يؤكد “حزب الله” على لسان كل مسؤوليه، بدءاً من أمينه العام حسن نصرالله، جاهزيته لخوض الحرب إذا قرر الإسرائيلي شنها على لبنان، وما فيديو “عماد 4″ الذي وزعه الحزب سوى للتأكيد على استعداده العسكري لحرب طويلة وفق ما تؤكد مصادر نيابية مقربة منه. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل لبنان جاهز لهذه الحرب؟ وهل هو قادر على تحمل أعباء جديدة في ظل الانهيار الذي يعيشه على الصعد كافة، من الاقتصاد إلى الصحة إلى البنى التحتية إلى المال؟ وما قدرته على احتمال حرب كهذه وقد أدت المواجهات المستمرة في الجنوب منذ عشرة أشهر بين إسرائيل و”حزب الله” إلى تفاقم هذه الأزمات؟ وكيف إذا اتسعت رقعة المواجهات أو تحولت إلى حرب شاملة؟ وماذا عن قدرة الدولة على التعامل مع الحرب حال اندلاعها؟
“لجنة طوارئ” حكومية
في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أي بعد شهر على عملية “طوفان الأقصى”، أقرت الحكومة اللبنانية ما عرف بـ”خطة الطوارئ الوطنية” تحسباً لتوسع الحرب باتجاه لبنان. وفي 31 يوليو (تموز) الماضي بعد استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت ومقتل المسؤول في “حزب الله” فؤاد شكر، عقد مجلس الوزراء جلسة طارئة لاتخاذ الإجراءات الضرورية من قبل لجنة الطوارئ الوطنية، وبين الموعدين مؤشرات وحقائق دفعت إلى التشكيك بمدى جاهزية لبنان الرسمي للحرب إن حصلت.
كما عكس ازدياد أعداد النازحين منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) تخبطاً واضحاً في استجابة الدولة ومؤسساتها لأزمة كهذه، وجاءت مشكلة الكهرباء وانقطاعها نهائياً بسبب عدم توافر مادتي الفيول والغاز لتزيد الطين بلة، مما دفع كثيرين إلى التعليق على مواقع التواصل الاجتماعي قائلين إن “خطة الحكومة اللبنانية للحرب فعالة لدرجة أن الفيول انتهى قبل أن تبدأ الحرب”.
في حديث مع “اندبندنت عربية” يشرح منسق لجنة الطوارئ وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، أن العمل على خطة الطوارئ بدأ منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد الحرب على غزة وبدء الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، موضحاً أن الخطة تحاكي العدوان الإسرائيلي الذي حصل عام 2006 والاحتمالات المتعددة.
وأضاف، “اعتبرنا أن السيناريو الذي يجب أن نتحضر له هو الشبيه بعدوان 2006، آخذين في الاعتبار العوامل نفسها التي طبعت تلك المرحلة لجهة عدد النازحين من بيروت والجنوب والبقاع والذي بلغ حينها مليون مواطن، إضافة إلى تدمير جسور وتقطيع أوصال المناطق وفرض حصار بحري وجوي والاستنفار الصحي للجرحي والمصابين”.
وشملت خطة الحكومة، وفق وزير البيئة، كل هذه الأمور مع دراسة متأنية لمدى جاهزية الإدارات والأجهزة المعنية في حال حصول أمر مماثل، كما لاحظت احتمال ازدياد عدد النازحين ليتخطى المليون و200 ألف، مما يتطلب توفير أماكن إيواء، وتم التركيز على عشرة قطاعات ضرورية أولها مراكز الإيواء وتجهيزها والأمن الغذائي والمساعدات الغذائية وشؤون النظافة والصحة والطوارئ الصحية لمصابي الحرب وللنازحين وكل ما هو متعلق بالأمور اللوجستية مثل الاتصالات والطرقات البديلة والمحروقات.
كما تمت دعوة الوزارات المعنية عبر لجنة إدارة الأزمات الوطنية والكوارث في رئاسة مجلس الوزراء، وهي لجنة قائمة منذ زمن، بحسب ياسين، وتضم كل الوزارات والإدارات الرسمية، كما تمت دعوة المنظمات التابعة للأمم المتحدة لتكون شريكة في هذه الخطة. وجرى تفعيل لجان إدارة أزمات الطوارئ والكوارث في المحافظات، والتي فعّلت بدورها لجاناً على مستوى الأقضية أو البلديات.
وتابع “بات لدينا برنامج يلبي حاجات النازحين في الجنوب، خصوصاً أن تزايد الاعتداءات أدى إلى ارتفاع عددهم، وبلغ وفق الإحصاءات الأخيرة 110 آلاف مواطن الأكثرية الساحقة منهم نزحوا إلى مناطق في الجنوب، و80 في المئة منهم في منازل وليس بمراكز إيواء”.
