صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

فارس ناصيف في «كميل شمعون حرية ومقاومة»: كان عروبي الميول رغم رفضه مقاطعة الغرب بعد حرب السويس عام 1956

بقلم : سمير ناصيف - في كل مناسبة تنتهي فيها ولاية رئيس لجمهورية لبنان، تنشب أزمة حول اختيار مجلس النواب للرئيس الذي سيحتل هذا الموقع. وتتدخل في العادة في هذا القرار جهات إقليمية ودولية بالإضافة إلى الجهات والأحزاب اللبنانية المحلية للتوصل إلى نتيجة في هذا المجال.

وهذا ما حدث في نهاية ولاية الرئيس كميل شمعون الذي ترأس جمهورية لبنان بين عامي 1952 و1958 وفي نهاية ولايات الرئيس بشارة الخوري قبل شمعون وسليمان فرنجية (الجد) والياس سركيس وبشير وأميل الجميل وما يحدث حالياً بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون منذ عام تقريباً.
يركز كتاب صدر مؤخراً لمؤلفه فارس ناصيف بعنوان: «كميل شمعون، حرية ومقاومة» على مرحلة رئاسة شمعون مظهراً (حسب ميول الكاتب ومعتقداته) العناصر الإيجابية في تلك المرحلة ومشيراً إلى النواحي السلبية في مواقف خصوم شمعون وخصوصاً الرئيس المصري في تلك المرحلة جمال عبد الناصر وحلفائه في لبنان.

يحاول فارس ناصيف في الفصول الأولى من الكتاب إظهار الرئيس شمعون على كونه اعتنق القضايا العربية ودافع عن الحقوق العربية (وخصوصاً في فلسطين) حتى عام 1956 عندما نشبت أزمة قناة السويس بين الرئيس المصري عبد الناصر وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وحينما غزت تلك الدول الثلاث مصر وأيدت معظم الدول العربية الموقف المصري وقررت قطع علاقاتها مؤقتاً مع فرنسا وبريطانيا، فيما رفض النظام اللبناني بقيادة شمعون مجاراة مثل ذلك التوجه المقاطع دبلوماسياً للغرب.

ويشير المؤلف إلى أن علاقة الرئيس عبد الناصر مع الولايات المتحدة والغرب كانت جيدة نسبياً إلى أن توقفت أمريكا والدول الغربية عن دعم مشروع السد العالي على نهر النيل، فقرر عبد الناصر إقفال الممر البحري عبر قناة السويس وتأميم القناة وتطوير علاقته السياسية مع الاتحاد السوفييتي ما دفع بريطانيا وفرنسا وإسرائيل للرد على الخطوة المصرية عن طريق استخدام القوة العسكرية في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1956 بحيث «اندفعت القوات المسلحة الإسرائيلية إلى مدن القناة في مصر وسرعان ما انضمت إليها القوات الفرنسية وأيضاً القوات البريطانية التي دفعت الاتحاد السوفييتي إلى التهديد بالدخول في الصراع. كما تضررت العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة. وفي النهاية، سحبت الحكومات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية قواتها في أواخر عام 1956 ومطلع عام 1957». (ص 156).

ويرى الكاتب أن الرئيس شمعون كان حذراً في علاقته بالدول الغربية والعربية إذ أن «الدولة اللبنانية في عهد شمعون لم توقع على مشروع حلف بغداد الذي اعتبرته حكومة لبنان مناقضاً للميثاق الوطني اللبناني بين الطوائف اللبنانية، ولكن قيادة لبنان وافقت على مشروع ايزنهاور لعام 1957 الذي تعهد حماية الدول الحليفة لأمريكا من تعديات جيرانها الإقليميين ومن تدخلات وتعديات الاتحاد السوفييتي». (ص 149).

ويعتبر ناصيف أن الرئيس شمعون «حاول توحيد الصف العربي، ولكن اليسار اللبناني وبعض الزعماء اللبنانيين المسلمين استمروا في معارضته ومعارضة التجديد له في منصبه الرئاسي». (ص 158).

