وذكرت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، أن 11 صحفيا أصيبوا بجروح وفقد ثلاثة وتم اعتقال 18 منهم.
أما الباحثة في “سكايز”، الصحفية وداد جربوع، فتؤكد لموقع “الحرة” أنه “في مؤسستنا ننعي كل يوم صحفيا أو مصوّرا فلسطينيا وأكثر في غزة، وقد تخطى عدد الصحفيين الذين قتلوا في القطاع الـ 60، منهم من كانوا يمارسون عملهم ومنهم من كانوا متواجدين في منازلهم لحظة استهدافهم”.
وخسر لبنان ثلاثة صحفيين وجرح عدد آخر، خلال تغطيتهم ما يدور على الحدود الجنوبية لبلدهم، بعدما قرر حزب الله مساندة حماس في الحرب التي تشنها إسرائيل عليها رداً على الهجوم الدموي الذي تعرضت له الدولة العبرية، في السابع من أكتوبر الماضي.
ويقصف حزب الله أهدافاً عسكرية إسرائيلية، فيما تردّ إسرائيل بقصف مناطق حدودية مستهدفة ما تصفه مراكز إطلاق الصواريخ وبنى تحتية عسكرية عائدة للحزب قرب الحدود.
يذكر أن عدد الصحفيين الذين تم قتلهم في جميع أنحاء العالم، ارتفع بشكل كبير في عام 2022، بعد انخفاض على مدى السنوات الثلاث الماضية، وفقا لمنظمة اليونسكو.
وأشارت اليونسكو في تقرير حرية التعبير 2021-2022 إلى مقتل 86 صحفياً في عام 2022، بمعدل صحفي واحد كل أربعة أيام، ارتفاعاً من 55 صحفيا قتلوا خلال عام 2021.
وكانت المكسيك أكثر الدول دموية للصحفيين على مستوى العالم، العام الماضي، “حيث قُتل 19 صحفيا، تليها أوكرانيا التي شهدت مقتل 10 صحفيين ثم هايتي التي قتل فيها تسعة صحفيين”، ما يعني أن الحرب في غزة كانت المسرح الأكثر دموية للصحفيين مقارنة بالنزاعات السابقة.
وارتفع عدد الصحفيين القتلى في البلدان التي تشهد نزاعات إلى 23، عام 2022، مقارنة بـ 20 في العام السابق، كانت الزيادة العالمية مدفوعة في المقام الأول بعمليات القتل في البلدان التي لا تشهد نزاعات. تضاعف هذا العدد تقريباً من 35 حالة، عام 2021، إلى 61، عام 2022، وهو يمثل ثلاثة أرباع جميع حالات القتل بين صفوف الصحفيين، العام الماضي.
وقالت الوكالة الأممية حينها، إن هذه النتائج تسلط الضوء على المخاطر الجسيمة وحالات الضعف التي لا يزال الصحفيون يواجهونها أثناء عملهم، مشيرة إلى أن ما يقرب من نصف الصحفيين القتلى استُهدفوا خارج أوقات العمل وتعرض البعض للهجوم أثناء السفر، أو في مواقف السيارات أو في أماكن عامة أخرى لم يؤدوا فيها أي عمل رسمي، بينما كان البعض الآخر في منازلهم لحظة مقتلهم.
وحذّر التقرير، من أن ذلك يعني أنه “لا توجد أماكن آمنة للصحفيين حتى في أوقات فراغهم”.
صعوبات الميدان في لبنان
وفي 14 من الشهر الجاري، سقط صاروخان على مقربة من الطواقم الإعلامية التي كانت متواجدة في بلدة يارون جنوب لبنان، كان من ضمنها مراسل قناة “mtv” اللبنانية، نخلة عضيمة، الذي أكد لموقع “الحرة” أنه لم يتم التوجه إلى البلدة إلا بعد التنسيق مع الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.
وأوضح “لذلك كنا مطمئنين، رغم علمنا أنه لا تتواجد ضوابط في المواجهات الجارية. سقط الصاروخ الأول، حينها قررت الظهور برسالة مباشرة لحين انتهاء الفرق المتواجدة في المكان من جمع معداتها والانطلاق، من دون أن أتوقع أن يسقط الصاروخ الثاني بعد أقل من ثلاث دقائق”.
