صدى الارز

مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

“ريفييرا” الشرق الأوسط… تدخل لبنان في الاختبار الصعب

بقلم : طوني بولس - يخشى اللبنانيون تداعيات خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتعلقة بقطاع غزة، خصوصاً في ما يتعلق بإمكان تدفق موجة جديدة من اللاجئين الفلسطينيين إلى بلدهم، مما قد يفاقم التوترات الطائفية والسياسية في بلد يعاني أصلاً هشاشة في تركيبته السكانية، إضافة إلى ذلك ينظر إلى هذه الخطة على أنها محاولة لتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار دول المنطقة، بما فيها لبنان، ويضعف من تماسكها الاجتماعي والسياسي.

يبدو أن مسلسل الأزمات في منطقة الشرق الأوسط لا يوشك على الانتهاء، إذ تتوالى ردود الفعل العربية والدولية منذ كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن تصور مفاجئ يلمح إلى “الاستيلاء على قطاع غزة” وتحويله إلى ما يشبه “الريفييرا” السياحية. في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، وصفها بعضهم بأنها “طوفان أقصى” جديد بنسخة إسرائيلية معاكسة، قد تؤدي إلى تفجير جديد في الشرق الأوسط، مع تأثيرات سلبية تتجاوز مصر والأردن لتطاول معظم دول المنطقة.
وفي وقت ينظر فيه إلى القضية الفلسطينية باعتبارها ملفاً معقداً أصيلاً في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي، يرى مراقبون أن خطة ترمب قد تمثل منعطفاً خطراً في مسيرة القضية بأسرها، إذ تنطوي على مزيد من التعقيد في منطقة تشهد توتراً أصلاً بسبب الأزمات المتعددة فيها. ويؤكد متابعون ومحللون أن مشروع ترمب، الذي يصفه بعضهم بـ”جرأة في غير محلها”، لا يحظى بقبول دولي ولا عربي، نظراً إلى تعارضه مع القانون الدولي والمبادئ الإنسانية. ولعل هذا الرفض بمثابة “استفتاء غير رسمي” على عدم مشروعية الخطة، لكن الخطر يبقى قائماً ما دامت القوى التي تطرح هذه المشاريع تمتلك إمكانات سياسية واقتصادية وعسكرية هائلة. أمام هذه التطورات المتسارعة، يرى متابعون أن خطة “ريفييرا” ليست سوى عنوان جديد لصراع تاريخي يطمح فيه الجانب الإسرائيلي إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية والسياسية في المنطقة، يهدد بتقويض القضية الفلسطينية، ويعرض استقرار دول كمصر والأردن ولبنان وسوريا للاهتزاز. وإن التحدي الأكبر يكمن في مدى قدرة الدول العربية على مقاومة الضغوط الأميركية والإسرائيلية، للحفاظ على مصالحها وأمنها القومي.

ذاكرة الحرب

ويعتبر لبنان من أكثر الدول تأثراً بالقضية الفلسطينية، إذ استضاف على مر العقود أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، وكان لهذا الوجود تأثير عميق في التركيبة السكانية والتوازنات الطائفية في البلاد، وأسهم في اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). وتحول لبنان خلال تلك الفترة إلى ساحة صراع دولية وإقليمية مرتبطة بالقضية الفلسطينية، مما أدى إلى زعزعة استقراره الداخلي.
وتحمل لبنان طوال السنوات اللاحقة وزر مشاريع إقليمية عنوانها “القضية الفلسطينية”، إذ نشأت في ظلالها تنظيمات مسلحة أبرزها “حزب الله”، وتراجع دور الدولة ومؤسساتها تحت وطأة الدعم الذي تلقته تلك المنظمات الداعمة للقضية.
وأمام الخطة المطروحة، تتعاظم المخاوف في لبنان من موجة لجوء فلسطيني جديدة، في ظل واقع سياسي واقتصادي صعب للغاية، وفي ظل تجربة تاريخية طويلة مع اللاجئين الفلسطينيين. هذا البلد الهش بطبيعته سياسياً وطائفياً يرى في أي خلل إضافي في تركيبته السكانية قنبلة موقوتة، كما أن الذاكرة الجماعية اللبنانية لا تزال تحمل ندوباً من حروب ومواجهات داخلية أسهم اللجوء الفلسطيني في تعقيد أبعادها، وإن لم يكن السبب الجوهري فيها، بالتالي فإن أي سيناريو محتمل لتوطين أعداد كبيرة من الفلسطينيين سيواجه على الأرجح بصلابة رسمية وشعبية من مختلف الأطياف اللبنانية.

