وُلدت دولة إسرائيل في العام 1948. في 2028 يفترض أن يصبح عمرها ثمانين عاماً. لكن، ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. حتى الإسرائيليون يحكون عن اللعنة التي تلاحقهم وتسرد عنها أخبار وقصص وروايات. فلنبحث عن معنى اللعنة. إنها رغبة صريحة في أن تصيب المحن او أي شكل من أشكال سوء الحظ كياناً ما سواء كان شخصاً أو مكاناً أو كائناً. اللعنة إذاً موجودة. إنها رغبة كامنة في البشر. إنها لعنة يخشى منها الناس، عموم الناس، وحين يغضبون من بعضهم يرددون: الله يلعنكم. فهل الله يلعن البشر والكائنات؟ هل اللعنة موجودة او مجرد أسطورة نتعامل معها على أنها حقيقة؟
الأب نقولا رياشي، المرشد العام لعائلة قلب يسوع في لبنان، أجاب عن علامات الإستفهام التي طرحناها: «إذا اقتنعنا ان الله محبة فكيف لنا ان نقتنع أنه يلعن. اللعنة من الشيطان . يحكى عنها في زمن المحن والمصاعب والتجارب والحروب. وتدخل في إطار الشعوذة أو الأرواح الشريرة. إنها شيء غير طبيعي. والكلام عن لعنة ما مسيء الى الله والله محبة».
لكن، هناك من يتحدث عن قوّة لعنة ما وينتظر أوانها ويعمل على أساسها… يقاطعنا الأب رياشي بالقول: «تملك اللعنة قوّة تصيب الشخص فتشوّه صورة الحقيقة وتطغى على معنى البركة. اللعنة نقيض البركة. والإنسان، المسيحي، يؤمن بالبركة، بالنِعم والخيرات». ويستطرد بالقول: «هناك من يشتم الآخر قائلاً له: لعنك الله. هذا خطأ. الله يبارك ولا يلعن».
لكن، في الكتاب المقدس، في العهد القديم، نقرأ عن لعنات. حكي عن لعن الأفعى التي أغوت حواء بالأكل من الشجرة المحرمة في الجنة وورد في الكتاب المقدس أن الربّ خاطب الأفعى: ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك. كذلك لعن الأرض التي خرجت منها الشجرة المحرمة. كما أنه لعن قايين لقتله أخيه هابيل. أليس هذا دليل على وجود لعنات سماوية؟ يجيب الأب رياشي: «حين وقع الإنسان في الخطيئة قال الربّ له: ستأكل من تعب يديك. حين تمرد الإنسان على كلمة الله قاصصه. الربّ يقاصص بهدف التعليم لا الشرّ. هو يبارك ولا يلعن. يعلّم من خلال القصاص ولا يلعن».
في مصر، هناك لعنة الفراعنة يحكون عنها ويثقون بها من زمان وجرّ؟ يجيب الأب رياشي: «هناك عادات وتقاليد شعبية متوارثة. هناك مشعوذون يطالون الأشخاص غير المؤمنين الذين يرتكزون على السحر والشعوذة. نحن نؤمن بالحياة مع يسوع المسيح. نحن اقوياء فكيف لنا أن نهاب اللعنات. ضعفاء النفوس يثقون بالأساطير. وفي فترات الحروب يعودون الى الاشياء القديمة المتوارثة. يتحدثون عن الطوفان ونوستراداموس. نتيجة حدث آني ما يرجع الإنسان الى خرافات قديمة لكنها لا ولن تؤثر على الواقع. الإنسان المؤمن لا يتأثر باللعنات بل يرتكز على إيمانه. تظهر اللعنات نتيجة ظروف معينة وأحداث معينة لإخافة الإنسان لكن، في الحقيقة، لا أحد يعرف المستقبل: لا تسقط شعرة من رؤوسكم إلا بإرادة الله. فليدع الناس الغدّ يهتم بنفسه».
تنبؤات كثيرة وأساطير وخرافات وتوقعات. أخبرونا عام 2000 عن نهاية العالم وتفسيرات سفر الرؤيا أخذ مجده آنذاك. فليعش الإنسان كل يوم بيومه وليبتعد عن الشعوذات غير المبنية على علم أو دين. فكل التنبؤات تزول ووحدها كلمة الربّ ثابتة. وباسم يسوع تتكسر اللعنة ويُطرد إبليس وتنتهي المشاكل وتهدأ الصراعات.
فلنترك إسرائيل تقول ما تقول: إن مملكة داود وسليمان- دولة اليهود الأولى- لم تصمد اكثر من ثلاثين عاماً وأن مملكة الحشمونائيم- دولة اليهود الثانية – إنتهت في عقدها الثامن. اليوم دولة إسرائيل الثالثة قد تزول – وقد لا تزول- لكن ليس بسبب لعنة بل لألف سبب وسبب آخر.
ماذا في علم النفس؟
أنطوان سعد، الإختصاصي في الطب النفسي وعلم الدماغ السلوكي وعلم المشاعر والعواطف يملك أيضا أجوبة. يقول: «الكلام عن لعنات خرافي. فاللعنة تأتي من الإنسان في المعنى الفلسفي. الإنسان لديه تأثير على مجريات الأمور وتضارب الأحداث الواقعية سلباً أو إيجاباً. نسمع عن لعنة القدر. فما هو القدر؟ هو غير ملموس ونحن بأعمالِنا نتجه نحوه. إنه أفكار وأعمال. الأفكار تأتي من الإنسان وتعود الى الإنسان. للأفكار ذبذبات تؤثر على الشخص نفسه. ويكون التأثير أكبر كلما كانت الفكرة أقوى، ومشتركة بين أشخاص كثيرين، وغالباً ما تعود الفكرة الى صاحبها. الأفكار السلبية تصيب صاحبها قبل أي شخص آخر. إنها تعود الى النبع. واللعنة، مهما كان نوعها، تصيب صاحبها، مثلها مثل إنسان يحمل جمرة يريد إحراق آخرين بها فيحترق هو أولا. لذلك يُقال: عامل الغير مثلما تريد أن تعامل».
