وفيما تعيش المدن الساحلية والجبلية أزهى أيامها، وتصدح أصوات الموسيقى من بعلبك وبيت الدين وصور، وتتصدر البترون المرتبة الأولى من حيث نسبة الحجوزات، التي لامست المئة في المئة، حتى منتصف سبتمبر،
تنكفئ عاصمة الشمال طرابلس عن هذه المشهدية، لتنحصر أخبارها بالحوادث الأمنية، ودبيب الفوضى والبؤس في شوارعها، مواصلة غرقها في الانهيار المالي، الذي ألمّ بلبنان، قبل أربع سنوات.
يقول الباحث والروائي اللبناني محمد أبي سمرا: «على الرغم من سياسة الإهمال والإقصاء الحكومي التي أدّت إلى إفقارها، ظلت طرابلس حتى عشية الحرب الأهلية (1975) مدينة غنية بمرافقها الحديثة، كالمنتديات الثقافية والصحف المحليّة ودور السينما والمسارح والملاهي الليلية، ثمّ أتت سنوات الحرب الأهلية على تلك المرافق، وازدادت المدينة فقراً، وحين انفجرت الأزمة المالية عمّ البؤس في المدينة، التي لم تشهد مدينة لبنانية تهميشاً كالذي تعرضت له، منذ نشأة دولة لبنان الكبير حتى اليوم».
لا دعم من الوزارة
ما الذي يعوق طرابلس عن الانضمام الى الخريطة السياحية الموسمية؟ رئيس لجنة الآثار والتراث والسياحة في بلدية طرابلس، والأستاذ الجامعي في كلية العمارة والفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية خالد تدمري يحيل السؤال إلى وزارة السياحة، التي تدعم الجمعيات، والتي تشرف على إقامة المهرجانات الدولية في لبنان، إلا في طرابلس.
ويوضح أن «جمعية طرابلس السياحية المناط بها تنظيم مهرجان طرابلس، لم تتمكن من الحصول على الدعم المادي لتنفيذ المهرجان، رغم تضمينه حفلات عالمية».
ويأسف تدمري لعدم حصول الجمعية على دعم وزارة السياحة، وعدم سعي الأخيرة لوضع طرابلس على خريطة المهرجانات. كما أن الجولات التي قامت بها الجمعية على الممولين، الذين كانوا يدعمون مثل هذه الأنشطة، لم تُفض إلى نتيجة.
هذا ما تتفرّد به
لا تنحصر الحركة السياحية بالمهرجانات المحددة في أيام معدودة، بل بالاعتماد أساساً على استقطاب السياح من لبنانيين وأجانب.
وهنا، يلفت تدمري إلى معضلة أخرى، تكمن في التعتيم على طرابلس إعلامياً، وتسليط الضوء فقط على حوادث اجتماعية تحصل في كل لبنان، لكنها تأخذ أبعاداً كبرى حين تحصل في عاصمة الشمال.
وبالرغم من هذا التعتيم، تشهد المدينة حركة سياحية نشطة، ومن يزور أسواقها وصروحها التاريخية سيُفاجأ بأعداد السياح الأجانب، فهذه المدينة بطابعها الشرقي وآثارها الإسلامية وعراقتها الضاربة في التاريخ تجذب بالدرجة الأولى هواة السياحة الثقافية والدينية والتراثية، وهذا ما تتفرد به طرابلس عن باقي المناطق اللبنانية، حيث تنتشر سياحة الآثار الأركيولوجية في بعلبك وجبيل مثلا، أو السياحة الترفيهية في المصايف اللبنانية، التي تجتذب السياح العرب، للاستفادة من الطبيعة والمناخ الجميل. وهناك «معرض رشيد كرامي الدولي»، الذي أُدرج على لائحة التراث العالمي لليونيسكو هذا العام، باعتباره معلماً معمارياً معاصراً، إضافة إلى تسجيله على لائحة المباني المهددة بالخطر، للفت النظر إلى أهمية ترميمه وتطويره وإعادة استخدامه.
إطعام المحتاجين مستمر
بعد استفحال الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية، وبسبب تزايد عدد المحتاجين إلى لقمة العيش، نشطت في طرابلس جمعيات كثيرة، معظمها ممول من مغتربين، لإطعام المحتاجين. اليوم، خَفَت نشاط هذه الجمعيات في كل لبنان، لكنه مستمر بالزخم نفسه في طرابلس.
ومنذ تأسيسها قبل أربع سنوات، تواصل جمعية «وجبات الخير» توزيع وجبات الطعام على فقراء المدينة.
ويقول سامر كساب المسؤول عن الجمعية إن «نحو 5 آلاف وجبة يتم توزيعها يومياً. والمعيار الأساسي للتوزيع أن تصل هذه الوجبات لمن يستحقها، وفق قائمة دقيقة بالأسماء، تم تبنّيها، بعد استطلاع ميداني على المنازل. وخلال هذه الزيارات اكتشفنا أن بعض الأسر حُرِمت من تناول اللحوم منذ ستة أشهر، بسبب عدم القدرة على شرائها».
مدينة تاريخية متكاملة
1 – طرابلس متحف حيّ منذ 700 عام.. وتختزن أكبر عدد من الآثار في لبنان
2 – كانت العاصمة الثانية للماليك بعد القاهرة.. والأولى من حيث تكامل عمرانها
3 – ركن أساسي للسياحة الثقافية والدينية بمساجدها وكنائسها وحمّاماتها القديمة
4 – موقعها بين سفح ووادي جبال قاديشا يجعلها تنفرد عن باقي مدن لبنان
5 – طرابلس مدينة الكرم والمطبخ الغني بالأطايب والحلويات وأسعارها أرخص