هل استطلاعات الرأي الأميركية دقيقة؟ ليس خفيا ما حدث في موسم الانتخابات الرئاسية، عام 2016، عندما توقعت غالبية الاستطلاعات فوز مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، لكن المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، فاجأ الجميع وقتها، وفاز بمقعد البيت الأبيض.
ومع سيل الاستطلاعات المرتبطة بالانتخابات الحالية، يطرح هذا التساؤل نفسه: لماذا لا تصدق استطلاعات الرأي دائما؟ وما المشكلات المرتبطة بها؟ وكيف يمكن التعاطي معها بطريقة صحيحة حتى لا تصبح أداة للتضليل؟
كانت العديد من استطلاعات الرأي غير دقيقة خلال الانتخابات في الأعوام الأخيرة، وهي إما بالغت في إظهار قوة الديمقراطيين، في السباقين الرئاسيين لعامي 2016 و2020، أو في تضخيم قوة الجمهوريين في الانتخابات النصفية للكونغرس، عام 2022.
وعلى سبيل المثال، في يوم الانتخابات 2016، خلص استطلاع أجراه موقع هافينغتون بوست إلى أن كلينتون لديها فرصة 98 في المئة للفوز على ترامب، لكن ترامب فاز في النهاية.
ورغم أن معظم الاستطلاعات طوال دورة انتخابات 2020 تنبأت بشكل صحيح بفوز جو بايدن على ترامب، كانت هذه الاستطلاعات “هي الأقل دقة منذ 40 عاما”، وفقا للجمعية الأميركية لأبحاث الرأي العام.
وخلال حملتي بايدن وترامب، قبل انسحاب الأول، لسباق 2024، تنبأت معظم الاستطلاعات بفوز ترامب، إلا أن ذلك تناقض أحيانا مع استطلاعات أخرى.
وعلى سبيل المثال، في الحادي عشر من مارس الماضي، وبعد أسابيع من نتائج استطلاعات كانت تشير إلى تقدم ترامب، نشرت مجلة نيوزويك مقالا بعنوان: “جو بايدن يتقدم فجأة على دونالد ترامب في استطلاعات متعددة”.
وبعد أسبوعين، ذكر مقال في بلومبرغ أن بايدن ضيق السباق في ولايات متأرجحة. ومع ذلك، أظهرت نظرة فاحصة على تلك الاستطلاعات أن النسب كانت متقاربة للغاية، وفق بوستن غلوب.
وبين محاولة اغتيال ترامب، وإعلان انسحاب بايدن، وترشيح نائبة الرئيس، كامالا هاريس، كانت الحملة الرئاسية لعام 2024 مليئة بالاستطلاعات المتباينة.
وليست استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات هي وحدها التي قد تكون خاطئة، فقد ظهر هذا الأمر في قضايا أخرى أيضا. وعلى سبيل المثال، ظل خبراء الاقتصاد يحذرون من الركود الوشيك في الولايات المتحدة لمدة عامين تقريبا، وهو ما لم يحدث.
وفي مارس 2023، فحص ناثانيال راكيتش، وهو محلل انتخابات في مؤسسة مراقبة الانتخابات الرائدة FiveThirtyEight، مئات نتائج استطلاعات الرأي التي تعود حتى عام 1998 سواء لانتخابات الرئاسة أو الكونغرس أو حكام الولايات.
ووجد أنه خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة من عمر السابقات، توقع خبراء استطلاعات الرأي الفائز بشكل صحيح بنسبة 78 في المئة فقط.
كيف تدار الاستطلاعات؟
يقول معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، إن استطلاعات الرأي تجرى “لأن طرح الأسئلة على كل عضو في المجتمع أمر مكلف وصعب من الناحية اللوجستية”.
لذلك يتم استخدام ما يسمى “العينة العشوائية”، إذ يقوم الباحثون “بسحب عينة عشوائية من المشاركين من قوائم تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر لأرقام الهواتف الأرضية والمحمولة”.
وقد يكون حجم العينة الذي يتراوح بين 1000 إلى 1500 شخص كافيا لتقدير الرأي العام الوطني.
ومع ذلك، فإن هذا وحده لا يضمن عينة عشوائية، لأن بعض المجموعات قد تزداد احتمالية امتلاكها هواتف أو المشاركة في استطلاعات الرأي.
ولتجنب الإفراط في تمثيل بعض المجموعات ونقص تمثيل مجموعات أخرى، يتم إعطاء عوامل مثل العمر أو العرق أو الجنس أو التحصيل التعليمي وزنا أكبر، أو أقل، في نتائج الاستطلاع النهائية حتى تتطابق العينة بشكل أوثق مع التركيبة السكانية للسكان بالكامل.
