تصف سبيتي اللحظة المؤثرة التي اكتشفت فيها أن اسمها موجود إلى جانب سيدات ملهمات أمثال ميشيل أوباما وأمل كلوني وحاملة الكرة الذهبية بكرة القدم الإسبانية ايتانا بونماتي والعداءة البريطانية بيناكا وليامس، بالأجمل في حياتها.
وبفضل عشقها للرياضة، استطاعت أن تصل إلى العالمية وترفع علم لبنان بفخر في المحافل الدولية، محققة النجاح تلو الآخر، إلا أن الطريق الذي سلكته لم يكن مزيناً بالورد دوماً.
بيئة داعمة وتنمر
بداية عزيزة سبيتي في عالم الرياضة كانت في الطفولة، كما بالنسبة إلى أي رياضي يغوص في هذا المجال، فكانت طفلة مفعمة بالطاقة والنشاط وتعشق الرياضة على اختلاف أنواعها، فلم تكتشف عشقها لها بين ليلة وضحاها، وإذ تعيد سر النجاح فيها إلى الشغف، تعتبر في حديثها إلى “اندبندنت عربية” أن وجود البيئة الداعمة والمدرسة التي اكتشفت قدراتها ووجّهتها في هذا الاتجاه كانا حافزاً مهماً لها، وأنها فرصة قد لا تسنح للكل.
لكن على رغم قدراتها الفائقة التي ظهرت في سرعة الركض، كانت حريصة على التركيز أولاً على رياضة كرة السلة، فاللعب ضمن مجموعة كان هدفاً لها وسلاحاً أرادت أن تستخدمه لتتخطى ما كانت تواجهه من تنمر في المدرسة، فهي ابنة لأب لبناني وأم ليبيرية، وتقول إنها تعرضت للتنمر في طفولتها حتى كادت تصاب بحال من اليأس والاكتئاب.
لكن سرعان ما حوّلت سبيتي ضعفها إلى قوة، وتخطت هذه الحال بفضل الرياضة، وكان هذا السبب الرئيس وراء لجوئها إلى رياضة كرة السلة لأنها تقتضي اللعب ضمن فريق، فكان هذا السلاح الذي سمح لها بالاعتماد على نقطة قوة تتمتع بها لتندمج في مجتمع لم يحتضنها أولاً كفتاة ذات بشرة داكنة.
وتقول سبيتي “بعد ما تعرضت له من تنمر في مرحلة الطفولة، أصبحت لاحقاً من المؤثرات كرياضية ترفع الصوت في مواجهة التنمر والتمييز العنصري، وتشكل دفعاً للأطفال والشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال ندوات في المدارس وفي مختلف الأماكن”.
نجاحات متكررة
شاركت سبيتي في بطولات بالدول العربية أولاً وحازت ميداليات ذهبية عدة قبل أن تشارك في بطولة لبنان وتنضم إلى المنتخب اللبناني، وإذ كانت تعرف جيداً إمكاناتها الفائقة في مجال الركض السريع بفضل مدربيها وكل من وجّهها في هذا المجال، تحولت هذه الرياضة إلى جزء لا يتجزأ من نمط حياتها، فهي تعتمد على نظام غذائي خاص ونمط حياة صحي في النوم وفي التدريب الرياضي.
وعلى رغم اختيارها تخصصاً جامعياً في مجال مختلف هو إدارة الأعمال، حرصت دوماً على التوفيق ما بين تخصصها هذا وشغفها للرياضة لتحقق كل هذه النجاحات وتثبت ذاتها، واستطاعت أن تكسر الرقم القياسي للمرة الأولى في مسافة الـ 100 متر بعمر 26 سنة ضمن بطولة غرب آسيا في الأردن.
التحديات التي كانت تواجهها سبيتي شكلت جزءاً من معاناتها، ومنها صعوبة التوفيق بين مجال اختصاصها والرياضة، إذ إن الرياضيين لا يجدون الدعم اللازم في لبنان سواء المادي أو المعنوي ليتمكنوا من التفرّغ بصورة كاملة للرياضة كما في دول أخرى.
في المقابل، عندما استطاعت أن تكسر الرقم القياسي تبدلت طريقتها في التفكير وأدركت أنها حققت النجاح وهي توفّق بين التخصص الجامعي والرياضة، فكيف بالأحرى إذا ما تفرّغت بالكامل للرياضة، وأعطت كل ما لديها في هذا المجال، فعبّرت عن ذلك قائلة “أدركت جيداً حينها أني أرمي نفسي في المجهول باتخاذي قرار التفرغ بالكامل للرياضة، وانتقلت إلى نادٍ آخر وبدأت التدريبات مع المدرب جورج عساف، ومنذ عام 2019 إلى اليوم استطعت أن أكسر الرقم القياسي خمس مرات وأن أحسن الرقم الذي حققته في الركض السريع”.
