الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله كان أعلن أن لا رغبة في طرح أي تعديلات دستورية أو تغيير في النظام، معتبراً أنّ فرنجية «ضمانته» على غرار الرئيسين السابقين إميل لحود وميشال عون. ولا يبدو أنّ تهديد اللجنة الخماسية بـ»إجراءات» ضدّ الذين يعرقلون انتخاب رئيس أرخى ترجمات عملية فورية لدى «الثنائي».
إزاء ذلك، وبعد ما يقارب التسعة أشهر على الفراغ الرئاسي، هل تصبح المعادلة: «ضمانات» للمسيحيين مقابل انتخاب مرشح «الضمانة» لـ»الثنائي الشيعي»؟ وهل يُرخي الفراغ مترافقاً مع اهتزازات اقتصادية تلوح في الأفق مع اقتراب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، وما قد يستتبعها من خضات، «الخوف» لدى المسيحيين بمختلف تنوعاتهم السياسية وكتلهم النيابية، فيرضخون لمعادلة تحصيل ما يُمكن تحصيله بدلاً من وقوع الهيكل برمّته؟
البعض يرى أنّ على المسيحيين ولوج غمار الحوار، وفرض «المقايضة» التي تناسبهم، لكي يحصلوا على ضمانات أساسية و»تغييرية» و»إصلاحية» و»وجودية» مقابل انتخاب فرنجية، ومنها اللامركزية الإدارية الموسّعة. وكان لافتاً قول عضو تكتل «لبنان القوي» النائب أسعد درغام في حوار تلفزيوني خلال هذا الأسبوع: «أعطونا ضمانات ببناء الدولة، وبعدها ليس لدينا مشكلة مع أي اسم»، مشيراً إلى أنّ هناك «ملفات عدة يجب الاتفاق عليها مع «حزب الله»، ومنها الصندوق السيادي واللامركزية الإدارية». فهل يسير رئيس «التيار» جبران باسيل بهذه المعادلة خصوصاً إذا كان البديل انتخاب قائد الجيش رئيساً، فيختار باسيل كأس انتخاب فرنجية الأقل مرارةً من كأس انتخاب العماد جوزاف عون؟
حتى الآن، لا خرق رئاسياً جدّياً عبر الحوار بين «الحزب» وباسيل. ولا يزال موقف الأخير حاسماً لجهة عدم السير بخيار فرنجية، مع العلم أنّ المعارضة إذا استمرّت في المعركة الرئاسية وقاطعت أي جلسة قد تنتج انتخاب فرنجية رئيساً، لن يتمكّن «الثنائي» مع «التيار» من تأمين النصاب اللازم لهذه الجلسة.
ولا يظهر أنّ باسيل في وارد «المقايضة» على اسم فرنجية، فهو لم يحفظ «خط الرجعة»، ويعارض انتخابه بشدة، فضلاً عن أنّ انتخاب مرشح «الثنائي» يشكّل مقتلاً سياسياً له، بحسب جهات مطّلعة، إذ إنّه يشكّل ثلاثة مخاطر على «التيار»:
الأول، إحياء تركيبة التسعينيات من القرن الماضي.
الثاني، إعادة إحياء التقليد المسيحي الذي «يأكل من صحنه».
الثالث، الدولة العميقة بتعييناتها وواقعها والمدرسة نفسها بالعمل نفسه.
هذا فضلاً عن أنّ باسيل الأدرى بأنّ تجربة «الضمانات» أو التسويات لا تعمّر أكثر من 6 أشهر من أي عهد رئاسي. كذلك هو الأدرى بأنّ «الحزب» ليس قادراً على أن يحميه سياسياً وفي الدولة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، فـ»الحزب» لم يتمكّن من حماية عون حليفه الأساس من بري ولم يتمكّن من حماية المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم من قرار بري بعدم التمديد أو التجديد له. ويعلم باسيل أنّ بري أقوى من «الحزب» على مستوى الهندسات داخل الدولة.
إلى ذلك، لا تزال معادلة باسيل حتى الآن: تخلّي «الحزب» عن فرنجية لكي يتراجع عن دعم مرشح التقاطع مع المعارضة الوزير الأسبق جهاد أزعور، للاتفاق على مرشح ثالث.
في المقابل ترى جهات عدة أنّ هذا الطرح «فخّ» لا يجب أن يقع فيه المسيحيون. وتقول مصادر مسيحية معارضة: «إنّ منطق المقايضة مرفوض، فضلاً عن أنّ وضع يد الفريق الآخر على رئاسة الجمهورية مرفوض أساساً».
وتقول مصادر حزب «القوات اللبنانية»: «إذا كانت مقايضة رئاسة الجمهورية برئاسة الحكومة مرفوضة فكيف بالحري مقايضة الرئاسة باللامركزية والصندوق السيادي. وذلك انطلاقاً من أنّ اللامركزية منصوص عليها في الدستور وهي حق لجميع اللبنانيين لم يُطبّق منذ عام 1990، ومن يتحمّل مسؤولية عدم تطبيقها هو النظام السوري ومشتقاته ومن ضمنها «حزب الله» كفرع أخير منذ عام 2005. وبالتالي، يجب أن تُطبّق اللامركزية من دون منّة من أحد ومن البديهي أن يُنشأ الصندوق السيادي ومن يرفض انشاءه يتحمّل تبعات ذلك».
المقايضة بحسب جهات مسيحية عدة، تكون بتسمية رئيس مجلس النواب الشيعي مقابل رئيس الجمهورية الماروني، على سبيل المثال. أمّا اللامركزية والصندوق السيادي فليسا تنازلاً من فريق لآخر أو مقايضة بين فريقين، بل بديهيات غير قابلة للمساومة ومقايضتها ستكون مدمّرة للمسيحيين وتعني الرضوخ لأجندة الفريق الآخر.
بالنسبة إلى المعارضة ولا سيما منها المسيحية، الموقف لا يزال: لا حوار لأنّ «الثنائي» ليس من يفرض أجندة الحوار، ولا رئيس ممانع فليس «الثنائي» من يفرض مرشحاً ممانعاً. وحتى لو استمرّ الشغور لسنوات، فإنّ أي تسوية ستقبل بها هذه المعارضة، ستكون على قاعدة تنازلات متبادلة ووصول الجميع إلى اسم مشترك ضمن القاعدة التوافقية، وليس مقايضة على «حق مقدّس». وتؤكد المعارضة المسيحية أنّها مستمرّة في هذه المواجهة مهما تمسّك «الثنائي» بفرنجية.