تغييب القانون الدولي

ورأى الكاتب والصحافي هلال العبيدي أن “إعلان ترمب يشي بقدر كبير من القسوة والاستهانة بالقضية الفلسطينية، فضلاً عن تنكر للقرارات والمواثيق الأممية والدولية”. ووصف العبيدي هذه الخطوة بأنها “تضرب بعرض الحائط” كل مرجعية دولية سابقة، وتنذر بحالة من “تغييب القانون الدولي”. كما اعتبر أن هذا النهج الأميركي يستوجب موقفاً عربياً حازماً، ودعا إلى تحرك شعبي مواز للمواقف الرسمية، وبرأيه فإن “الصمت أو الاستجابة السلبية قد يشجع الولايات المتحدة وإسرائيل على المضي قدماً في تطبيق سياسات أكثر تطرفاً”.
ويكشف هذا الموقف للعبيدي عن “مدى الإحباط الذي يشعر به كثير من المراقبين حيال ما يرونه تبدلاً في السياسات الأميركية بخصوص القضية الفلسطينية، فالحديث عن “تحويل غزة إلى ريفييرا” يعد بالنسبة إلى بعضهم استخفافاً بحجم المعاناة التي يتجرعها نحو مليوني فلسطيني في القطاع المحاصر، كما يعد في نظر آخرين مخالفة للقواعد القانونية الدولية، في ظل كون غزة أرضاً تحت الاحتلال الفعلي أو في الأقل تحت حصار عسكري.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

“القنبلة الديموغرافية”

وفي هذا السياق يكشف مدير مركز تطوير للدراسات الاستراتيجية والتنمية البشرية والباحث الفلسطيني المقيم في لبنان هشام دبسي أن “ما طرحه ترمب ليس جديداً، بل هو وجه آخر لمشروع إسرائيلي قديم يهدف إلى توطين وتجنيس الفلسطينيين في الدول العربية، بغية حل مسألة اللاجئين وتفريغ فلسطين التاريخية من غالبية سكانها الفلسطينيين. ويلاحظ أن إسرائيل تنظر بقلق بالغ إلى ما سمته بـ’القنبلة الديموغرافية‘، إذ يقيم على أرض فلسطين التاريخية نحو 14 مليون نسمة، نصفهم فلسطينيون والنصف الآخر إسرائيليون، في حين تخشى إسرائيل تزايد أعداد الفلسطينيين على المدى الطويل، خصوصاً إذا امتد نفوذها ليشمل الضفة الغربية وقطاع غزة بصورة كاملة”.

ويضيف دبسي أن “هذا المشروع يتطلع إلى تهجير فلسطينيي غزة في مرحلة أولى، ثم تفكيك مخيمات اللاجئين في الضفة، التي يصل عددها إلى نحو 22 مخيماً. أما الخطوة التالية فتشمل التخلص من نحو 1.8 مليون فلسطيني من حملة الجنسية الإسرائيلية، ممن يطلق عليهم في الخطاب الرسمي الإسرائيلي ’عرب 48‘”. ويرى المتحدث ذاته أن الهجمات المستمرة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) تندرج ضمن مخطط طمس “الشاهد الدولي” على قضية اللاجئين، وتشويه أساس المطالبة بحق العودة أو التعويض وفقاً للقرار الدولي رقم 194.

في المقابل، يلفت دبسي إلى أن “إدارة ترمب ذهبت أبعد بكثير من الإدارات الأميركية السابقة في تماثلها مع اليمين الإسرائيلي المتطرف”، ويعزو ذلك إلى النفوذ المتنامي لما يسمى بـ”الصهيونية الدينية” في الولايات المتحدة، وهي من الأجنحة المحافظة التي دعمت ترمب خلال حملته الانتخابية. ويجزم دبسي بأن “هذا المشروع شديد الخطورة على الفلسطينيين والعرب، لا سيما أن تطبيقه يتطلب تفكيك بنى اجتماعية وديموغرافية قائمة منذ عقود، وقد يحول المنطقة برمتها إلى بؤرة صراع طويل الأمد”.

بين مصر والأردن

يرتبط مشروع تهجير الفلسطينيين ارتباطاً وثيقاً بمصالح مصر والأردن على السواء. ففي حين تطرح صحراء سيناء كموقع محتمل لإعادة توطين الفلسطينيين أو إقامة مشاريع إسكانية، سبق أن عبر مسؤولون مصريون عن رفض حاسم لذلك. وفي هذا السياق يؤكد دبسي أن “الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تنبه باكراً لأخطار هذا المخطط، وتحرك بدعم من الجيش والإدارة المصرية وجميع مؤسسات الدولة لإغلاق الحدود ومنع أية محاولة للتهجير القسري. ولعل هذا يفسر الضغوط التي واجهتها القاهرة أميركياً وأوروبياً في السنوات الماضية، لإقناعها بقبول مخططات من هذا القبيل”.