وانضم عدد كبير من الصحفيين الأجانب لتغطية الأحداث في الجبهة الجنوبية، منهم مراسل “syria tv” في لبنان، أحمد القصير، الذي يواجه إضافة إلى خطورة الميدان رفضاً من بعض زملائه، كونه كما يقول: “مناهض معروف للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد” ويشرح “لم تفرض المؤسسة التي أعمل لصالحها عليّ أن أكون على مقربة من طوفان النار، لكن شغفي لهذه المهنة يدفعني إلى التواجد هناك، مع أخذ كافة الاحتياطات، كي لا أحترق بلهيب القنابل والصواريخ، فأنا والد لثلاثة أطفال أخشى عليهم أن يتيتّموا باكراً”.
ومن الصعوبات التي يواجهها بعض الصحفيين في الجنوب، كما يقول القصير لموقع “الحرة” “العثور على مسكن قريب من أماكن الأحداث، في وقت ارتفعت بدلات إيجار بعض الشقق المفروشة إلى 150 دولارا لليلة الواحدة، كما أن بعض المؤسسات الإعلامية لم تؤمّن ملابس واقية ذات جودة مقبولة لمراسليها، ومنهم من يرتدي سترات لا علاقة لها بالوقاية، رغم أن لا شيء يمكنه أن يقي من صاروخ إذا استهدفه مباشرة”.
أما الصعوبات الحقيقية التي يواجهها الصحفيون والمصوّرون اللبنانيون، كما يرى نقيب المصوّرين، علي علوش، “فتكمن بعدم حصول غالبيتهم على حقوقهم في ظل الأوضاع الطبيعية، فكيف في حالة الحرب المعلنة؟ حيث يكون المراسل في الميدان وتفكيره فيما إن كان سيعود سالماً إلى عائلته وما سيحل بأفرادها في حال مقتله، حيث لا تأمين على حياته ولا تأمين صحي عادي ولا تأمين خاص بالحروب المعلنة، ما يشكّل صعوبات نفسية له يمكن أن تدمّره أثناء قيامه بعمله”.
علوش الذي يغطي ما يدور على الحدود الجنوبية للبنان لصالح موقع “المدن”، يؤكد لموقع “الحرة” أن “بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى استغلت موظفيها لسنوات طويلة، وفي لحظة الحقيقة أي حين انهار اقتصاد البلد، توقفت عن دفع رواتبهم أو رفعها بما يتماشى مع غلاء المعيشة”.
“درع الحماية”
المراسلون في مرمى النيران، لذلك يجب أن يكونوا مؤهلين لنقل الصورة من الميدان، كما يقول عضيمة، “لكن للأسف بعض المتواجدين على الحدود لم يخضعوا للتدريب على تغطية النزاعات والحروب، يعتقدون أنها مهمة سهلة ويفرحون بالتقاط صور شخصية ونشرها على السوشيال ميديا”.
ومن الأمور التي على الإعلاميين والصحفيين معرفتها قبل التوجه لتغطية ما يدور على جبهات القتال، بحسب عضيمة “استكشاف المنطقة قبل دخولها، وطرق العودة ومخارج الهروب” ويشدد على أن “واجب الإعلامي تغطية الحدث من دون أن يرمي نفسه في النيران المشتعلة أو أن تغامر مؤسسته به حيث يتوجب عليها سحبه والطاقم الإعلامي من الميدان عندما تلمس خطراً محدقاً بهما”.
كذلك تشدد جربوع على أنه “من الضروري إخضاع الصحفيين العاملين في مناطق النزاع والحروب، إلى تدريبات تساعدهم على تطوير مهاراتهم والمحافظة على سلامتهم خلال تغطية الأحداث، وفي سكايز نقدّم مثل هذه الدورات مجاناً ليس فقط للصحفيين في لبنان، بل دول الجوار كذلك”.
التغطية الصحفية في مناطق النزاع لها أهميتها، بحسب جربوع، فهي “تساعد على توفير المعلومات الموثوقة ونقل الاعتداءات والتجاوزات، لكنها في نفس الوقت مهمة محفوفة بالمخاطر لها تحدياتها وشروطها نظراً لما يتطلبه الميدان”.
وعلى المؤسسات الاعلامية كما تقول الباحثة في “سكايز” “توفير معدات الحماية لطواقمها من سترات واقية وخوذ وغيرهما، إضافة إلى بوالص تأمين على الحياة، وبوالص تأمين صحي ودعم طبي خاصة بالحروب والتي توّفر العلاج للجرحى على مدى السنوات، كما عليها تأمين دعم نفسي للصحفيين وألا تفرض عليهم العمل في الأماكن الخطرة، أي ألا تخاطر بهم من أجل الوصول إلى معلومة”.
