إن تمعنّا قليلاً في أغلب تلك الحركات “الهجينة” التي نشأت خاصة بعد انتفاضة ١٧ تشرين لوجدنا و سريعاً أن أغلب مؤسسيها هم من الحزبيين السابقين أو من المؤيدين السابقين لتلك الأحزاب و الزعامات و هم ينقسمون الى ثلاث مجموعات :
المجموعة الأولى و هي الأكبر هم مجموعة الوصوليين و المتسلقين و الذين دخلوا بالأساس الى أحزابهم السابقة ليحققوا طموحات شخصية و خاصة لا لخدمة قضية و أهداف و هؤلاء انفسهم هم من سايروا الوصاية في الزمن الأسود عندما كان إخوة لهم يقاومونها ليعودوا بعد ثورة الأرز و يدخلوا الى الأحزاب السيادية متسلقين على ظهر المقاومين الفعليين و هنا تلام تلك الأحزاب لأنها سمحت لهم بذلك إما لسبب مادي أو لأي سبب آنيٍّ آخر وقتها ( كمحاولة توسيع قواعدها أو استخدامهم بوجه أخصامها الخ … ) و هؤلاء هم أنفسهم من عادوا و انقلبوا على هذه الأحزاب عندما لم يصلوا الى المناصب التي كانوا يطمحون اليها في الداخل و التحقوا ب ١٧ تشرين و انشأوا حركاتهم الهجينة التي تنظّر صبحا و مساء علينا اليوم .
مجموعة ثانية من هؤلاء هي مجموعة المثاليين المقتنعين بما يقولونه و هؤلاء هم صادقين مع انفسهم و منسجمين مع قناعاتهم لكنهم يعيشون في عالمهم الخاص المنفصل عن الواقع و الرافض الاعتراف بالحقيقة القبلية العامة للمجتمع اللبناني و هؤلاء لن يستطيعوا أبداً التوسّع و اكتساب ارضية جديدة انما سيبقون أحزاب صالونات و نخب مثقفة بعيدة جداً عن التكيّف مع المجتمع اللبناني و طبيعته .
المجموعة الأخيرة هي بعض الخارجين من الاحزاب المسيحية تحديداً ، كلّ لسبب مختلف ، فمنهم من ظلموا من أحزابهم لتراكمات شخصية معينة و خلافات خاصة مع بعض مسؤولي تلك الأحزاب و قرروا تصفية حساباتهم معها و منهم من رأوا بعض المتسلقين من الذين الذين ذكرناهم سابقاً يدخلون الى أحزابهم التي ناضلوا فيها و يتخطونهم في المراكز القيادية للأسباب المعروفة ، و منهم من اعتبروا ان احزابهم تخلّت عن مشاريعها الأساسية و انتقلت الى مشاريع أخرى كبعض الفدراليين اليوم الذين خرجوا من رحم القوات و غادروها لهذا السبب بالتحديد و هذا حقّهم .
جامع مشترك واحد وحيد بين كل هؤلاء هو التصويب على مجموعاتهم و أحزابهم القديمة من باب واحد و هو غياب الديمقراطية و التوريث السياسي داخلها و الذي هو بالمبدأ ظاهرة غير صحية و لكن في لبنان انقلب الى ظاهرة أمنت صمود و استمرار بعض المؤسسات التي خدمت المجتمع في ظروف حالكة ، فلماذا تقوم تلك الحركات على أمر واحد فقط و هو التصويب على غياب الديمقراطية في الأحزب الحالية ؟
يعتقد بعض منظري هذه الحركات أن السبيل الوحيد للتوسع و جذب الناس اليهم هو التصويب على ما يعتبرونه نقطة ضعف الأحزاب الموجودة أي غياب الديمقراطية داخلها و من هذا الباب تحديدا يمكنهم جذب جيل معين اليهم و التوسع بالتالي لبناء قاعدة شعبية خاصة بهم .