كثير من الأفكار تنطلق من مخاوف، وتأتي نتيجتها المباشرة من الفكرة الأولى نفسها، وبالتالي إذا نتجت عن شعور بالخوف يصبح إحتمال تأثيرها أكبر بكثير وينتج عنها سلوك يمكن أن يكون مدمراً لصاحبه وقد يقترن بتصرفات مضرّة جداً. فلنعط مثلا (يقول الإختصاصي في علم النفس أنطوان سعد): في تكتيك الحروب من يعمل لإحداث هزيمة في العدو يقوم بدعاية لأفكارٍ يربطها عند العدو بالخوف، بخوفٍ معينٍ كامن لديه، بشكلٍ واعٍ أو غير واع. فالخوف لا ينتج غالباً عن وعي وإدراك، ويترجم بسلوكيات معينة تساهم بحدوث الإنكسار. اللعنة ذبذبة سلبية تصيب مكان ما أو بلد ما أو مجموعة ما.
الأساطير موجودة. ولا يتطور دين إلا عبر الصراعات. والدين المسالم – بحسب الدكتور سعد الذي درس أسباب الصراع الديني- يضمحل.
الظلم والظالم
هل علينا أن نجاري الأساطير ونقنع أنفسنا بوجود لعنات تُحدق بكائنات وكيانات؟
يقول المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب: «اللعنة موجودة. وحين يقال: لعنك الله يُقصد بذلك أن الله تبرأ منك. الملعون هو الكافر. وذًكر في القرآن لعن لإبليس. إنه نوع من قصاص. والمحبة لا تعني إلغاء العقوبة. لا يمكن ان نقول: سنستبدل القانون بالمحبة. القانون ينصّ على عقوبة. من يتبرأ من الله علينا ان نتبرأ منه. في البداية ندعو له بالهداية وإذا لم يهتدِ نتبرأ منه لأنه هو يكون قد تبرأ من الله. والملعون هو من أخرج نفسه عن الإيمان بالله فيخرجه الله من رحمته. ويستطرد المفتي طالب: نحن نلعن الظلم والظالم. وهناك أساطير تتحدث عن لعنة تلاحق كياناً أو كائناً أو مجموعة. هؤلاء يعتبرون أنهم أصحاب حظّ سيئ وترصدهم لعنة. في حين، أن ممارساتهم الظالمة تجعل ظنونهم حقيقية ويأتيهم الفشل والمصائب والإخفاقات. هناك أناس يقولون: اللعنة تلاحقنا ونحن نقول الى هؤلاء: أفعالكم هي سبب اللعنات التي تلاحقكم. وقولوا لنا ماذا تفعلون نقل لكم ما هي النتيجة».
اللعنة… كم سمعنا عنها وكم سمعناها تتردد على ألسنة وكم سمعنا أساطير وروايات عنها. إسرائيل ترصدها لعنة. فهل ممارساتها الملعونة جعلتها مرصودة بلعنة الثمانين عاماً؟ مومياء توت عنخ آمون أيضاً مرصود بلعنة والحكومة المصرية خافت كثيراً حين نقلت 22 مومياء لملوك مصر القدماء من متحف الى متحف. إنها لعنة الأجداد في الروايات التي يلقاها كل من يتجرأ على إقتحام مقابر موتى الفراعنة المصريين. فهل هي لعنة أم هي وسيلة لتخويف اللصوص من سرقة الذهب من المقابر وباتت أسطورة؟
اللعنة على كل ظالم. كلنا نردد – أو قد نردد – ذلك. لكن، أن ترصد لعنة لوطن وكيان وأمة فهذا يعود الى إرتكابات من فيها، الى فكرة وأسلوب ونهج، والفكرة تعود الى أصحابها. هذا ما سمعناه.
في الأساطير أن شخصاً عاد من حربٍ ضروس، عاد بلا عقل، وقتل جميع أفراد عائلته بالسهام. ففسرت الأساطير اليونانية القديمة ذلك بأنه شخص ملعون عذبته أفعاله، أما علم النفس ففسّر فعلته على أنها إضطراب ما بعد الصدمة.
نسمع يومياً عن لعنة. سمعنا عن لعنة وطن وعن نبوءة سفر إشعياء في العهد القديم (نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام وسينتصر النور على الظلام – وها هو الربّ قادم الى مصر يركب سحابة سريعة فترتجف أوثان مصر في حضرته وتذوب قلوب المصريين في داخلهم فيتحاربون ويقوم الواحد على أخيه والمدينة على المدينة والمملكة على المملكة). شاهدنا أفلاماً كثيرة تحكي عن لعنات بينها فيلم «اللعنة» من بطولة نور الشريف ومديحة كامل. وفيلم لعنة لايورنا من بطولة ليندا كارديليني وريموند كروز. وفيلم المومياء the mummy… وما بقي أننا مؤمنون بأنه لن تسقط شعرة من رؤوسنا قبل الأوان.