تزداد جرعة التصعيد على الحدود الجنوبية للبنان، منذ أيام، مع ارتفاع وتيرة تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل وتمدد قواعد الاشتباك جغرافيا ونوعيا. والمؤشرات الأخيرة تنذر بمزيد من التوتر المقلق.
ووصلت ذروة عمليات التصعيد العسكرية من جانب حزب الله، بتنفيذه هجوما وصفه بـ”المركب”، بالصواريخ الموجهة والمسيرات الانقضاضية على مقر قيادة سرية الاستطلاع العسكري المستحدث في عرب العرامشة المتاخمة للحدود اللبنانية، واستهدافه بمسيرتين بيت هلل للمرة الأولى، وتفجيره “عبوة ناسفة في قوة إسرائيلية تابعة للواء غولاني” كما أعلن.
وتعد حصيلة الجرحى في عملية عرب العرامشة الأعلى جراء ضربة واحدة منذ بدء التصعيد عبر الحدود اللبنانية الاسرائيلية، حيث كشف الجيش الإسرائيلي عن إصابة 14 جنديا.
في الجانب الآخر، تكثف إسرائيل عمليات اغتيال قياديي حزب الله، وقد جاءت عملية حزب الله في عرب العرامشة ردا على عمليتي إسرائيل في عين بعال والشهابية جنوبي لبنان بحسب ما أورد الحزب في بيان، وكانت اسرائيل استهدفت ثلاث سيارات في البلدتين معلنة أن القتلى هم قياديان وعنصر في الوحدة الصاروخية لحزب الله.
ويأتي التصعيد عقب التوتر الذي تشهده المنطقة منذ نهاية الأسبوع، مع الهجوم المباشر الأول الذي شنته إيران بمئات المسيرات والصواريخ على إسرائيل، ردا على قصف مبنى قنصليتها في دمشق مطلع أبريل.
“قنابل بأجنحة”
“يعدل حزب الله تكتيكاته ويرتقي بنوعية الأسلحة التي يستخدمها في معركته مع الجيش الإسرائيلي”، كما يشير رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد، الدكتور هشام جابر، “وعملية عرب العرامشة مثال على ذلك، فهي عملية معقدة استخدم فيها الحزب صواريخ مضادة للدروع وطائرات مسيرة تمكنت من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، مما يمثل حدثا عسكريا مهما”.
وفي حديثه مع موقع “الحرة”، يشدد جابر على أنه “منذ بدء المعركة بين حزب الله وإسرائيل، شهدت طائراته المسيرة تطورا كبيرا. وبعد أن كانت عملية استهدافه إسرائيل بالصواريخ الموجهة (كورنت) تستغرق نحو ساعة، بين التحضير والإطلاق ومغادرة المكان، مما سمح للمسيرات الإسرائيلية بقصف عناصره، اقتصرت مدة العملية الآن على ربع ساعة فقط، مما مكن عناصر الحزب من المغادرة قبل وصول المسيرات الإسرائيلية وبالتالي استهدافهم”.
وعن المسيرات التي استخدمها حزب الله في قصف عرب العرامشة، يشرح معلق الشؤون العربية في “القناة 12” الإسرائيلية، يارون شنايدر “نقلا عن تقارير” إيرانية “، حيث كتب “هي نموذج محلي من نوع (مرصاد1)، وهي نسخة مطورة من طائرات (أبابيل) الإيرانية المستخدمة للأغراض القصيرة. تم تصميمها للهجوم على الأهداف دون أن يتم التعرف عليها مسبقا، مما يتسبب في أضرار أكبر بكثير”.
ووفقا لما يذكره سنايدر في مقاله فإن هذه الطائرات لا تحتوي على عجلات، “بل هي قنبلة تطير بأجنحة ورأس متفجر يصل وزنه إلى 40 كيلوغراما، لا تستطيع العودة بعد الانطلاق، تتحرك بسرعة منخفضة نسبيا، لكن تزيد سرعتها بشكل كبير عند الاقتراب من الهدف”.