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

وموقف لبنان آنذاك (بنظر الكاتب) كان مؤيداً لأمريكا أكثر من بريطانيا لأن حكومة الرئيس الأمريكي ايزنهاور ساهمت في إيقاف الغزو البريطاني ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي لمصر، وبالتالي: «أفل نجم بريطانيا وفرنسا كقوتين استعماريتين في المنطقة». (ص 160).

غير ان الاتحاد السوفييتي (آنذاك) اعتبر مشروع ايزنهاور وسيلة لبسط نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومحاولة أمريكية للانفراد بالسلطة والنفوذ في المنطقة، (ص 162) بينما اعتبرت بعض الدول العربية المؤيدة للقومية والوحدة العربية قرار لبنان بالانضمام إلى مشروع ايزنهاور عام 1957 مخالفاً للمشروع الوحدوي العربي بقيادة عبد الناصر. ومورست آنذاك (حسب المؤلف) ضغوط أمريكية على سوريا والسعودية لقبول مشروع ايزنهاور. وهذا كان أحد العوامل التي دفعت سوريا تحت قيادة الرئيس السوري شكري القوتلي إلى الاتحاد مع مصر في الجمهورية العربية المتحدة، وأدى إلى اعتبار الرئيس شمعون ورئيس الوزراء العراقي نوري السعيد «خوارج» عن الصف العربي. وساهم ذلك في حدوث انقلاب عسكري دموي ضد نظام الملك فيصل الثاني في العراق وسقوط ذلك النظام في مطلع صيف عام 1958. وبرغم ذلك انتهت الوحدة المصرية ـ السورية في 28 أيلول (سبتمبر) 1961 بعد حدوث انقلاب في سوريا بسبب «اختلاف مشروع الرئيس عبد الناصر عن مشروع حزب البعث هناك» حسب قول المؤلف في ص 168 من الكتاب.

ويعتمد الكاتب شهادة مستشار وكالة الاستخبارات الأمريكية في لبنان ولبركين ايفلاند أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي حول الانزال العسكري الأمريكي في لبنان في تموز (يوليو) 1958 حيث قال ايفلاند: «لم ننزل عسكرياً في لبنان للدفاع عن شمعون وحكومته، انما ما قمنا به هو أننا استولينا على قاعدة إنزال لنتحرك منها براً إلى البلدان المجاورة». (ص203). وبالتالي، فهذا يعني (بنظر الكاتب) انه بعد انقلاب العراق على نظام الملك فيصل الثاني واشتداد الخطر على نظام الملك حسين في الأردن والنظام اللبناني الحليف أصبحت واشنطن قلقة على مصالحها في المنطقة وليس على بقاء شمعون في منصبه الرئاسي والتجديد له في الرئاسة. وهذا الأمر أدى إلى خيبة أمل لدى شمعون وحلفائه في لبنان. وبرغم ذلك، فانه اضطر إلى قبول البقاء في الرئاسة حتى انتهاء ولايته فقط ثم الرضوخ لانتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية في مكانه، علماً أن علاقة شهاب بالرئيس عبد الناصر كانت قائمة على القبول المتبادل بين الجانبين وأدت إلى توقف التشجيع المصري على الثورة في لبنان في عام 1958 بعدما فعلت ذلك سابقاً (برأي الكاتب).

ويشير المؤلف إلى أن «الجيش اللبناني آنذاك بقيادة اللواء فؤاد شهاب رفض مساندة شمعون في مواجهة الثوار في لبنان في عام 1908». (ص214). بينما أدت الظروف السياسية إلى حصول دعم لشمعون من جانب حزبين لبنانيين لطالما اختلفا على عدد كبير من القضايا، وهما حزب الكتائب والحزب القومي السوري، إذ أن الحزب القومي السوري كان في حالة مواجهة مع القيادة السورية في زمن الوحدة، وبالتحديد مع المسؤول الأمني والعسكري في دمشق آنذاك عبد الحميد السراج الذي نكّل (برأي الكاتب) بمعارضي الوحدة مع مصر. أما حزب الكتائب، فبرغم علاقته الجيدة لاحقاً باللواء فؤاد شهاب فإن قاعدته الشعبية كانت وظلت إلى جانب الرئيس شمعون خلال أزمة 1958 وبعدها.