الحاجات تفوق القدرات
من المعلوم أن احتياطي المواد الغذائية في لبنان لا يكفي أكثر من ثلاثة أشهر لأن المستوردين يستوردون فقط لهذه المدة إلا في حال الأعياد كشهر رمضان والميلاد، أما قدرة لبنان على تخزين الفيول فلا تتعدى خمسة أسابيع، علماً أن المشتقات النفطية لا تخزن على عكس المواد الغذائية، ويمكن أن تكون متوافرة لشهر أو شهرين كحد أقصى. أما حاجات المواطنين من الطحين فتكفي لشهرين في حين يكفي الغاز المنزلي لشهر ونصف الشهر.
يقول وزير البيئة إن لجنة الطوارئ تعمل مع نقابة مستوردي النفط على حتمية استمرار تأمين المازوت لأربعة قطاعات أساسية أطول فترة ممكنة، وهي الأفران والمستشفيات ومحطات ضخ المياه وسنترالات الهاتف “أوجيرو”. ويعترف بمشكلة قطاع الكهرباء المتعثر أصلاً، مما دفع بلجنة الطوارئ إلى الاعتماد على الفيول الذي يتم تأمينه من القطاع الخاص والشركات الخاصة.
ويكشف الوزير أن لجنة الطوارئ قدرت الكلفة الشهرية لمليون نازح لبناني بنحو مئة مليون دولار، معظمها للغذاء في مراكز الإيواء والحاجات الصحية والمستلزمات الأساسية، ويعترف بأن الدولة اللبنانية لا تملك هذا المبلغ لكن الحكومة فتحت اعتمادات من خزينة الدولة لوزارة الصحة لتأمين تغطية جرحى الحرب إذا وقعت، وهناك مساعدة من منظمة الصحة العالمية، وجُهزت ثماني مستوصفات نقالة، وفُتح اعتماد للدفاع المدني لتصليح آلياته المعطلة حتى يتمكن من التدخل عند الحاجة، واعتماد آخر للهيئة العليا للإغاثة بقيمة 150 مليار ليرة لتأمين المستلزمات الأساسية لمراكز الإيواء، واعتماد ثالث لمجلس الجنوب لتقديم المساعدات للمتضررين من أبناء الجنوب، ووضعت وزارة الأشغال آلية معينة لصرف اعتمادات موجودة لفتح طرقات وإزالة الردم والركام إذا حصل.
ويشدد منسق لجنة الطوارئ على أن الحكومة اللبنانية تقوم بواجبها بشكل كامل ضمن الظروف المالية الموجودة، كاشفاً أن نسبة المساعدات التي قدمتها الدولة للجنوب لم تتخط الـ34 في المئة من الحاجات المطلوبة، في حين أن المساعدات المقدمة من الجهات المانحة لا تزال أيضاً خجولة ويرتبط تقديمها بحصول الحرب.
ويوضح ياسين أن وزارة الصحة في لبنان من خلال الوزير فراس الأبيض وفريقه أخذت الموضوع بجدية، ووضعت خطة طوارئ صحية ونظام متابعة دائمة، وعززت الاتفاقيات مع المستشفيات، ودرست الكلفة الإجمالية، إضافة إلى استحداث العيادات النقالة في الجنوب، ودرست إمكانية زيادة عددها وفقاً للتطورات.
لبنان غير مستعد للحرب
أمام ما تقدم نسأل رئيس لجنة الطوارئ: هل لبنان مستعد للحرب؟ فيجيب بأنه “لا يمكن لأي بلد في العالم أن يقف في وجه ما نشهده في غزة من حرب إبادة وآلة تدمير وقتل ممنهج مهما تمتع باستقرار إداري واقتصادي وسياسي، فحتى الدول الكبيرة لا يمكنها تحمل معاناة الحروب كما روسيا وأوكرانيا. لكن الأهم هو تفادي الحروب، وإضافة إلى المسار الدبلوماسي الذي يقوده رئيس الحكومة ووزير الخارجية مع الدول لمنع توسع الحرب وحماية لبنان وتنفيذ القرارات الدولية، هناك مسار آخر يتعلق بشؤون الإغاثة وتحضير وجاهزية لبنان ككل لسيناريو الحرب”.
يتجنب الوزير في حكومة تصريف الأعمال التعليق على أنفاق “حزب الله” وتفرده بقرار المواجهات الدائرة في الجنوب، ويؤكد أن الحكومة تتحمل مسؤولياتها الوطنية لحماية البلد من آلة الحرب والتدمير الممنهج الحاصل في الجنوب على كل المستويات، مشدداً على وضع الحكومة كل الجهود الجدية لحماية المواطن اللبناني، وقرار الحكومة هو ضد الحرب واحترام المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الإنسانية وتنفيذ القرارات الدولية وخصوصاً القرار 1701 الذي يخرقه العدو الإسرائيلي بشكل يومي، وداعياً إلى العودة إلى هذا القرار كأساس لأي حل، وهو ما تطالب به الحكومة اللبنانية.