استخدمت السلطات الروسية مجموعة فاغنر العسكرية، خلال العقد الأخير لتنفيذ أهدافها ودعم نفوذها في مناطق مختلفة حول العالم سواء في أوكرانيا أو سوريا وحتى في الدول الأفريقية، لكن رئيسها يفغيني بريغوجين صار مطلوبًا في روسيا بعد قيادته تمردا ضد الجيش.
وأعلنت المجموعة العسكرية أمس الجمعة التمرد على قيادات الجيش الروسي، ووجه بريغوجين انتقادات غير مسبوقة للرئيس فلاديمير بوتين بعد أن اتهمه الأخير بالخيانة وتوجيه “طعنة في الظهر” لروسيا من أجل “طموحات شخصية”.
قالت “فاغنر” إنها سيطرت على المقر العام لقيادة الجيش في مدينة روستوف الروسية، الذي يشكل مركزا أساسيا للهجوم الروسي على أوكرانيا.
وخرج بوتين بعدها في خطاب متلفز حذر فيه من “التهديد القاتل” وخطر “حرب أهلية” يمثّلهما قائد مجموعة فاغنر بعد تمرده، بحسب فرانس برس.
وقال الرئيس الروسي “إنها طعنة في ظهر بلدنا وشعبنا.. ما نواجهه ليس إلا خيانة. خيانة سببها طموحات ومصالح شخصية”، مؤكدا أن المتمردين “سيعاقبون حتما”.
وجاء رد بريغوجين على بوتين بالقول إنه “أخطأ بشدة” باتهامه لمقاتلي فاغنر بالخيانة مشيرًا إلى أن قواته “لن تستسلم”.
ما هي فاغنر؟
تأسست المجموعة العسكرية الروسية بالتزامن مع الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم عام 2014، حيث عملت على دعم المجموعات الانفصالية في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا.
طالما نفت السلطات الروسية ارتباطها بها بشكل رسمي، قبل أن تتبدل الأوضاع فيما بعد.
في سبتمبر من العام الماضي انتشر فيديو لبريغوجين، أمام مجموعة من السجناء وقال “أمثل شركة عسكرية خاصة اسمها فاغنر.. ربما سمعتهم عنها، هل تريدون الحياة بشكل طبيعي؟”، وعرض عليهم العفو أو تقليل الأحكام عن الجرائم المدانين بها مقابل القتال في أوكرانيا. وقبل ذلك لم يكن هناك أي إعلان روسي عن علاقة بريغوجين بالمجموعة أو قيادته لها.
وبحسب تقرير سابق لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن المجموعة تقوم بـ”الأعمال القذرة” لصالح روسيا دون أن يتم الربط بينهما بشكل رسمي، فهي تعمل في مناطق مختلفة من العالم لمصالح روسيا وتقوم بانتهاكات كالقتل والاغتصاب والتعذيب وسرقة الموارد وغيرها.
المقاتلون والأسلحة
قال منسق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض، جون كيربي في مؤتمر صحفي في يناير الماضي إن فاغنر تمتلك 50 ألف شخص يقاتلون في أوكرانيا بينهم عشرة آلاف متعاقد و40 ألف سجين.
وبحسب فرانس برس فإن بريغوجين (62 عاما) أكد أن لديه “25 ألف” مقاتل يتبعون أوامره، في إطار نفيه لفكرة سعيه لإحداث انقلاب عسكري.
ولا تعد فاغنر شركة تقليدية واحدة، بل هي شبكة من المنظمات التي توفر مقاتلين للتأجير، بموافقة الكرملين، حسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.
تمتلك مجموعة فاغنر أسلحة ثقيلة مثل منظومات دفاع جوي وبينها “بانستير أس-1” المتطورة، وذلك بحسب وزارة الدفاع الأميركية.
كما كشف كيربي في وقت سابق أيضًا أن فاغنر حصلت على صواريخ وأسلحة من كوريا الشمالية لاستخدامها في أوكرانيا، ولكنه أشار إلى أن تلك الأسلحة تصل إلى المجموعة عبر موسكو.
وعملت المجموعة في حوالي 30 دولة ولديها معسكرات تدريب في روسيا، وترتبط إدارتها وعملياتها ارتباطا وثيقا مع المجتمع العسكري والاستخباراتي الروسي، وفقا لبحث أجراه “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” في واشنطن.
القتال في الخارج
في عام 2015 تدخلت روسيا في الحرب السورية وكانت هناك مهمة لمجموعة فاغنر، لحماية موارد الطاقة لنظام بشار الأسد وحينها ظهرت مهمة جديدة وهي حماية منشآت مهمة.
وفي المقابل حصلوا نصيب من تلك الموارد الطبيعية سواء نفط أو غيره.
وبحسب وول ستريت جورنال فقد حصلت المجموعة على 25% من إنتاج أي حقل نفطي تستعيده لصالح الأسد.
وبالفعل تمكنت المجموعة بحلول عام 2017 من استعادة أربعة حقول نفط وغاز من الأكبر في البلاد.
وتوسعت المجموعة لتعمل في أفريقيا مع بداية عام 2017، وبالتحديد في دول مثل ليبيا والسودان ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق.
استهدفت فاغنر دول تشهد اضطرابات أمنية وبعضهم مستعمرات سابقة لفرنسا تحكمها حكومة تشهد ضعفًا بعد تراجع الوجود العسكري الفرنسي، بحسب وول ستريت جورنال.
ظهرت فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2018، لتعمل على حماية كبار الشخصيات في البلاد بجانب المناجم، وطورت المجموعة بعض مناجم الذهب بعدما كانت تعمل بطرق بدائية، واستفادت المجموعة من المناجم التي تدر أموالًا طائلة.
وفي عام 2019 أرسلت 190 من مقاتليها إلى منطقة “كابو ديلغادو” الغنية بالغاز ذات الأغلبية المسلمة شمالي موزمبيق، لكن بحسب ما نقلته وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين، فقد قتل متمردون إسلاميون سبعة أفراد على الأقل من فاغنر بعد وصولهم بأسابيع ما اضطر روسيا إلى سحب قوات المجموعة.
وفي ليبيا، تشير صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن المجموعة كانت ضمن القوات الداعمة للهجوم الفاشل من قبل قوات شرق ليبيا التابعة لخليفة حفتر، الذي استهدف العاصمة طرابلس.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين غربيين أن الآلاف من مقاتلي فاغنر يتمركزون في أربعة مواقع في ليبيا بالقرب من الحقول النفطية.
السوان أيضًا يشهد وجودًا لفاغنر، حيث تمتلك امتيازات للتعدين في مناجم الذهب، كما دعمت المجموعة الرئيس السابق عمر البشير خلال الانتفاضة التي أطاحت به عام 2019.
وفي الوقت الحالي، تدعم فاغنر بشكل كبير قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الذي تسيطز قواته على مناطق الذهب في السودان، ويخوض قتالًا ضد قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان منذ منتصف أبريل الماضي.
عقوبات
في عام 2017، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مجموعة “فاغنر” أضافتها وزارة التجارة إلى قائمة الكيانات الخاصة بمراقبة الصادرات ردا على مزاعم بأنها كانت تؤجج العنف في شرق أوكرانيا.
وفي عام 2020، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على بريغوجين بسبب “تعزيز النفوذ الخبيث لروسيا” في جمهورية أفريقيا الوسطى.
وفرضت الولايات المتحدة مزيدا من العقوبات على بريغوجين في عام 2021 لتدخله المزعوم في الانتخابات الأميركية.