مُنيت المبادرة الفرنسية الأخيرة في لبنان بفشل ذريع، إذ إن رهان الرئيس إيمانويل ماكرون على دور مبعوثه إلى بيروت وسفيرته في لبنان آن غريّو، سرعان ما تبدّد. وأيضاً أتى رهانه على تبنّي المملكة العربية السعودية مسعاه ودخولها على خطّ «إقناع حلفائها» بالتصويت للمرشح سليمان فرنجية، بنتائج معاكسة.
وحول هذا النقطة يرى مصدر في المعارضة اللبنانية، أن الفرنسيين «أخطأوا تقدير الموقف، واعتقدوا أن اتفاقهم الضمني مع (حزب الله) يكفي لتمرير الصفقة، وأن التقارب السعودي – الإيراني كفيل بتغيير موقف حلفاء المملكة في لبنان».
وأضاف المصدر -الذي طلب إغفال ذكر اسمه- لـ«الشرق الأوسط» إن «الموقف السعودي كان واضحاً منذ البداية، حيث لا تبنٍّ لأي مرشح، ولا تدخُّل في الشأن الداخلي لأي بلد شقيق، وأن على اللبنانيين الاتفاق على الرئيس، والمملكة تتعاطى معه بناءً على أدائه وعلى طبيعة الحكومة التي تتشكّل والبرنامج الإصلاحي الذي يتبنّاه».
مشكلة الفرنسيين الذين سعوا إلى استعادة دورهم ونفوذهم في المنطقة من البوابة اللبنانية أنهم «راكموا على أخطاء سابقة»، على حدّ تعبير المصدر. واستطرد أن «المبادرة السابقة التي طرحها الرئيس ماكرون على القادة اللبنانيين غداة انفجار مرفأ بيروت، سرعان ما تراجع عنها. والكل يذكر أنه ألزم القادة ورؤساء الكتل النيابية بتشكيل حكومة تكنوقراط من أصحاب الاختصاص وتحريرها من قيود أهل السلطة، لكنه خلال أيام قليلة بدأ تقديم التنازلات، وطلب من الرئيس المكلّف سعد الحريري، فتح قنوات التفاوض مع الأحزاب، وقبول تمثيلها في الحكومة، مسلِّماً لـ(حزب الله) بحقّ (الفيتو) على الأسماء. كذلك حاول ماكرون إلزام الحريري بلقاء جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحرّ) في باريس، لإعطائه حصّة وازنة في الحكومة، مما حمل الحريري على الاعتذار عن تشكيل الحكومة بعد تسعة أشهر من تكليفه». عليه رأى المصدر أن «انخراط الإدارة الفرنسية بكل ثقلها في استحقاق الانتخابات الرئاسية، وإصرارها على تسويق صفقة سليمان فرنجية – نوّاف سلام متجاهلةً الإجماع المسيحي ونواب المعارضة من باقي الطوائف، أفقدا الدور الفرنسي حياده».
من جانب آخر، ذكّر المصدر بأن «الرئيس ماكرون ومبعوثه الخاص وحتى السفيرة غريّو لم يقرأوا مشهد جلسات انتخاب الرئيس الـ1. عندما صوّتت أكثرية المعارضة للمرشّح (السابق) ميشال معوض فتخطّت الأصوات التي نالها الـ44، بينما آثر الثنائي الشيعي إخفاء اسم مرشحه مصوّتاً بالورقة البيضاء… وأيضاً تجاهلوا (الفرنسيون) تقدّم مرشح المعارضة جهاد أزعور في الجلسة الـ12 على فرنجية بثمانية أصوات (أزعور نال 59 صوتاً مقابل 51 لفرنجية)، وظلّوا داعمين لمرشّح الممانعة».
من ثم، لا شكّ في أن المبعوث جان إيف لودريان أدرك خلال زيارته السابقة لبيروت مدى الاستعصاء على اختراق موقف المعارضة، فسارع إلى وضع مهمته في سياق «استطلاع الوضع للمساعدة في إيجاد الحلول للأزمة التي يمر بها لبنان، والبحث مع كلّ الأطراف في كيفية إنجاز الاستحقاق الرئاسي».
وكان لافتاً أن حالة الاستياء اللبناني لم تقتصر على أطراف سياسية، بل وصلت إلى المراجع الدينية، خصوصاً البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الذي زاره المبعوث الفرنسي وسمع منه، وفق المصدر نفسه، «عتباً واضحاً على تجاهل إرادة الأكثرية الشعبية والنيابية حيال استحقاق مصيري يعني المسيحيين بالدرجة الأولى وكل اللبنانيين بالدرجة الثانية». ولقد أعلن المبعوث الفرنسي من الصرح البطريركي يومها، أن «هدف زيارته لا يتعدّى الاستماع إلى آراء الأطراف، وإجراء المشاورات الضرورية للخروج فوراً من المأزق السياسي، ثم النظر في أجندة إصلاحات من أجل أن يستعيد لبنان الحيوية والأمل».
كذلك طمأن لودريان، الراعي إلى أنه «لا يحمل أي خيار، بل سيستمع للجميع، وأن هناك زيارات أخرى قادمة»، معترفاً بأن «الحل يبدأ من اللبنانيين». ولذا يأمل المصدر المعارض أن «تشكل زيارة لودريان الأخيرة للبنان، تحوّلاً في السياسة الفرنسية، وأن تكون باريس عضواً فاعلاً ومسهلاً لمبادرة اللجنة الخماسية والمقررات التي اتخذتها في اجتماع الدوحة».