ولا تفاوض حتى على استعادة بقية الأرض المغتصبة، ولا وقف نار على جبهة الجنوب قبل وقف النار في القطاع، وكان في الملف الذي يحمله هوكشتاين، كبير مستشاري الرئيس جو بايدن لشؤون الطاقة، عرضان: واحد سريع ملح، وآخر بعد تحقيقه.
العرض السريع الملائم لإسرائيل تضمن اقتراحاً قوامه تخفيف الأعمال العدائية في الجنوب بالتزامن مع تنفيذ عمليات أقل كثافة في غزة وانسحاب مقاتلي “حزب الله” إلى مسافة سبعة كيلومترات من الحدود، بما يسمح لمستوطني الجليل بالعودة للمستوطنات التي نزحوا منها.
“حزب الله” رفض العرض بالطبع ووصفه بـ “غير الواقعي”، والعرض الآخر الملائم للبنان كان البحث في استعادته كل النقاط المتنازع عليها عند “الخط الأزرق” وخراج قرية الماري وتطبيق القرار (1701)، والمفاوض الرسمي الذي ربط موقفه بموقف “حزب الله”، خلافاً للماضي، كان يراهن على مفاوضات افتراضية مع وقف التنفيذ، بمعنى الاتفاق على خطوط التسوية وإرجاء تنفيذها إلى ما بعد وقف النار في حرب غزة.
لكن ذلك بدا متعذراً، وما كان هوكشتاين يحمل أي تفويض يخوله البحث في استعادة مزارع شبعا وتلال كفر شوبا التي تعتبرها بيروت أرضاً لبنانية وتعتبرها دمشق أرضاً سورية، سيطرت عليها إسرائيل مع الجولان السوري خلال حرب 1967، وهي ضمن القرارين (242) و (338) ورعاية قوات “أندوف” الدولية، لا ضمن القرار (425) ورعاية القوات الدولية في الجنوب اللبناني.
ومجلس الأمن الدولي كان يدرك سلفاً أن تطبيق القرار (1701) بكل مندرجاته مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة، لذلك جرى تقسيم تنفيذه إلى مرحلتين، مرحلة وقف الأعمال العدائية ونشر الجيش اللبناني وقوات “يونيفيل” المعززة بين الخط الأزرق وجنوب نهر الليطاني كمنطقة عمليات دولية خالية من الأسلحة، وهذه شهدت تنفيذاً نسبياً، ومرحلة الوقف التام للنار، وهذه بقيت معلقة وسط التكاذب المشترك بين مجلس الأمن وكل الأطراف التي تدّعي دائماً أنها مستعدة لالتزام التنفيذ الكامل بكل مندرجات القرار، فلا إسرائيل تريد وقف الطلعات الجوية فوق لبنان وخروقاتها للقرار، ولا “حزب الله” يريد أن تنتهي مهمته المسلحة في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي كما في دوره الإقليمي ضمن المشروع الإيراني، ولا لبنان الرسمي يستطيع أن يفرض الوقف التام للنار، ولا مجلس الأمن يستطيع ذلك على افتراض أنه يريد.
ولبنان اليوم عاد لمرحلة ما قبل القرار (1701)، “حزب الله” الذي لم يغادر جنوب الليطاني عملياً على أساس أن مقاتليه من القرى هناك، ولم يتوقف عن بناء ترسانة غير ظاهرة تحت عناوين مختلفة، فنشر “فرقة الرضوان” على الحدود وبدأ القتال، وإسرائيل تقصف قرى الجنوب تحت عنوان البنية التحتية لـ “حزب الله” وتهدد بحرب شاملة، والقوات الدولية صارت أقل من مراقب، والجيش اللبناني يتعرض للقصف المعادي.
ولا شيء يوحي بأن نهاية حرب غزة قريبة، ولا أحد يحدد كيف ستنتهي وبأية حال على إسرائيل و”حماس”، بصرف النظر عن الرهانات الحالية، وليس في إسرائيل تصور لما يسمى “اليوم التالي” على رغم الإلحاح الأميركي والأوروبي والعربي على ذلك، والتركيز على قيام دولة فلسطينية يعلن نتنياهو أنه “لن يسمح بها ما دام في منصبه” ويطيل الحرب للبقاء في رئاسة الحكومة، وكل شيء في لبنان، حتى انتخاب رئيس للجمهورية، معلق في انتظار نهاية غامضة لحرب طويلة.