غير أن ما سمعه لودريان من قوى المعارضة وخصوصاً من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل حول التجارب الفاشلة والمريرة للحوارات السابقة وعدم الالتزام بمضمونها، جعله يبتعد عن التموضع خلف مبادرة بري إظهاراً لحيادية بلاده وليستبدل تعبير «حوار» بـ «نقاش» أو «تشاور» أو «طاولة عمل» تفادياً لأي فشل مماثل بعد الفشل الفرنسي في تسويق المقايضة بين موقعي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة لتكون الرئاسة الأولى من حصة الثنائي الشيعي بانتخاب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ولتكون الرئاسة الثالثة من حصة المعارضة بتسمية السفير نواف سلام.
أكثر من ذلك، ألمح لودريان إلى طي صفحة المرشح سليمان فرنجية والمرشح جهاد أزعور بعدما آلت إليه جلسة 14 حزيران/يونيو وعدم قدرة أي من المرشحين على نيل الأغلبية النيابية، ما يفتح الباب أمام خيار ثالث قد يكون في طليعته قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يعارضه التيار الوطني الحر ويطلب منه حزب الله ضمانات حول «حماية ظهر المقاومة» ثم هناك الوزير السابق زياد بارود الذي يشكل تقاطعاً بين بعض الكتل النيابية والنائب نعمة افرام الذي يحظى بدعم بعض النواب السنّة في «اللقاء النيابي المستقل» إضافة إلى إسم السفير السابق في الفاتيكان جورج خوري الذي سبق أن شغل منصب مدير المخابرات في الجيش اللبناني.
وفي انتظار عودة لودريان أواخر شهر ايلول/سبتمبر كما تردّد لم تتراجع القوى السياسية عن مواقفها بل بقيت متمترسة خلفها، وتظهّرت محاولة لتجميع مؤيدين لدعوة بري للحوار لمنح الثنائي الشيعي أحد مطالبه بحوار بمن حضر في مقابل الحصول على ضمانات بعقد جلسة انتخاب مفتوحة حتى صدور الدخان الأبيض. وهنا برزت مفارقة بين رئيس مجلس النواب وبين كل من القوات والكتائب اللذين يشكّكان بتعهد بري عقد «جلسات متتالية» ويعترضان عليها، لأنها تعني عقد أكثر من جلسة وختمها مع احتمال تكرار سيناريو تطيير النصاب، وطالبت القوات والكتائب بعقد «جلسة واحدة مفتوحة» حتى انتخاب الرئيس من دون ختمها وتلاوة المحضر.
واعتبرت مصادر في المعارضة أن «البعض حاول إيهام اللبنانيين بتطابق وجهات النظر بينه وبين لودريان وبأن حل الأزمة الرئاسية لن يكون سوى عن طريق الحوار ثم الحوار ثم الحوار، ولكن لسوء طالعه أنهى الموفد الفرنسي زيارته من دون حوار، فراح يُحصي انتكاساته التي تعد ولا تحصى بدءًا بإعلانه أن الرياض تدعم مبادرة باريس وصولاً إلى أن مرشحه يحظى بدعم الخارج والداخل وأصبح الرئيس بانتظار التنفيذ».
واعتبرت المصادر «أن صلابة موقف المعارضة أسقط المقايضة وسيقفل طريق قصر بعبدا أمام مرشح الممانعة وسيمنع الانقلاب على الدستور، وما الكلام عن مبادرة جديدة تنطلق من التوازن السياسي القائم ولا تسلِم بالأمر الواقع المسلح خلافًا للمبادرة السابقة إلا ترجمة لرفض تسليم القصر للممانعة ولإبقاء الدولة مخطوفة من فريق يتباهى بسلاحه وبعدم قدرة الآخرين على تغيير المعادلات».
أما لقاء النواب السنّة في دارة السفير السعودي وليد البخاري بحضور الموفد الفرنسي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان فحمل رسالة سعودية واضحة لجهة رفض تكريس أعراف وآلية لانتخاب الرئيس من خارج اتفاق الطائف. وإن هذا الاجتماع الذي شارك فيه 22 نائباً سنياً من شأنه ترجيح كفة مرشح على آخر ويجعل من النواب الذين يدورون في فلك السعودية بيضة قبّان في أي جلسة انتخاب بعدما خلّفته الانتخابات النيابية الأخيرة من توزّع للنواب السنة بين ممانع وتغييري ووسطي إثر تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي، وبعدما عمد العديد من النواب السنّة على الاقتراع بورقة «لبنان الجديد» تعبيراً عن رغبتهم في الابتعاد عن الاصطفاف السياسي وراء هذا المرشح أو ذاك.
وكان لافتاً توجّه العديد من النواب السنّة بإستثناء النواب وضاح الصادق وياسين ياسين وفؤاد مخزومي وأشرف ريفي إلى تأييد دعوة رئيس مجلس النواب إلى الحوار بعد زيارتهم عين التينة وقبل دخول السفارة السعودية على الخط وعقد الاجتماع في دارة البخاري بحضور لودريان ترجمة للتنسيق والتعاون الذي حصل في باريس مع المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، حيث لدى المملكة هواجس بأن تتجاوز طاولة الحوار موضوع الانتخابات الرئاسية للبحث في طروحات تطال النظام وتتعارض مع اتفاق الطائف. وفي اعتقاد البعض أن الحوار الذي يركّز عليه الثنائي الشيعي هدفه اصطياد بعض الأصوات المترددة وخصوصاً بين النواب السنة في «تكتل الاعتدال الوطني» و«اللقاء النيابي المستقل» خلافاً لما هو موقف «اللقاء الديمقراطي» الذي وعلى الرغم من تأييده الحوار وتبنيه وجهة نظر الرئيس بري وليس وجهة نظر القوات اللبنانية حسب قول النائب السابق وليد جنبلاط، لا يتجه للتصويت لفرنجية، ما يعني أن الحوار في حال حصوله بمن حضر لن يغيّر كثيراً في المعادلات على عكس ما يعتقده حزب الله وحلفاؤه.