الذي غاب عن بال تلك الحركات و منظريها او غيبوه عمداً لا ندري أن تلك الأحزاب قامت بالأساس على أشخاص و لم تقم على مشاريع انما المشاريع أتت لاحقا و الذي يغيب عن بال تلك الحركات أيضا أن المجتمع اللبناني يشبه كل مجتمعات دول العالم الثالث و هو مجتمع عاطفي يتأثر بالأشخاص لا المشاريع و هو بالأساس قام و انتظم في بيئة استندت الى العائلات و البيوتات السياسية مما يعني أن هذا المجتمع هو من أفرز أحزاب كهذه لأنها تشبه طبيعته لا العكس و من هنا عليهم مهاجمة المجتمع لا الأحزاب التي أفرزها المجتمع و الدليل على ما نقول أن اغلب هذه الأحزاب عادت و حصلت على الأغلبية الشعبية في الانتخابات الأخيرة .
اذا و بالأساس المجتمع افرز أحزاباً كهذه لأنها تشبه طبيعته لا العكس ، كما افرز هذا المجتمع أيضاً سلطة سياسية تشبهه لا العكس و من هنا على الحركات المستجدة التركيز على المجتمع لمحاولة تغييره ان استطاعوا لا تسليط الأضواء على موضوع تفصيلي كالديمقراطية داخل الأحزاب لأسباب شعبوية و سلطوية خاصة بتلك المجموعات .
لنأخذ مثلاً بعض القواتيين السابقين ، الم يكن يدرك من دخلوا الى القوات سابقا ان سمير جعجع استمر في قيادة تلك المؤسسة منذ العام ١٩٨٦ ؟ و لماذا سكتوا عن ذلك عندما كانو في القوات ؟ الم يكن موضوع الديمقراطية في القوات مهم لهم عندما كانوا داخلها ؟ و هل أصبح موضوعاً أساسياً بالنسبة اليهم عندما خرجوا منها ؟ هل لأن البعض منهم لم يصل الى المراكز التي طمح اليها بدأ بالتصويب على حزبه السابق ؟ كنا لنصدقهم لو اعترضوا و هم في الداخل لا عندما خرجوا ، و ما نقوله عن هؤلاء ينطبق على كل الخارجين من الأحزاب الأخرى .
لا تصدقوا أي حركة منهم ، انهم و بأكثريتهم الساحقة مجموعات سلطوية و ديكتاتورية لا تحتمل الآخر المختلف أكثر من الأحزاب الموجودة ، هم اما منظرين يعيشون في عالمهم الخاص الخارج عن الواقع أو وصوليين و متسلقين يبحثون عن مراكز و مناصب و يستغلون الظروف و الأوضاع لتحقيق ذلك ، أو محبي ظهور لا هم لهم سوى التشدق بالكلام الجميل و التنظير من بعيد على الناس المتعبة .
من هو صادق كان عليه أن يكون منسجما مع نفسه من الأساس لا أن يصحو فجأة كما يدّعي ، فكل شيء كان ظاهراً أصلاً و من سكت عن مواضيع و عاد و انتقدها بعنف لاحقاً هو شخص مريب تحوم حوله الكثير من علامات الإستفهام و التساؤلات و كل تلك الحركات حالها هكذا كي لا نغش انفسنا خاصة بتركيزهم البغيض على أحزاب أخرى و التدخل في شؤونها الداخلية ، فلو كانوا صادقين كان عليهم الاهتمام بأنفسهم لا التلهي بانتقاد الأحزاب القديمة التي ستبقى طالما محازبيها راضين بواقعها ، فليحاولوا منافستها بمواضيع أخرى غير الهجوم الغبي عليها من هذا الباب الذي اصبح مبتذلاً و غير قابل للإستثمار و عندها نرى .
المُريح ان تلك الحركات لا تلقى صدى جدياً في الشارع خاصة بعدما كشفتهم الناس على حقيقتهم في مرحلة ما بعد الانتخابات الأخيرة و رأت بما لا يقبل الشك أنهم مجموعات من المتسلقين الطامحين لا أكثر و لا اقل ، البلد انهار و لا ينقصنا اليوم هؤلاء فما فينا يكفينا .