بداية و لنفهم حقيقة الأمور جيداً علينا أن نتعرف على واقع تلك الميليشيات و نشأتها و ارتباطاتها وبالتالي طرح بعض الأسئلة !!!
يدرك العالم كله أن تلك الميليشيات هي أفرع من الحرس الثوري الإيراني و هي تتبع له عقائدياً و مالياً و تنظيمياً و بالتالي ترتبط به ارتباطاً عضوياً و هي تشكل معه وحدة متكاملة لا يمكن تجزئتها ابداً .
بالأساس شكلت تلك الميليشيات التي أنشأتها إيران داخل البيئة الشيعية في بعض البلدان الوسيلة الأمثل بالنسبة اليها لتصدير الثورة – الهدف المركزي للثورة الخمينية ، و التي لولا ذلك لكانت ماتت و اختنقت في مهدها ( أي لولا إعاطائها بعداً إقليمياً كمقاومة إسرائيل مثلاً أو البعد الأيديولوجي-المذهبي في رفض النظام العربي القائم ) ، تلك الثورة مفلسة من الداخل و لا تملك ما تقدمه لشعبها لذا عليها دائماً التوسع الخارجي من خلال أذرعها و ميليشياتها لتبرير بقائها استمراريتها بشكلها المعروف !
لماذا تتنازل دولة كبرى كالسعودية و تتتحاور مع ميليشيات-أفرع بدل محاورة الأصيل و ضابط الإيقاع و كيف تقبل بذلك و هي تعرف حقّ المعرفة أن تلك الميليشيات لا تستطيع الحل و الربط الا بأمر مباشر من طهران أقله لأنها مرتبطة مالياً و عسكرياً و بشكل كلي بالحرس الثوري و ذلك باعتراف قادتها الذين لا يخجلون بهذا الأمر بل يعلنونه و يعتبرونه عادياً جداً ؟
ما الهدف وراء تلطي إيران بالميليشيات و توريط السعودية كدولة و نظام بتكريس سابقة كهذه ( حوار بين دولة شرعية و ميليشيات خارجة عن القانون ) و هل تقبل إيران ذلك على نفسها إن وُضعت في ظرف مشابه ؟
لماذا يقبل الأمير محمد بن سلمان المعروف بحنكته و براغماتيته و ذكائه بأمر كهذا و هو المدرك ان إيران تحاول ضرب صورة المملكة و تحجيم حضورها من خلال جرّها الى مفاوضات مع ميليشيات و تكريس سوابق غريبة ربما تضر بصورة المملكة مستقبلاً ؟
نفهم أن المملكة لديها مشاريع اقتصادية طموحة و تلك المشاريع تتطلب استقراراً دائماً لتنفيذها ، فكيف سيكون هذا الاستقرار دائم إن أبرمت تلك الإتفاقات مع الفروع لا الأصيل و من سيضمن استمراريتها على المدى الطويل و الأهم من ذلك كله لما تتنصل إيران من مسؤولياتها في ضبط ميليشياتها و تُحيلهم للكلام المباشر مع السعودية ، هل تفعل ايران هذا تمهيداً لتنصُّلها المستقبلي عندما تنكث تلك الميليشيات بوعودها و تعهداتها في ظرفٍ ما و هو أمر معروف و حصل سابقاً في لبنان و العراق و غيرهم !!!
الحقيقة أن إيران تحاول و بدهاء إضفاء شرعيةٍ ما على الكيانات التي أنشأتها داخل الدول و تلك الشرعية لا يمكن لها أن تتحقق الا من خلال إجلاس هؤلاء على طاولة الحوار مع الكبار ، فهل قبلت المملكة بتشريع الدويلات داخل الدول ؟ و الا كيف نفسر مجرد استقبالها للحوثيين و التكلم معهم و ربما لاحقاً مجموعات أخرى في الدول المجاورة كما نسمع و نقرأ في الآونة الأخيرة !!!
أخيراً ، من المؤكد أن المملكة تدرك بعمق خطورة تشريع تلك الظواهر و الآثار المدمرة التي سيتركها ذلك على بلدان الجوار و على العالم العربي بشكل عام ، فما أهداف السعودية الحقيقية من تغيير سياستها المتشددة إزاء هؤلاء و ما الذي تغير لتقبل اليوم بما رفضته بالأمس ؟ هل هي سياسة تقطيع الوقت و تمرير مرحلة للوصول الى ظروف أفضل تسمح لاحقا بالعودة الى السياسات المتشددة السابقة حيال هؤلاء و هو ما نأمله جميعا من دولة تقود و لأول مرة ثورة التطوير الكبرى في منطقتنا العربية ؟
هذا المقال ليس انتقاصاً أبداً من ثورة التطوير العظيمة التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان في المملكة و العالم العربي ،لا بل العكس هو محبة بالسعودية و خوفا عليها مما تحيكه ربما ايران لها و للدول العربية لا أكثر و لا أقل ، فمن يريد للمملكة أن تنجح بمشاريعها الطموحة عليه أن يتكلم بصدق عندما يرى أموراً مريبة تحصل خوفاً على الحلم الموعود بالإزدهار و التقدم لا أن يصفق بكل الأحوال كما يفعل كثر من المتزلفين و المتملقين .