وتقول سبيتي “فزت بميدالية ذهبية في المغرب عن سباق 200 متر وأيضاً ببطولة غرب آسيا في قطر، فأدركت عندها أن النجاح في عالم الرياضة لا يرتبط بالقدرة الجسدية والتدريب فحسب، بل بالناحيتين الجسدية والنفسية في الوقت نفسه، مما دفعني إلى التخلي عن كل شيء من أجل الرياضة وكان هذا سر نجاحي على المستوى الدولي”.
بعد النجاحات المتتالية التي حققتها، انضمت سبيتي إلى نادي “Let’s Run” الذي تحول إلى راعٍ لمبارياتها وداعم لها، إضافة إلى نوادٍ أخرى راعية تؤمن لها كل ما يلزم لنمط الحياة الصحي الذي تحتاج إليه كرياضية وعداءة.
وانضمت كذلك إلى منظمة غير حكومية تعنى بالرياضة للعمل فيها ضمن المجال الذي تعشقه، وهي منظمة تعنى بإيجاد أطفال يتمتعون بقدرات مميزة في الرياضة، تحديداً في الركض السريع، فتؤمن لهم الأقساط المدرسية بتمويل من متبرعين، في مقابل أن يبذلوا كل جهودهم في الرياضة ويعززوا قدراتهم من دون تهاون، ففي ذلك حرص على الثقافة والتعليم وفي الوقت نفسه على تنمية القدرات في الرياضة والتزامها.
لائحة “بي بي سي”
أما دخولها في لائحة “بي بي سي” بين 100 سيدة أكثر تأثيراً في العالم، فحصل لاعتبارها أسرع عداءة في تاريخ لبنان وتحمل الرقم القياسي اللبناني لسباقي الـ 60 متراً والـ 100 متر، إضافة إلى نجاحات عالمية حققتها، علماً أن اختيارها كان بصورة مفاجئة ولم تكن على علم به، إذ تواصلت معها الجهات المعنية للحصول على صورها وسيرتها الذاتية، لكنها لم تتوقع بعدها أن تجد بالفعل اسمها في هذه اللائحة، فكانت لحظة مؤثرة للغاية انهمرت دموعها خلالها، وفق ما أكدت، حين علمت بأنها وصلت إلى هذا المستوى من النجاح العالمي.
بعد كل النجاحات التي حققتها والتي استطاعت أن تمثل لبنان من خلالها، تعبر سبيتي يومياً عن امتنانها لما وصلت إليه، لكنها تدرك أيضاً أنها تعبت كثيراً ولم تدخر جهداً وعرفت لحظات من الإرهاق والخيبة، كما يحصل مع كل رياضي متمرس.
حلمها اليوم هو المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024 في باريس لتمثل لبنان ضمنها، لذلك تتدرب حالياً وفق المعايير المطلوبة لتنجح في هذه الخطوة، لا سيما أن هناك معايير معينة لاختيار شخص واحد من الذكور والإناث من لبنان في رياضة الركض السريع، لذلك لا تنكر أن التحدي صعب وتخصص كل جهودها لتحقيق هذا الهدف.
تحديات وضغوط
حياة سبيتي قد تكون مليئة بالتحديات والتوتر والضغوط وهذه حال المنافسة في الرياضة على رغم فوائدها الكثيرة، فمع كل خطوة تحققها تسعى إلى إنجاز نجاحات أكثر، وقد تفشل أحياناً وتصاب بالخيبة، ويحصل ذلك مراراً، وبعدها يُطلب منها أن تنهض مجدداً وتكرر المسار نفسه بمزيد من الاندفاع والقوة.
“هذا النوع من التوتر ليس سهلاً، وقد ينعكس سلباً على الحال النفسية أحياناً، وهذا ما حصل معي في تجارب عدة، ولو لم يكن لدي هذا الشغف كله لما وصلت إلى هنا، وفي الوقت نفسه أعرف أن الرياضة أعطتني كل شيء، وإن كنت قد تخليت عن أمور كثيرة من أجلها، حتى إني بفضلها حللت في لائحة بي بي سي للنساء الأكثر تأثيراً في العالم”.
وأوضحت سبيتي “لولا الرياضة لما أوجدت هويتي وكياني، ولما كنت على ما أنا عليه اليوم، حتى إنها فتحت لي الباب لأكتشف ثقافات متعددة وحضارات في مختلف الدول التي زرتها، بدلاً من أن أحدّ نفسي في مجال معين، لذلك يمكنني القول إن الرياضة أعطتني كل شيء ولم تأخذ شيئاً مني”.