أما على الضفة الشرقية لنهر الأردن، فإن عمان تتصدر أيضاً قوائم القلق حيال أية محاولة لفرض التوطين على أرضها. إذ تعتبر إسرائيل منذ الخمسينيات أن “الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين”، وفق ما يوضح دبسي، “ما يعني أن أية موجة تهجير سترتب تداعيات عميقة على استقرار الأردن، وقد تعيد للأذهان أحداثاً تاريخية سابقة ارتبطت بوجود اللاجئين الفلسطينيين هناك”.

الخريطة الديموغرافية

يتخوف عدد من اللبنانيين من تكرار سيناريو زيادة أعداد اللاجئين على أراضيهم في حال نفذت خطة ترمب بتحويل قطاع غزة إلى منطقة سياحية وإجلاء سكانها، مما قد يدفع جزءاً من هؤلاء المهجرين إلى البحث عن ملاذ في لبنان. ومن شأن أي تغيير جديد في الخريطة الديموغرافية أن ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي والاجتماعي في بلد يعاني أصلاً أزمات داخلية متعددة، وانقسامات حادة تتجلى في نواح سياسية وطائفية واقتصادية.
من جهته تناول الكاتب السياسي علي حمادة خصوصية الوجود الفلسطيني في لبنان، مشيراً إلى أن “قرار ترمب في شأن إخراج الفلسطينيين من غزة بصورة موقتة (بحسب رأيه) لا ينعكس تأثيره مباشرة في الفلسطينيين داخل لبنان”. وبين حمادة أن “معظم الفلسطينيين المقيمين في لبنان يتحدرون من الضفة الغربية أو من مناطق فلسطينية داخل أراضي 1948، وليسوا من سكان غزة الذين يستهدفهم الإعلان الأميركي”.
وأوضح حمادة أن “أعداد الفلسطينيين في لبنان تراجعت في السنوات الأخيرة من 450 ألفاً إلى نحو 170 ألف فقط. يعود ذلك لأسباب متعددة، أبرزها الهجرة إلى دول أخرى، ككندا وأستراليا عبر برامج جمع الشمل”. كما لفت إلى أن “مشكلة الفلسطينيين في لبنان ليست ديموغرافية بقدر ما ترتبط بملف السلاح خارج المخيمات وداخلها، وتأثير ذلك في الأمن اللبناني، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تكبل الفلسطينيين في مخيمات مكتظة، مما يدفع كثيرين منهم إلى الرحيل”. لكنه في الوقت نفسه، يشدد على أن الخشية من التوطين ما زالت هاجساً حقيقياً، إذ إن منح الجنسية للفلسطينيين في لبنان يعني إدخال تغييرات جوهرية على الميزان الطائفي الهش. حتى الآن، لم تجر أية خطوة رسمية في اتجاه تجنيس الفلسطينيين، ويجمع أطياف المشهد السياسي اللبناني على رفض ذلك بصورة قاطعة”.

إدارة فلسطينية محايدة

وفي إطار الرد على خطة ترمب، ذكرت مصادر دبلوماسية مصرية أن مصر تعمل على تقديم خطة شاملة لإعادة إعمار القطاع من دون تهجير الفلسطينيين. تهدف هذه الخطة إلى إنقاذ الشرق الأوسط من كارثة حقيقية ومستنقع الحرب، وتقديم حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية.

وأوضح حمادة أن الخطة المصرية تتضمن إنشاء “مناطق آمنة” داخل غزة، إذ يمكن للفلسطينيين الإقامة موقتاً بينما تقوم شركات مصرية ودولية بإزالة الأنقاض وإعادة تأهيل البنية التحتية للقطاع. وتمتد عملية إعادة الإعمار على ثلاث مراحل تستغرق ما يصل إلى خمس سنوات، مع توفير منازل متنقلة وملاجئ خلال فترة “الإنعاش المبكر” التي تستمر ستة أشهر، ويتوقع أن توفر هذه الجهود عشرات الآلاف من فرص العمل لسكان غزة.

ولفت إلى أن مصر تسعى إلى تشكيل إدارة فلسطينية محايدة لإدارة القطاع، بعيداً من تأثير “حماس” أو السلطة الفلسطينية، إضافة إلى إنشاء قوة شرطة مكونة من ضباط سابقين في السلطة الفلسطينية، مدعومين بتدريب مصري ودولي. يأتي هذا التحرك المصري بالتنسيق مع دول عربية وأوروبية، إذ تجرى مناقشات مع السعودية وقطر والإمارات ودول أوروبية لبحث سبل تمويل إعادة الإعمار، بما في ذلك عقد مؤتمر دولي لهذا الغرض.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading