أيُّها السّادة، لبنان الجمهورية بات رهينة أزمات قاتلة ومتراكمة ويتجـه نحـو الإنهيار بسبب سوء الإدارة السياسية التي تُدار من قبل سماسرة أصحاب نفوذ طائفي – مذهبي أطبقوا على الجمهورية ودمّروا كل مؤسساتها الشرعية المدنية والعسكرية. في الجمهورية الحالية التي تُحكم خلافاً للنظام الديمقراطي الشعب أضحى رهينة لمجموعات سياسية توالي خارجاً يتمدّد خلافاً لقانون العلاقات الدولية وخلافاً لقانون الأحزاب والجمعيات وتعديلاته المعمول به منذ الإستقلال. أرض الجمهورية اللبنانية محتلّة من ميليشيا تدعمها الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهذه الميليشيا أحكمتْ قبضتها الحديدية على كل مفاصل الدولة بغطاء بعض نوّاب الأمّة، وأصبحتْ بمثابة دولة لها كل مقوماتها الفكرية – العقائدية – السياسية – العسكرية – التربوية – الصحية، وبالتالي باتت الدولة الرديفة وبيدها كل المفاتيح الرئيسية… هذا هــو واقع الحـــال.
أيُّها السّادة، وفقاً لمبدأ «العلوم السياسية» ووفقاً للدستور تتكوّن العديد من البرلمانات من هيئات السلطة التشريعية، والسلطة التشريعية وفقاً للنصوص الدستورية هي هيئة تداوليّة لها سلطة تبنّي القوانين، وتعرف الهيئات التشريعية بتسميات عدّة منها على سبيل المثال: مجلس النوّاب – الكونغرس… وهذه السلطة تُعدّ الهيئة التشريعية في الحكومات ذات النظام البرلماني وهي السلطة العليا التي تُقِّر القوانين وتشرعها وفقاً للأصول الدستورية. كما يكون لهذه السلطة الكاملة فيما يتعلق بإصدار التشريعات والقوانين وإلغائها والتصديق على الإتفاقيات الدولية والخارجية التي تُبرم عبر ممثلي الشعب في السلطتين الإجرائية والتنفيذية. نسرد هذه الوقائع لنُشير أنّ العلمية التشريعية اللبنانية تعاني عدداً من أوجه الخلل والقصور التي تحــدّ من فاعليتها وقوّة التأثير التي يفترض أن تؤدّيها، كما أنه أصبح من غير الواضح الإجماع على رؤية موحّدة نحــو تحديث وتطوير أهداف عمليّة التشريع حيث باتت كل المحاولات كيّديّة لا تنسجم مع واقع لبنان الديمقراطي ومع عضوية لبنان في كل من جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة . هذا من حيث الشكل أمّا لناحية المضمون فقد بلغت نسبة المقاطعة في الانتخابات النيابية الأخيرة ما يُقارب الـ 59% (هذا الرقم أعلنته وزارة الداخلية اللبنانية ولجنة مراقبة الانتخابات)، وفي هذا السياق تُطرح تساؤلات حول أسباب مقاطعة الانتخابات والإشكاليات التي حصلت على مجمل العملية السياسية بصورة خاصة والنظام السياسي بشكل عام. والمعلوم كنتيجة موضوعية أنّ عامة الشعب أو الأكثرية الصامتة أنهم غير معنيين بتهميش متعمّد من قبل السلطة القائمة للنظام الديمقراطي وبالتالي رفضهم لإنتخابات صُوَريّة شاركت فيها حصراً أحزاب السلطة بموجب قانون إنتخابي راعى مصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة. وبصريح العبارة أصبح للبنان برلماناً على شاكلته السابقة مع تغيير في الوجوه لكن بلون سياسي معروف وممنهج وتابع.
