أثارت خطوة حزب الله بإيفاد رئيس كتلته النيابية محمد رعد للقاء قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون في سياق البحث عن “خيار ثالث” ينهي حالة الاستعصاء في ملف رئاسة الجمهورية غضب زعيم تيار المردة سليمان فرنجية.
وذكرت أوساط سياسية لبنانية أن فرنجية، وهو مرشح الثنائي الشيعي، قد أرسل رسالة للحزب انطوت على تهديد بالانسحاب من السباق الرئاسي.
ورفض زعيم تيار المردة في رسالته أن يكون “ورقة تستخدم في التفاوض حول مستقبل الوضع في لبنان”، وأنّه لن يقبل بأن يصرف ترشيحه على حساب كرامته، قائلا “إنّ كل الأمر يكلفني جملة وحيدة: لقد أصبحت بإرادتي خارج السباق الرئاسي”.
وزاد الوضع إحراجا عندما أوحى المبعوث الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان بأن فرنجية لم يعد خيارا مقبولا بالنسبة إلى فرنسا، لجهة أنه بات جزءا من المشكلة، وليس الحل. وهو ما يعني أن ورقة فرنجية أصبحت محترقة.
ولكي لا تبدو جبهة حزب الله وقد أصابها التصدع، سارع الحزب إلى إيفاد رعد للقاء فرنجية لكي يشرح له ظروف اللقاء مع العماد عون وأنّه لن يتخلى عن ترشيحه، وأنّ انسحابه سوف يؤدي إلى ضياع كلّ الجهد المبذول للوصول إلى سلة التفاهمات المرتبطة بدعم ترشيحه (في إشارة إلى المفاوضات الجارية مع زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل)، وأنّ البدء من جديد سيكون من موقع أضعف.
ويقول مراقبون إن حزب الله يعاني من حالة فوضى، إذ بات معلوما لديه أن ترشيح فرنجية لن يمر بسبب الموقف الصلب الذي تتخذه المعارضة، لاسيما المسيحية منها. كما أن التمسك بزعيم المردة يعني إطالة أزمة الفراغ الرئاسي.
وحيثما أصبح معلوما أنه لا يقدر على غضب فرنجية أيضا، فذلك يعني أن العودة إلى نظرية “لا بديل عن فرنجية ولا خيار سواه” لا تعدو كونها دورانا في الفراغ، لا يملك حزب الله لتغطيته سوى “الثبات على الموقف” حفظا للمظاهر.
وخفف العماد عون على حزب الله مأزقه من غضب فرنجية، بالقول إن موضوع رئاسة الجمهورية “ما بيهمني وما بيعنيني ولم يبحثه أحد معي ولم أبحثه مع أحد”.
وترافق تأكيد حزب الله على الاستمرار في دعم خيار فرنجية، بهجوم واتهامات للخصوم بأنهم لا يريدون الحوار، وأنهم يتعاطون مع الأزمة من منطلق “التحدي” السلبي. وذلك على الرغم من أن المعارضة أظهرت تجاوبا مع فكرة العثور على “اسم ثالث” وأنها لم تعد تتمسك بمرشحها الخبير المالي جهاد أزعور.
وللتغطية على ارتباكه عمد حزب الله إلى إلقاء قنابل دخان على المعسكر الآخر، وقال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم “اليوم الطريق الوحيد الإيجابي والمفتوح أمام انتخاب رئيس للجمهورية هو طريق الحوار وهذا الطريق ليس مرتبطا بالوصول إلى نتيجة. وإن كل من يرفض الحوار مسؤول عن الخلل والتدهور وتأخير انتخابات رئيس الجمهورية”.
وصرح عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب حسين الحاج حسن أن “اللبنانيين ينتظرون أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، ومن يتحمل تأخير الانتخاب هو من يرفض الحوار والتفاهم، ويصرّ على تحقيق أجندة ليست في مصلحة لبنان، بل هي في مصلحة المطالب الأميركية من لبنان”.
ويقول مراقبون إن دعوة حزب الله إلى الحوار قائمة على أساس القول “إما فرنجية أو لا أحد” لتمضي إلى التلويح بفراغ رئاسي طويل وهو ما يشبه القول “إما فرنجية، أو نحرق البلد”.
وكان لودريان قد حاول كسب موافقة المعارضين للحوار من خلال التأكيد أمامهم أن النقاش سيشهد بحثاً في مرشح ثالث، إلا أن غضب فرنجية أقنع الحزب بالتراجع والقول إنه “لا يجد مبرراً لتسويق فكرة كهذه، فقط لأجل كسب استعطاف البعض لفكرة الحوار”.
ويوعز المراقبون سبب فشل لودريان إلى أنه لم يأت بتصور محدد للخروج من أزمة الفراغ الرئاسي، وأراد من الحوار أن يحدد معالم هذا التصور. فاتخذ سبيلا جعله يُسمع كل طرف ما يريد أن يسمعه، فعجز عن العثور على الاستنتاج الوحيد المعقول، وهو إنه إذا كان الطريق مقفلا أمام فرنجية وأزعور، فإن البحث عن “اسم ثالث” هو الطريق الوحيد المتبقي.
ويرفض المعارضون فكرة المقايضة بحيث يكون الرئيس هو مرشح الثنائي الشيعي، بينما يكون رئيس الوزراء هو مرشح المعارضة، لأنها سوف تكرر ثنائية ميشال عون وسعد الحريري التي أثمرت كل ما يعرفه لبنان من فشل.