“مناطق ميتة”
واللافت في عملية عرب العرامشة، عدم تمكن دفاعات الجيش الإسرائيلي من اعتراض المسيرات التي أطلقها الحزب، بعد تصديها فجر 14 أبريل لأكثر من 300 صاروخ ومسيرة إيرانية، عن ذلك يشرح المحرر العسكري رون بن يشاي، في مقال حمل عنوان “حزب الله يتعلم ويصبح أكثر فتكا”.
يشير بن يشاي إلى أن “للطائرات من دون طيار ثلاثة أنظمة ملاحة أساسية، الأول يتم تشغيله على الأرض باستخدام كاميرا مثبتة على المسيرة، مما يسمح للمشغل بالتحكم يدويا في غوصه نحو الهدف”.
أما النظام الثاني “فيستخدم مسار طيران محدد مسبقا يسترشد بإشارات الراديو من الأقمار الصناعية، مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). والثالث، نظام ملاحة مستقل، يتبع مسارا مخططا مسبقا دون اتصال خارجي، مما يزيد من صعوبة تعطيله”.
تسمح هذه الأنظمة للطائرات بدون طيار وفقا لما يذكره بن يشاي في المقال الذي نشرته صحيفة الذي “يديعوت أحرنوت” “بالعمل بشكل مشابه للطائرات المقاتلة، وذلك باستخدام (المناطق الميتة) – وهي مناطق غير مرئية للرادار أو غيره من أجهزة الكشف البصري – للاقتراب من الأهداف. تطير على ارتفاع منخفض في البداية، ثم تصعد مباشرة قبل أن تتحطم وتنفجر بالهدف”.
وأشار المحلل العسكري إلى أن تضاريس جنوب لبنان مواتية بشكل خاص لمثل هذه الهجمات، على الرغم من أن عناصر حزب الله يفضلون النظام المستقل بسبب فعاليته، مرجحا أن يكون عناصر الحزب “قد قاموا بتحليل أنظمة الإنذار والاعتراض الإسرائيلية، مدركين أن إسقاط طائراتهم بدون طيار يتطلب الكشف المبكر لإتاحة الوقت الكافي لإطلاق الصواريخ الاعتراضية”.
دوافع التصعيد
عندما يطلق حزب الله صواريخ باتجاه عرب العرامشة، “رغم علمه بوجود سكان عرب مسلمين”، فإن ذلك يدل، وفقا للخبير العسكري والعميد الإسرائيلي المتقاعد، كوبي لافي، على “نفاقه، وعدم اهتمامه بالمسلمين، ورغبته في اشعال فتنة”.
ويعتبر لافي في حديث مع موقع “الحرة” أن “استخدام حزب الله أسلحة متطورة كما يدعي، يثير التساؤلات حول دوافعه وراء قتل أبناء دينه أيضا، كما أن استخدامه لأنواع متعددة من الأسلحة يدل على ضعف النظام اللبناني وعدم قدرته على السيطرة، لذا إذا قررت إسرائيل شن هجوم عسكري موسع على لبنان، فإن اللوم سيكون على حزب الله الذي يريد انهيار البلد والسيطرة الشيعية الكاملة عليه. ومن هنا، ينبغي معرفة مصالحه ومن يقوده ولماذا يتم تزويده بالأسلحة المتطورة”.
وهناك العديد من الأسلحة لدى حزب الله لم يستخدمها بعد في المعركة، بحسب جابر “كالصواريخ الدقيقة وصواريخ أرض بحر، كما أنه لم يستخدم صواريخ الدفاع الجوي إلا لمرة واحدة أو اثنتين”، متوقعا أن يدخل الحزب أنواعا منها في المعركة “التي ستطول كما يبدو” إلا أنه يستبعد اجتياحا إسرائيليا للأراضي اللبنانية.
إلى جانب الأسلحة المتطورة، توسع حزب الله في أهداف عملياته، كما يشير جابر “حيث شملت إلى الآن الجولان وتموضعات للجيش الإسرائيلي في القطاع الشرقي، مما يعكس رسالة واضحة بأن صواريخه قادرة على الوصول إلى حيفا”، في حين يرى لافي أنه “إذا كان لدى حزب الله نية بإشعال النيران في عدة حلبات، فلأنه يريد تشتيت انتباه إسرائيل عن النظام الإيراني الذي يموله”.