وهناك بعض العوامل الأخرى التي يجب مراعاتها، هي ممولو الاستطلاع، وطرق أخذ العينات التي يتبعها الباحث في الاستطلاع، والأسئلة المحددة التي تطرح على المشاركين.
وتبلغ استطلاعات الرأي الموثوقة عن هامش الخطأ فيها، مما يوضح إلى أي مدى يمكن أن تختلف نتيجة الاستطلاع عن الواقع.
وتجري منظمات الاستطلاعات المختلفة استطلاعاتها بطرق مختلفة، وفقا لتقرير مركز بيو للأبحاث في عام 2020.
وأشار بيو إلى أن شبكتي “سي أن أن” و”فوكس نيوز” تجريان استطلاعات عبر الهاتف، بينما تجري شبكة “سي بي أس نيوز” و”بوليتيكو” و”أسوشيتد برس” الاستطلاعات باستخدام تقنيات مختلفة عبر الإنترنت.
مشكلات
ويشير موقع “بوستن غلوب” إلى أن أحد أهم المشكلات التي تؤثر على دقة الاستطلاعات هي هيمنة الهواتف المحمولة وتقنيات تحديد هوية المتصلين، مما أدى إلى انخفاض حاد في معدل الرد على الاتصالات.
وقبل انتشار الأجهزة المحمولة، كان معظم الناس يردون على هواتفهم، أما الآن فإن العديد من المكالمات لا يتم الرد عليها، لأن الناس تتجاهل الأرقام غير المعروفة.
ويعني هذا أن الباحثين عن استطلاعات الرأي لابد أن يجروا آلاف المكالمات الإضافية للوصول إلى عدد كاف من المستطلع آراؤهم، وهو ما يزيد من التكاليف ويزيد من الضغوط على المنظمين لتقليص أحجام عيناتهم.
ويقول دون مور أستاذ الاتصال في جامعة كاليفورنيا: “في بعض الأحيان يكون هناك تحيز ناتج عن الطريقة التي يصل بها الباحثون إلى المستجيبين. إذا كان الأمر يتعلق بالاتصال العشوائي بالأرقام، على سبيل المثال، فلن يتم الوصول سوى إلى الأشخاص الذين لديهم هواتف ويردون على المكالمات حين يتصل الباحثون. وإذا كان هؤلاء الأشخاص مختلفين عن أولئك الذين يصوتون، فقد تكون توقعات الاستطلاع متحيزة”.
وعلاوة على ذلك، فإن الأشخاص الذين يجيبون على الاستطلاعات يكونون غالبا من الفئات العمرية الأكبر سنا، الأمر الذي يجعل من الصعب تمثيل التركيبة السكانية المعقدة والمتغيرة.
والمشكلة الأخرى هي زيادة عدد المؤسسات التي تجري استطلاعات الرأي السياسية، التي باتت تجري عددا كبيرا من الاستطلاعات. وهناك العشرات من مجموعات استطلاع الرأي التي تستخدم منهجيات مختلفة.
وهناك أيضا بعض المشكلات التي تخرج عن سيطرة خبراء استطلاعات الرأي السياسية.
ففي انتخابات عام 2016، على سبيل المثال، لم يكن أحد يتوقع أنه قبل 11 يوما فقط من الانتخابات الرئاسية، سيعلن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أفي بي إيه) آنذاك، جيمس كومي، فتح تحقيق في استخدام كلينتون لخادم بريد إلكتروني خاص، عندما كانت وزيرة للخارجية.
وأظهرت جميع استطلاعات الرأي تقريبا تقدم كلينتون على ترامب، ومع ذلك خسرت الانتخابات. وألقى العديد من القيادات الديمقراطية باللوم، لاحقا، على كومي في هزيمتها.
وووسط هذا المناخ السياسي المتقلب، لم يعد بإمكان خبراء استطلاعات الرأي استخدام عادات التصويت السابقة للتنبؤ بالإقبال مستقبلا. وعلى سبيل المثال، فاز باراك أوباما، في عام 2008 بفضل الناخبين الجدد الذين أدلوا بأصواتهم. وعلى نحو مماثل، بعد ثماني سنوات، فاجأ ترامب خبراء استطلاعات الرأي بفوزه.
وربما تكون المشكلة مع استطلاعات الرأي مرتبطة بالتوقعات المبالغ فيها أكثر من الاستطلاعات نفسها. وفي دولة تشهد استقطابا بين الحزبين الرئيسيين، تصبح المشكلة أكثر حدة.
وهذا لا يعني، وفق بيو، أن استطلاعات الرأي ليست دقيقة دائما، لكنها قد تقدم صورة مختلفة عن الواقع. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن “هامش الخطأ الحقيقي غالبا ما يكون ضعف ما يتم الإبلاغ عنه”.