أيّها السّادة، أمام هذه الوقائع المؤلمة بات النظام السياسي في لبنان رهينة، وبالتالي بات الحــل مع هذه الطبقة شبه مستحيل إنْ لم يتُم توسيع مروحة المشاورات مع مكوّنات سياسية متجرّدة من خطــر الطبقة الحاكمة وهي على ما أدرك «طبقة سياسية واعدة حرّة متخصصة تحمل أكثر من إختصاص ولها خبرتها في كل المجالات السياسية – الاقتصادية – الإجتماعية – المالية – الأمنية…» كما إنها تتمتّع بإستقلالية متحققة بقوة الرأي الصائب والمشورة والعلاقات الداخلية – العربية – الدولية. نراقب عن كثب مجريات الحوار الذي تجرونه من خلال موفديكم إلى لبنان، حتى وإنْ جرَتْ جولات تفاوضية بينكم وبين أركان النظام اللبناني، لا تكفي لرسم خطة للمستقبل السياسي اللبناني، وسط إصرار عوامل إقليمية – محليّة على إبقاء الأمور على ما هي عليه، وإصرار من في يدهم السلطة على عدم الخروج بتسوية بدون شروط يضعون كل تفاصيلها… وقبل ذلك وبعده الصراع الدولي الناشب بين اللاعبين الكبار على المسرح السياسي اللبناني (فرنسا والولايات المتحدة الأميركية) الذي يجعل من العسير التفاوض بينهما على إيجاد مخارج معينة للأزمة اللبنانية من دون الأخذ بعين الإعتبار مصالح كل منهما. من هذا المنطلق وبنظرة سياسية خلفيتها أكاديمية يمكن إعتبار لبنان رهينة أكيدة لنظام إقليمي يفرض سيطرته وإستراتيجيته بالمطلق، وهذا الأمر يُسبِّب بحالات عدم الإستقرار الشامل والحروب المستمرّة والدمار الهائل والخراب الممنهج والتخلُّف الفكري والإجتماعي والذي يُثابـر على نهش الجسم اللبناني تحت غطاء محلّي.
أيُّها السّادة، لسنا هوّاة مصالح ومراكز وأصحاب شأن ولسنا من مناصري أي فريق على الساحة اللبنانية، ولكن من منطلق أكاديمي وحرصاً على وطن شلّعته المصالح الخارجية وسوء إدراك المسؤولية لدى أغلبية السياسيين اللبنانيين الطائفيين – المذهبيين، وعملاً بما تقوله الحكمة العربية المتداولة «إذا أردتَ أن تفشل قضية أو تعطّل أمراً فشكّل له لجنة، وإذا أردت له أن يدخل في طيّات النسيان فشكّل من اللجنة الرئيسية لجان فرعية لتنبثق عنها لجان ثانوية… وهكذا حتى يموت تماماً ويغرق مع الوقت في متاهة اللجان»… الذاكرة اللبنانية أيُّها السّادة تحتفظ بميراث سيئ للغاية مع فكرة اللجان خصوصاً في وطن أغلبية مؤسساته مُفكّكة ومنهارة وغير قادرة على الحسم إنْ طُلِبَ منها. ونظراً لما يردنا من معلومات عن تعثّر المفاوضات بشأن الإستحقاق الرئاسي وبسبب تفرُّد الآراء في لبنان وعدم قدرة الأفرقاء على الحسم نطرح هذه المبادئ، علّنا نستطيع فك أسر لبنان من خلال خارطة طريق تعتمد على تبنّي الطروحات التالية:
– تطبيق قانون الدفاع الوطني الذي يحصر المهام الدفاعية عن لبنان بقواه الشرعية الذاتية.
– تطبيق القانون الدولي لناحية إرساء العلاقات بين الدول وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية.
– المحافظة على عضوية لبنان في جامعة الدول العربية وعضوية لبنان في هيئة الأمم المتحدة.
– حصر عملية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية بالبنود الثلاث المدرجة أعلاه، وفقاً للنظام الديمقراطي.
أيُّها السّادة إن إستطعنا تسويق هذه البنود وفقاً لأجندة سياسية محلية – عربية – دولية، نكون قد إختصرنا المسافات ووفّرنا على أنفسنا عناء الحوارات غير المجدية ونصل حتماً إلى تحرير الجمهورية الرهينة من قبضة خاطفيها وبالتالي إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق برنامج عمل يرتكز على مبادئ ديمقراطية صرفة تحترم حقوق الشعب اللبناني وفقاً للنصوص القانونية… كلّي أمل أن نتعاون لما فيه مصلحة لبنان العضو في جامعة الدول العربية وفي منظمة الأمم المتحدة وبإنتظار آرائكم. ولكم مني كامل التقدير والإحترام.