وفي إطار هذه المساعي، حضر وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى بيروت الأسبوع الماضي، حاملاً مقترحاً مكتوباً لإنهاء الأعمال القتالية على جانبي الحدود، يقوم على خطة للتهدئة تقوم على ثلاث مراحل على مدى 10 أيام يوقف خلالها الطرفان إطلاق النار، وتشمل سحب مسلحي “حزب الله” إلى مسافة 10 كيلومترات من الحدود وتنتهي بمفاوضات في شأن الحدود ونشر الجيش اللبناني جنوباً، بحسب ما كشفت وكالة “رويترز”.
تجنب الحرب المفتوحة
وعلمت “اندبندنت عربية” من مصدر رفيع أن الطرف الأميركي منخرط في البحث عن تخفيف التوتر في جنوب لبنان عبر مبادرة منفردة، مضيفاً أن باريس تعلم ذلك لكنها ترى أن المساعي الأميركية قد لا تنجح بسبب موقف واشنطن الموالي لتل أبيب، ومن ثم تعول على موقفها “المتوازن” لإحداث خرق على هذا الصعيد.
واعتبر المصدر أن الاقتراحات التي قدمتها فرنسا تهدف إلى دراسة إمكانية إيجاد حل انطلاقاً من مبدأ بسيط يتمثل بعدم ربط الحل بوقف إطلاق النار، علماً أن باريس تطالب منذ البداية بوقف الأعمال القتالية لكنها تعتبر أن البحث عن حل قبل التوصل إلى هدنة ليس أمراً متناقضاً، بل يجب مواصلة السعي والمشاورات واختبار الاقتراحات العملية قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وأشار المصدر إلى أن الطرفين الإسرائيلي واللبناني طلبا من فرنسا العمل لتجنب حرب مفتوحة، كونهما يعيان أن الحرب ستكون لها نتائج كارثية، ومن ثم فإن المصلحة تقتضي التفاوض، لكنه أوضح أن الطرفين يختلفان في وجهات النظر، فبينما يربط “حزب الله” مباشرة وضع لبنان بغزة، تفصل إسرائيل بينهما.
موقف فرنسي “متوازن”
وأضاف المصدر أن الولايات المتحدة تجاوبت مع مطالب السعي إلى خفض التصعيد، لكن كونها أقرب إلى إسرائيل، فإن التعويل على مبادرة منفردة منها لن يؤدي إلى نتيجة، في حين أن باريس لديها دور تاريخي في لبنان ولديها موقف “متوازن” تعمل بناءً عليه إن كان مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي ومع الولايات المتحدة، أو في ما يتعلق بغزة أو البحر الأحمر.
وقال المصدر إن فرنسا تعي أن “حزب الله” قوة ميدانية وسياسية لا يمكن تجاهلها، لذا التواصل معه يتم عبر السلطات اللبنانية، مضيفاً أن المطلوب في النهاية هو تجنب الحرب وهذا أمر يتطلب التعاون والتنسيق والتواصل مع الحزب.
ووصف المصدر الوثيقة التي قدمتها فرنسا للحل بأنها “رسالة منطقية” تحمل اقتراحات للجانبين اللبناني والإسرائيلي بغية التوصل إلى خفض التوتر، وشددت فيها على الدور الحاسم للجيش اللبناني وتمويله، وهو ما لاقى ترحيباً.
وفي ما يتعلق بالأزمة السياسية الداخلية في لبنان والفراغ الرئاسي المستمر منذ أكثر من سنة ونصف السنة، أفاد المصدر بأن باريس قلقة في هذا الشأن، ويواصل موفدها جان إيف لودريان مشاوراته بشكل مكثف مع توافق وجهات النظر بأن التوصل إلى حل يتطلب مضاعفة الضغوط على غرار ما حصل في تجديد ولاية قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون.
الوضع “خطر لكن لم يبلغ نقطة اللاعودة”
ويتبادل “حزب الله” إطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من أربعة أشهر دعماً لحركة “حماس”، التي شنت هجوماً على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وردت عليها إسرائيل بهجوم بري وجوي وبحري على قطاع غزة. ويقول الحزب إن صواريخه تردع إسرائيل أيضاً عن شن هجمات كبيرة على لبنان.
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي أمس الأربعاء أن الوضع في لبنان “خطر لكنه لم يبلغ نقطة اللاعودة”، بعد مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص في جنوب لبنان في سلسلة غارات إسرائيلية جاءت رداً على مقتل جندية إسرائيلية وإصابة آخرين بصاروخ أطلق من لبنان.
وقال سيجورنيه أمام الجمعية الوطنية “إن فرنسا منخرطة في حل النزاع خصوصاً لتجنب التصعيد وحرب جديدة في لبنان”. وأضاف “الوضع خطر لكنه لم يبلغ نقطة اللاعودة”. وأكد أن باريس تعمل “بلا هوادة من خلال بث رسائل في كل مكان” لتجنب توسع نطاق النزاع في الشرق الأوسط.
غير أن المساعي الفرنسية والغربية تصطدم بالتصعيد العسكري بين إسرائيل و”حزب الله”، الذي اعتبر على لسان أمينه العام حسن نصر الله أن الوفود الغربية تسعى إلى التهويل على لبنان وتحمل إليه أوراقاً تركز على “حماية إسرائيل”، مضيفاً أن ذلك لن يوقف الحزب، كما دعا نصر الله الدولة اللبنانية إلى وضع “شروط إضافية على القرار 1701” وعدم الاكتفاء بتطبيقه.
رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي حذر من جهته في وقت سابق هذا الأسبوع من أن لبنان “اليوم أمام خيارين: إما الاستقرار الدائم الذي يشكل إفادة للجميع، وإما الحرب التي ستشكل خسارة لكل الأطراف”.