رويدرك الناشطون في العمل السياسي اللبناني ان «لحظة ما» قد تتاح لإتمام الاستحقاق بجلستي انتخاب تواليا أو أكثر، نتيجة توافق وتقارب تسعى إليه دول خارجية وعربية تهتم بالشأن اللبناني، لتحقيق انفراج في الأفق السياسي المسدود في البلاد، وإرخاء جو من الاستقرار النقدي بتحريك عجلة مؤسسات الدولة اللبنانية، مع تدفق المياه من النافورة الرئيسية في باحة القصر الجمهوري في بعبدا، والتي تشير إلى وجود ساكن للقصر هو رئيس الجمهورية.
ومع تقدم حظوظ مرشحي «الخيار الثالث»، والمقصود بهم من يحظى بقبول من أطراف النزاع في البلاد، ولا يجابه باعتراض من أي طرف، كشفت أوساط لـ«الأنباء» عن ان اسمين خرجا من «لائحة الخيار الثالث» لرفضهما من قبل «الثنائي الشيعي» (حركة أمل وحزب الله)، هما الوزير السابق روجيه ديب (كان يمثل القوات اللبنانية أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي)، والنائب السابق صلاح حنين المدرج في صقور قوى «14 آذار».
اما اللائحة فتضم مجموعة أسماء ثابتة هي الوزراء السابقون زياد بارود وناجي البستاني وجان – لوي قرداحي، إلى النائب نعمة افرام والسفير السابق لدى الفاتيكان المدير السابق للمخابرات في الجيش اللبناني العميد جورج خوري. ويقترب من اللائحة القاضي غالب غانم، ويسعى الى دخولها عدد من الوزراء والنواب السابقين، بينهم فارس بويز، إضافة إلى ضباط سابقين شغلوا مواقع متقدمة في الجيش اللبناني.
ويجمع العارفون بالتفاصيل اللبنانية على ان «الرياح الرئاسية» قد تهب في اتجاه مرشح معين وفقا للظروف السائدة وقت القرار بإنجاز الملف.
ويرى هؤلاء ان الحظوظ الأقوى تميل إلى «المرشح الطبيعي» لمنصب الرئاسة قائد الجيش العماد جوزاف عون. إلا ان «المونة» من قبل «الثنائي الشيعي» لسحب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، قد تتضمن تقديم «الخيار الثالث» على ترشيح قائد الجيش.
وانقسم المراقبون حول حظوظ الوزير السابق المحامي ناجي البستاني، منهم من رأى أنه دفع ثمن وقوفه طرفا في الخلاف بين وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال العميد موريس سليم وقائد الجيش، ما أدى إلى إعلان الأخير فسخ العقد معه من قبل قيادة الجيش كمستشار قانوني لوزارة الدفاع، فيما رأى آخرون «ان خطوة القائد قد تحمل عطفا تجاه البستاني»، من دون ان يقتنع القسم الأكبر بذلك، معتبرين ان ورقة البستاني قد سقطت.
في المعلومات انه لكل مرشح جاهزيته لتسلم زمام إدارة البلاد، واختيار «رجال العهد». ويقابل ذلك تسليم بحصر موقع الرئاسة الثالثة في الحكومة لائحة ضيقة تقتصر على الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام، في ضوء اعتبار «ان أوان عودة الرئيس سعد الحريري إلى العمل السياسي وتاليا إلى السرايا لم يحن». كذلك استبعد اسم رئيس محكمة العدل الدولية القاضي نواف سلام، كونه لن يتخلى عن منصب دولي رفيع، فضلا عن «فيتو» شديد من قبل أحد طرفي «الثنائي الشيعي».
لكل من مرشحي «الخيار الثالث» طريقته في مقاربة الملف. البعض يتحرك علنا، والبعض الآخر ينكفئ ويبتعد عن الأضواء، لأنه «يعرف قواعد اللعبة الرئاسية في لبنان». لائحة مرشحين من «الخيار الثالث» تضم أصحاب كفاءات ينتصرون لمشروع الدولة، ولتحريك عمل المؤسسات، في بلد أصابه الإنهاك جراء أزمة مالية نقدية غير مسبوقة، وشلل تام تمدد في شكل كبير إلى مؤسساته ومرافقه الرسمية.
لا يعني هذا الكلام ان الاستحقاق الرئاسي قد وضع على «نار حامية»، لكنها «اللحظة ما» التي يترقبها الجميع، والتي تلوح بشائرها في الأفق السياسي المسدود بشكل كبير منذ ما قبل الشغور الرئاسي.
ويستعيد البعض الانفراج الذي واكب انتخاب الرئيسين ميشال سليمان (25 مايو 2008) وميشال عون (31 أكتوبر 2016). ويميلون إلى ان التسوية قد تطول حظوظ المرشح سليمان فرنجية، الذي يصح القول فيه ان الرئاسة مرت مرتين من تحت أنفه في 2004 وقت تمديد ولاية الرئيس إميل لحود 3 أعوام، ووقت انتخاب العماد ميشال عون.
وهذه عبارة شهيرة توجه بها الرئيس الراحل الياس سركيس إلى الوزير الراحل ميشال إده في 1982، وقت انتخاب الرئيس الراحل بشير الجميل، إذ قال سركيس لإده: «مرقت الرئاسة من تحت مناخيرك (أنفك)».
قد لا تكون المحاولة الثالثة ثابتة لفرنجية. وربما يدخل إلى قصر بعبدا رئيس يخلع البزة العسكرية ليرتدي «الطقم الرسمي المدني» في تكرار لتجربة الرؤساء فؤاد شهاب وإميل لحود وميشال سليمان. او ربما يدخل عسكري بعد اعتياده طويلا على البزة الرسمية المدنية كما حصل مع الرئيس ميشال عون.