وتعهدت الدول المانحة خلال المؤتمر بتقديم 9.6 مليار يورو (10.3 مليار دولار) على شكل منح وقروض لدعم الشعب السوري داخل وخارج البلاد، وهو مبلغ قريب من ذلك الذي طلبته الأمم المتحدة ويضمن مساعدة 15 مليون شخص من اللاجئين إلى الخارج والنازحين في الداخل السوري.
ثلاثية الإبعاد
وبالعودة إلى لبنان، فقد تضمنت الخطة المقترحة تقسيم اللاجئين السوريين إلى أربع فئات، الأولى تشمل طالبي اللجوء السياسي بين عامي 2011 و2015، والفئة الثانية تشمل الوافدين السوريين بعد عام 2015، أما الفئة الثالثة فتشمل الوافدين الذين يعبرون الحدود اللبنانية – السورية ذهاباً وإياباً، في حين تشمل الفئة الرابعة الوافدين الذين دخلوا الأراضي اللبنانية خلسة بعد 24 أبريل (نيسان) 2019.
وتنص على اقتراح للجانب السوري بإعادة 180 ألف نازح في الدفعة الأولى، أي خلال أول ستة أشهر من بدء العودة، وتليها دفعات من 15 ألف نازح شهرياً إضافة إلى تجهيز 480 مركز إيواء على الأراضي السورية.
وطالبت الخطة المجتمع الدولي بالتعويض عن الخسائر والأعباء التي تكبدها لبنان منذ عام 2013 والتي بلغت 25 مليار دولار حصل لبنان منها على 12 في المئة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الكلفة المالية على الدولة والمرافق العامة، لا سيما في قطاعات الصحة والتربية والطاقة والمياه والزراعة والبيئة لناحية النفايات الصلبة والصرف الصحي وغيرها، وذكرت الخطة أنه على المدى القصير سيتم التعاون مع المنظمات الدولية، وطلب المساعدات من الدول المانحة في قطاعات التعليم والصحة والطاقة والبنى التحتية والبيئة والاتصالات وتحفيز النمو وتوفير فرص عمل.
أما على المدى المتوسط فتتضمن الخطة العمل على تسجيل الولادات الجديدة المعتمدة في لبنان والعائدة للنازحين السوريين ومكتومي القيد والاعتراف بهذه القيود، والتنسيق مع الجانب السوري من أجل اتخاذ القرارات اللازمة لتشجيع النازحين السوريين على العودة إلى بلادهم، في حين أشارت إلى أنه على المدى الطويل سيتم العمل على وضع خريطة طريق واضحة، شفافة ومتدرجة، بين جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي والمنظمات الدولية، من أجل الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، مبني على الحوار الهدف والبناء وتأكيد التزام لبنان احترام الاتفاقيات الدولية.
ابتزاز وفساد
ووفق المعلومات شهدت ورقة العمل اللبنانية انتقادات برزت في اللقاءات الثنائية التي عقدت على هامش المؤتمر، إذ عبر ممثلون عن الاتحاد الأوروبي عن قلقهم من أن تكون تلك “الخطة” مجرد ورقة ابتزاز لرفع قيمة المساعدات الدولية للبنان، إذ برأيهم الأرقام التي ذكرتها الخطة لا تقارب الواقع، لا سيما أن قيمة تلك المساعدات مدروسة بشكل دقيق إلا أن سوء إدارة الدولة قد يكون السبب في الهوة التي تتحدث عنها أرقام الحكومة.
كذلك تشير المعلومات إلى انتقادات وجهت للوفد اللبناني مرتبطة بغياب الشفافية حول أعداد اللاجئين في لبنان، إذ تبلغ أرقام مفوضية اللاجئين نحو 880 ألفاً، في حين تتراوح الأرقام التي تذكرها تقارير رسمية في لبنان بين مليون ونصف المليون إلى نحو مليونين ونصف المليون نازح، معتبرة أن فلتان الحدود اللبنانية – السورية وغياب الرقابة مسؤولية الدولة اللبنانية، بالتالي تتحمل الحكومة مسؤولية تسيب المساعدات الأممية وعدم قدرتها على تلبية حاجات السوريين الذين بات 91 في المئة منهم تحت خط الفقر المدقع وهو رقم كبير مقارنة بالأموال وبرامج المساعدات التي يتم رصدها للبنان.
