع، خصوصاً في ظل الشحن الموجود بالنفوس وغياب أي حلول سياسية.
ولكن استمرار الواقع على حاله سيؤدي إلى المزيد من الترهل والتدهور على مستوى مؤسسات الدولة وقطاعاتها، ما يعني أن الواقع السياسي والاجتماعي سيبقى في حالة انهيار، أما في حال توافرت العناصر للذهاب إلى تسوية، فهذا سيكون نتيجة تدخلات دولية تفرض وقائع جديدة، يرجح البعض أنها ستصب في النهاية في مصلحة قائد الجيش جوزيف عون.
ما أظهرته هذه الاشتباكات، المعطوفة على المزيد من التوتر بين «حزب الله» وجهات أغلبيتها مسيحية، هو الوصول إلى حالة متقدمة من القطيعة الاجتماعية، خصوصاً أن أحداث الكحالة، جاءت بعد أيام من مقتل مسؤول للقوات اللبنانية في بلدة عين إبل الجنوبية، وبالتزامن مع توترات تشهدها منطقة جبيل وجرودها بين الشيعة والمسيحيين.
هذه التوترات تدفع المسيحيين إلى تصعيد مواقفهم، وتصعّب كل محاولات بعض الأطراف منهم، لا سيما التيار الوطني الحرّ، للذهاب إلى اتفاقات أو تسويات مع الحزب.
في هذا السياق، هناك من يربط بين كل هذه الأحداث والتوترات في إطار صراعات أمنية لها أبعاد إقليمية، في ظل التصعيد الأميركي تجاه إيران، لا سيما في سورية من خلال قطع الطريق إلى الحدود العراقية، وإرسال إيران تحشيدات عسكرية إلى هناك في محاولة منها لإعادة فتحه، وذلك لا ينفصل عن ضغوط تتعرض لها دمشق سياسياً ومالياً واقتصادياً وتطوقها حتى في مناطق الساحل.