ومع أن لقاءات لودريان تستمر حتى مساء الخميس، فإن الكتل النيابية تواصلت مع السفارة الفرنسية في لبنان للوقوف منها على جدول الأعمال الذي يحمله معه لكنها لم تحصل على أجوبة شافية، ما يدعوها للتصرف على أن الموفد الرئاسي الفرنسي يُبقي برنامجه مفتوحاً لعله يتوصّل في اجتماعاته إلى قواسم مشتركة حول ماذا سيكون عليه الوضع في لبنان فور انتهاء الحرب بين حركة «حماس» وإسرائيل في قطاع غزة.
لكن الغموض الذي يكتنف جدول أعمال لقاءاته في بيروت لا يمنع الكتل النيابية من تعاملها مع زيارته الرابعة للبنان من زاوية أنه يحاول ترميم العلاقات اللبنانية – الفرنسية بعد الجروح التي أصابتها من جراء انحياز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصلحة إسرائيل.
واستبقت معظم الكتل النيابية وصول لودريان إلى بيروت بإجراء مشاورات توخّت من خلالها التحضير للقاءاتها معه، وهذا ما سارعت إليه قوى المعارضة في البرلمان في اجتماعها مساء الثلاثاء، رغبةً منها في توحيد موقفها حيال ما يمكن أن يطرحه عليها في حال بقاء باريس على موقفها الذي تبلغته منه لجهة ترجيحه في اجتماعاته السابقة ضرورة البحث عن خيار ثالث يفتح الباب أمام انتخاب رئيس توافقي، انطلاقاً من أن لا قدرة لمرشح محور «الممانعة»، رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، ومرشح المعارضة الوزير السابق جهاد أزعور الذي تقاطعت على اسمه مع «التيار الوطني الحر»، على تأمين الغالبية النيابية لانتخاب أحدهما رئيساً للجمهورية.
وتلتقي المعارضة مع محور «الممانعة» في تعاملهما مع الزيارة الرابعة للودريان على أنها تأتي في سياق استطلاعه المواقف للتأكد ما إذا كانت ما زالت على حالها، وصولاً لابتداع أفكار جديدة لعلها تدفع باتجاه تسجيل خرق من شأنه أن يضع انتخاب الرئيس على نار حامية.
وبكلام آخر، تستبعد القوى المعنية بانتخاب رئيس للجمهورية أن يحمل لودريان أي جديد سوى «توزيع» مجموعة من النصائح تتصدّرها الدعوة لانتخاب رئيس للجمهورية، لإعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية. وتقول مصادر مقربة منهما لـ«الشرق الأوسط» إن المهمة الأولى للودريان تكمن في تسجيل الحضور الفرنسي في المشهد السياسي الذي يدخل حالياً في مرحلة جديدة مع التحاق جنوب لبنان، ولو من باب المساندة، بالحرب الدائرة في غزة.
وتكشف مصادر سياسية لبنانية محايدة عن أن لودريان سيتقدّم إلى الكتل النيابية بنصيحة منع انزلاق لبنان نحو توسع الحرب استجابةً لرغبة أصدقائه من دول غربية وعربية، فيما تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لمنع تمدُّد المواجهة إلى الجبهة الشمالية مع جنوب لبنان.
وتؤكد أن باريس تسأل عن إمكانية تطبيق القرار 1701 لمنع انزلاق لبنان نحو الحرب أو جنوح إسرائيل لتوسعتها لتشمل الجبهة الشمالية، خصوصاً أنه لم ينفّذ منه سوى البند المتعلق بوقف الأعمال العسكرية الذي سرعان ما تهاوى مع بدء الحرب في غزة.
وتقول المصادر نفسها إن البنود التي تشكل الإطار العام الميداني والعسكري لوضع القرار 1701 على سكة التنفيذ، ما زالت عالقة، وأبرزها تلك المتعلقة بوقف إطلاق النار وخلوّ منطقة العمليات الخاضعة لسيطرة الجيش اللبناني وقوات «يونيفيل» في جنوب الليطاني، من المسلحين.
وتضيف أن وحدة الساحات التي كان الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، قد تحدث عنها، تتعارض مع تطبيق القرار 1701، إضافة إلى الإشكالية المترتبة على عدم انسحاب إسرائيل من بعض النقاط التي كان قد تحفّظ عليها «حزب الله» وتقع على خط الانسحاب الذي يطالب به لبنان كون «الخط الأزرق» ليس خط الانسحاب الكامل.
لذلك من السابق لأوانه الحديث عن تطبيق القرار 1701 ما دامت الحرب مشتعلة في غزة، وأن ما يصدر عن دعوة لبنان لتنفيذه يأتي في سياق منع انزلاقه نحو الحرب، باعتبار أن تطبيقه يُسقط أي ذريعة لإسرائيل يمكن أن تستخدمها لتوسعة الحرب.
وعليه فإن منطقة جنوب الليطاني ستبقى على حالها ولم تشهد أي تبدُّل يجعل منها منطقة منزوعة السلاح، وتخضع بلا شريك غير شرعي لسيطرة الجيش اللبناني بمؤازرة «يونيفيل»، وبالتالي لم يَحن أوان تطبيق القرار في ظل بقاء «حزب الله» على سلاحه في هذه المنطقة لتوفير مساندة لـ«حماس» في حربها، مع أن هذه المنطقة لم يسبق لها أن خضعت بالكامل لسيادة الدولة.
وعلى صعيد آخر لم تستبعد المصادر أن يتطرق لودريان لملء الشغور في قيادة الجيش في ضوء إصرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على استبعاد تعيين خلف للعماد جوزف عون فور إحالته إلى التقاعد، وهو لا يزال يراهن على تأجيل تسريحه، وهذا ما سعى إليه في الساعات الماضية لدى الثنائي الشيعي من دون أن يتوصل معه إلى اتفاق بسبب تريث «حزب الله» بعدم حسم موقفه بذريعة أن الوقت لم يَفُتْ بعد، ما أدى إلى استبعاد طرح تأجيل التسريح من خارج جدول الأعمال في جلسة مجلس الوزراء المقررة يوم الأربعاء.