أخطار وتوترات
وسلم وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب خلال المؤتمر ورقة لبنان المتعلقة بالنازحين السوريين، وأشار في كلمته بمؤتمر بروكسل إلى أن لبنان يستقبل مليوناً ونصف المليون نازح سوري منذ بدء الصراع في سوريا، لافتاً إلى أن أزمة النازحين باتت تؤثر في الوضع السياسي في البلد مما يهدد النموذج اللبناني، مركزاً على أن “النزوح السوري يؤثر في الاقتصاد والبيئة، ووفق البنك الدولي لبنان يتكبد قرابة خمسة مليارات دولار سنوياً”. وكشف عن أن “هناك خطراً من توترات بين اللبنانيين والنازحين السوريين وارتفاع العنف، بسبب الأزمة والصراع للحصول على وظائف”، مؤكداً أنه “لا يمكن أن يتحول لبنان إلى بقعة واسعة للنازحين السوريين”، ومبدياً تخوفه من تحول القرار الأممي حول سوريا إلى قرار حبر على ورق.
اللجوء مقابل دعم
وشهد المؤتمر سجالاً بين مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل ووزير الشؤون الاجتماعية اللبناني هيكتور حجار، على خلفية المقاربة الأوروبية لأوضاع اللاجئين في دول جوار سوريا. وأشار بوريل إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يكن ليختار مسار تطبيع علاقاته مع النظام السوري مثلما فعلت الجامعة العربية، مشدداً على أنه لا يمكن للأسرة الدولية تجاهل محنة هؤلاء اللاجئين، ومعتبراً أن الظروف غير متاحة لتغيير سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا. وأكد أن الاتحاد “لن يتراجع عن دعم الشعب السوري”، كما وعد الدول المضيفة بدعم مادي.
في المقابل كان الرد من حجار الذي ذكر أن الحل السياسي المنتظر للقضية الفلسطينية مضى عليه 75 عاماً ولا يزال الفلسطينيون مشتتين في كل أصقاع الأرض، مشيراً إلى أن لبنان تحمل وزر اللجوء السوري منذ 12 عاماً وبات اللاجئون يشكلون 30 في المئة من السكان في لبنان، وانتقد الخيار الأوروبي وقال “نحن مستعدون لدعمه إذا ما قررتم استقبال نحو سبعة ملايين نازح سوري في أوروبا، على أن تعيدوهم إلى بلدهم عند بلورة حل سياسي واضح للأزمة السورية ومقبول بحسب مقاييسكم”.
تحقيق مطلب
وتشير مصادر وزارة الخارجية اللبنانية إلى ترحيب أوروبي بورقة العمل اللبنانية، لافتة إلى وجود تفهم للهواجس اللبنانية المرتبطة بالديموغرافيا وقدرات لبنان الاقتصادية في ظل الأزمة الاقتصادية، وكاشفة عن أن الاتحاد الأوروبي بات على استعداد لمراجعة السياسات المتبعة حيال واقع النازحين السوريين في لبنان، ووفق المصادر ذاتها يبدو أن الاتحاد الأوروبي يتوجه للموافقة على المطلب اللبناني بالمساواة في دفع المساعدات بين الطلاب اللبنانيين والسوريين، خلافاً لما كان يحصل طيلة السنوات الماضية لناحية إعطاء أفضلية للطلاب السوريين، كما كشفت عن تطابق في المطالب والهواجس والمخاوف من تداعيات النزوح السوري بين الوفود اللبنانية والأردنية والتركية والمصرية والعراقية، الأمر الذي يسهل على لبنان المهمة ويشكل قوة ضغط على المجتمع الدولي.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 14 مليون سوري فروا من منازلهم منذ 2011، ولا يزال نحو 6.8 مليون نازح داخل سوريا حيث يعيش جميع السكان تقريباً تحت خط الفقر، كما يعيش نحو 5.5 مليون لاجئ سوري في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.
دمج السوريين
من ناحيتها، طالبت النائبة في البرلمان اللبناني غادة أيوب بالتحرك سريعاً لوضع الحلول الممكنة لملف النازحين السوريين، كاشفة عن وجود ثمانية آلاف جمعية غير حكومية تعمل على دمج السوريين في المجتمع اللبناني، وأن هناك تمويلاً يقدر بنحو ثمانية مليارات دولار يصل مباشرة إلى هذه الجمعيات من دون أن يمر عبر الدولة. ولفتت إلى وجود ولادات تحصل في لبنان ولا يتم تسجيلها لا عبر السفارة السورية ولا أي وسيلة أخرى، وأن مرسوم التجنيس، الذي صدر عام 1994، حسم مسألة مكتومي القيد وأصبحت معالجة هذا الأمر مسألة إدارية وقانونية، ولكنها لا تنطبق على الولادات التي تحصل، مع الإشارة إلى أنه يمكن ضبط هذا الأمر من خلال السجلات الصحية لدى وزارة الصحة ودور الرعاية.