طرأ بعض التعثر على مسار تشكيل الحكومة اللبنانية، وهو تعثر يمكنه أن ينعكس على انطلاقة عهد الرئيس جوزيف عون في حال استمر. منذ تكليفه بتشكيل الحكومة، عمل الرئيس المكلف نواف سلام على تسريع وتيرة حركته واستشاراته لإنجاز التشكيلة التي تتلاقى مع تطلعات اللبنانيين، ومع ما تضمنه خطاب القسم لرئيس الجمهورية وخطاب التكليف. لكن الصراعات السياسية استفحلت واستحكمت في تأخير مسار التأليف، لاسيما في ظل تمسك الثنائي الشيعي بالحصول على خمسة حقائب وزارية من أصل 24 وزيراً، أي التمسك بالحصة الشيعية كاملة، علماً أن الرئيس المكلف منفتح على مشاركة الجميع وتمثيلهم ولكن ليس على قاعدة الاحتكار، كما أنه يتمسك بصلاحياته الدستورية في اختيار الوزراء بالتفاهم مع القوى الأخرى، وليس بتلقيه الأسماء بلا أي نقاش.
قبل أيام حصل تقدم على خط التفاوض مع الثنائي الشيعي، إلا أن القوى المعارضة لـ «حزب الله» رفعت الصوت عالياً، اعتراضاً على نيل الثنائي الحصة الكاملة، بالإضافة إلى الاعتراض على تمسك الثنائي بحقيبة «المالية»، وهو ما فتح شهية القوى السياسية المختلفة على المطالبة بحصص وحقائب في محاولة لفرض توازنات جديدة أو لإعادة انتاج حكومة تشبه سابقاتها بالمعنى التحاصصي، وهو ما يرفضه الرئيس المكلف بالمطلق. استمرت الحملات وتفاقمت، حتى اندفعت جهات إلى المطالبة جهاراً بتشكيل حكومة من دون حزب الله وحركة أمل ودفعهما إلى المعارضة، علماً أن ذلك قد يؤدي إلى إشكالات سياسية كبيرة تأخذ بعداً طائفياً.
ما يؤثر على مسار التأليف الحكومي أيضاً، محاولة قوى داخلية لتكريس وقائع سياسية داخلية بالاستناد إلى وقائع خارجية أو إلى المعادلات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية، بالإشارة إلى وجود جو دولي حول عدم استمرار حزب الله بقوته السياسية السابقة، وبعدم إنتاج معادلات قديمة حول احتفاظ الطائفة الشيعية بحقيبة «المالية»، وعدم حصوله على الثلث المعطل، وعدم إدراج معادلة الجيش والشعب والمقاومة في البيان الوزاري، وهذه شروط ستصعب الأمر على حزب الله، وسيكون لها انعكاسها على مسار التأليف. في هذا السياق عقد اجتماع لسفراء الدول الخمس المعنية بلبنان لمواكبة عملية تشكيل الحكومة وانطلاقة العهد.
تحاول القوى السياسية تكبيل الرئيس المكلف، لكنه يصر على التمسك بالدستور وبصلاحياته، ويؤكد أنه لن يتنازل ولن يسمح بإفشال عملية التشكيل ولا بتأخيرها، وأنه لن يكون هناك استعداد لدى أي طرف لعرقلة العملية. يكمل مشاوراته في سبيل الوصول إلى أوسع تفاهم فيما التطورات الحاصلة ترسم 3 احتمالات أمام مسار التأليف، إما أن يتمكن سلام من تشكيل حكومة يتمثل بها الجميع فتكون صورة مشابهة نسبياً للحكومات السابقة مع انتظار الفارق في الأداء، وإما أن يتم تشكيل حكومة أمر واقع، وتمر في المجلس النيابي بنيلها الثقة، ولكن حينئذ ستكون كتل غير ممثلة فيها أو غير راضية، وإما أن تستمر العرقلة وتطول عملية التأليف كمحاولة لتغيير المعادلة ودفع الرئيس المكلف إلى الاعتذار، وهذا غير وارد حتى الآن بقوة الدفع الداخلي والخارجي، وبإصرار وتصميم نواف سلام على الفوز.