ويذكر الكتاب أن رئيس الجمهورية اللبنانية بين عامي 1964 و1970 الرئيس شارل حلو كان على علاقة جيدة بالرئيس شمعون، وكان وزيراً للعدل والصحة في إحدى الوزارات المؤيدة لشمعون بقيادة سامي الصلح في عام 1954. وقد رافق حلو شمعون في جولة قام بها الأخير إلى الفاتيكان لزيارة البابا بيوس الثاني عشر قبل أن يصبح شمعون رئيساً.

وعلى الرغم من أن الرئيس فؤاد شهاب اختار شارل حلو ليخلفه في عام 1964 في الرئاسة عندما رفض شهاب التجديد في ذلك المنصب، فإن التناغم الفكري والشخصي بين حلو وشمعون من جهة وحلو وزعيم حزب الكتلة الوطنية ريمون أده من جهة أخرى أديا إلى برود علاقة حلو بالرئيس شهاب في أواخر ستينيات القرن الماضي وخصوصاً عندما أتاح حلو في عهده عودة شمعون وأده للقيام بدور سياسي وبرلماني فاعل في الساحة اللبنانية.

أما بالنسبة إلى علاقة شمعون بالانقلاب الذي حدث في مصر وأطاح بالملك فاروق في عام 1952 فيقول المؤلف إن شمعون كرئيس للجمهورية «أيد ذلك الانقلاب ودعم قائده اللواء محمد نجيب واختار زيارة مصر في أول عهده في نيسان (ابريل) 1952 لتهنئة اللواء نجيب، وطرح عليه فكرة إنشاء جبهة عربية موحدة تضم مصر والسعودية ولبنان والعراق ودولا أخرى وبحث مع نجيب موضوع جلاء القوات الأجنبية عن مصر. ورافق شمعون في تلك الزيارة الأمير فيصل بن سعود، وان ذلك الطرح (حسب المؤلف) «سعى لمواجهة المشاريع الدولية في مصر». (ص312 و313).

كما قام شمعون بزيارة ثانية إلى مصر بعد سنة في نيسان (ابريل) 1953 لمتابعة المشروع نفسه، حسب ما ورد في الكتاب أيضاً. وكان شمعون قد زار بغداد قبل ذلك بشهر حيث جرى له استقبال شعبي كبير نظراً لعلاقته المتميزة مع النظام الملكي السابق هناك، كما زار السعودية والأردن وردّ قادتهما الزيارة للبنان بعد ذلك.

ويؤكد المؤلف أن شمعون «أخذ على عاتقه معالجة الوضع المتأزم بين الرئيس عبد الناصر وبعض الدول العربية في عام 1954 قبل ان تسوء علاقة لبنان بمصر في عام 1956» (ص320).

وامتدت جهود شمعون (بنظر المؤلف) إلى محاولة مد الجسور وتعزيزها بين لبنان ودول أمريكا الجنوبية خصوصاً بعد زيارته للبرازيل والأرجنتين في أيار (مايو) 1954 «وسعى شمعون حيثما ذهب إلى تقريب وجهات النظر السلبية به كونه لم يكن نزيهاً في تعامله مع الأمير خالد التي ألصقها به حُساده والذين انزعجوا جداً من ثقة الأمير به وبقراراته ونصائحه».

ويغطي الكتاب دور شمعون كسفير للبنان في بريطانيا قبل انتخابه رئيساً والعلاقات الوثيقة التي نسجها مع النظام البريطاني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ويتطرق أيضاً إلى علاقة شمعون بالولايات المتحدة الأمريكية هو وحليفه المقرب من الدكتور شارل مالك الذي كلفه شمعون بمهام وزارة الخارجية وبالعلاقة مع النظام الأمريكي خلال فترة حكم الرئيس دوايت ايزنهاور ووزير خارجيته جون فوستر دالاس بالإضافة إلى مهمات أخرى حساسة.

وقد جُمعت معلوماته من مصادر موثوق بها في مكتبه الكونغرس الأمريكي وغيرها ومن مقابلات خاصة قام بها المؤلف.

فارس. أ. ناصيف: «كميل شمعون حرية ومقاومة»
دار سائر المشرق جديدة المتن، لبنان 2023
343 صفحة.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading