لبنان لم يتسلّم أي مسودة من المسودات التي جرى تسريبها من الإسرائيليين، بل يمتلك نص الاتفاق الذي أبرم مع المبعوث هوكشتاين، الذي ينص على تطبيق القرار 1701، وتوفير الضمانات لآلية تطبيقه، بما فيها تشكيل لجنة مراقبة أميركية – فرنسية، مع لبنان، إسرائيل والأمم المتحدة، إلى جانب كل البنود التي نُشرت سابقاً، وتتعلق بدخول الجيش إلى الجنوب، وتعزيز عمل قوات «يونيفيل»، وانسحاب «حزب الله»، وإطلاق مسار ترسيم أو تثبيت الحدود البرية بما يضمن تكريس استقرار طويل الأمد.
من ضمن التسريبات الإسرائيلية أيضاً، هي محاولة لإشراك روسيا في أداء دور أساسي حول الوصول إلى اتفاق، وأن تكون طرفاً ضامناً من الجهة السورية. ولهذا السبب جاءت زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل رون ديرمر إلى موسكو، كما ستكون له زيارة للولايات المتحدة الأميركية للقاء مسؤولين أميركيين وأعضاء من فريق ترامب، لا سيما أن ديرمر هو الشخصية التي تتولى منذ أكثر من 10 سنوات العلاقة بين نتنياهو والحزب الجمهوري الأميركي ومع ترامب تحديداً.
لذا، فإن زيارة ديرمر إلى واشنطن لا تتعلق فقط بالملف اللبناني، بل بمناقشة ملفات المنطقة كلها، خصوصاً في ظل ترقب إسرائيل لتغير في مستوى العلاقات الروسية – الأميركية، إذ كل المؤشرات تفيد بأن ترامب سيجدد علاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للبحث في ملفات كثيرة، تريد إسرائيل أن تؤدي دوراً فعالاً بين أميركا وروسيا، خصوصاً بعد قطيعة بين البلدين خلال ولاية جو بايدن وعلى خلفية الحرب الروسية – الأوكرانية، كما أن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي سيناقش مع فريق عمل ترامب الملف الإيراني ويقدّم تقريراً مفصلاً حول المشروع النووي سعياً وراء طموح نتنياهو في توجيه ضربة ضد إيران.
الأهداف الإسرائيلية الموضوعة لهذه الحرب كبيرة جداً، ولم تتحقق حتّى الآن، لذا فإن لبنان يتعاطى مع ما يفتعله الإسرائيليون من إيجابيات بأنه نوع من المناورات الإسرائيلية الجديدة، وانتهاج آلية التفاوض تحت النار، خصوصاً في ضوء التسريبات التي تحدثت عن مصادقة رئيس الأركان الإسرائيلي على توسيع العملية البرّية.
ويهدف سعي إسرائيل للتواصل مع روسيا وأميركا إلى تغيير وقائع كثيرة في المنطقة، لا تشتمل على جنوب نهر الليطاني فقط، بل على لبنان كله وعلى الحدود اللبنانية – السورية، وتصل إلى إيران أيضاً، خصوصاً من خلال تركيز إسرائيلي على التواصل مع ترامب لتوجيه ضربة إلى إيران، مع محاولة لتحييد روسيا مقابل أثمان في أوكرانيا.