وتضيف “قبل كل شيء على الصحفي المحافظة على سلامته الشخصية وبالتالي تجنب المخاطر غير الضرورية لا سيما الابتعاد عن مناطق القصف، والتنسيق والتعاون مع الجيش اللبناني واليونيفيل لتسهيل عمله وضمان أمنه”.
حتى لو اتخذ الصحفي كل إجراءات الحماية قد يكون عرضة، بحسب جربوع، “للاستهداف والإصابة، لكن رغم ذلك عليه القيام بما يترتّب عليه”.
من جانبه، يرى علوش أن “إخضاع الصحفيين للتدريب على تغطية الحروب يجب أن يكون إلزامياً من قبل مؤسساتهم، فمن الخطأ الاستسهال بالميدان، والتحضيرات ينبغي أن تكون على قدر المواجهة، فأسمى ما يمكن أن يقدّمه الصحفي لنفسه خلال تغطية الحروب هو التواجد في مكان آمن، ومعرفة كيفية التصرف”.
انتهاك خطير
“شعرت اليونيفيل بالصدمة والحزن لدى تلقيها خبر استهداف مجموعة من الصحفيين في لبنان”، الثلاثاء، بحسب ما قاله الناطق الرسمي باسمها، أندريا تيننتي، معتبراً أن “الاستهداف المتعمد للصحفيين المدنيين يعد انتهاكاً للقانون الدولي، وقد يرقى إلى مستوى جرائم حرب”.
وأكد تيننتي رداً على سؤال لـ”الوكالة الوطنية للإعلام” أن “اليونيفيل تواصل حث كل الأطراف على احترام سلامة الصحفيين والمدنيين وتجنب ضرب المناطق التي قد يتعرضون فيها للأذى أو القتل”.
كذلك تشدد جربوع على أن “استهداف الصحفيين، يشكّل خرقاً لكل القرارات والمعاهدات الدولية التي نصت على تحييدهم وحمايتهم في مناطق النزاعات والحروب، وقتلهم بشكل متعمّد يرتقي إلى جرائم الحرب، أما عدم المحاسبة على هذه الجرائم فسيشرع الأبواب أمام المزيد من الجرائم المشابهة”.
من جانبه، أكد وزير الخارجية والمغتربين اللبناني، الدكتور عبد الله بو حبيب، أن لبنان سيتقدم بشكوى لمجلس الأمن الدولي، بعد مقتل مراسلة الميادين، فرح عمر، ومصوّر القناة، ربيع المعماري، بصاروخ أصابهما في بلدة طيرحرفا، وهي الشكوى الثانية التي يتقدم بها لبنان بعد مقتل مصوّر وكالة رويترز، عصام عبد الله، حين كان يمارس عمله في بلدة علما الشعب جنوب لبنان.
وأشار بو حبيب إلى أن “حريق غزة قد يتمدد إلى منطقة الشرق الأوسط في حال عدم تضافر الجهود لإطفائه”.
المسار القانوني “للعقاب”
يتمتّع الصحفيون بنفس الحماية التي يحظى بها المدنيون خلال النزاعات المسلحة، طالما أنهم لا يقومون بأي عمل عسكري، وذلك بحسب المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والمادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة، كما تؤكد المحامية، ديالا شحادة، لموقع “الحرة”.
استهداف الصحفيين في إطار النزاع المسلح هو بحسب شحادة “جريمة حرب، والمرجع المختص بالنظر في هذه الجرائم هو المحكمة الجنائية الدولية التي لا زمن محدد لاختصاصها، فهي تنظر في الجرائم الواقعة بعد عام 2002 ضد مجموعة من المدنيين في دولة إما برلمانها صادق على اتفاقية روما المنشأة لهذه المحكمة أو حكومتها أعلنت قبول اختصاصها أو أن مجلس الأمن أحال الملف إليها أو إذا كان أحد الأشخاص المتهمين يحمل جنسية دولة طرف في هذه المحكمة”.
ترفع البلاغات إلى المحكمة الجنائية الدولية عبر رسالة إلكترونية إلى مكتب الادعاء، لكن هذه البلاغات تقول شحادة “من دون قيمة إن لم يكن هناك اختصاص معقود أو يمكن أن يعقد من قبل المحكمة”.
كما يمكن تقديم شكوى كما تقول المحامية، أمام القضاء الوطني في الدول التي تعطي لقضائها اختصاص النظر في جرائم ذات طابع دولي، كبلجيكا وإسبانيا وبريطانيا.
لكن “هذه الدول تحدد الاختصاص بشروط، منها أن يكون الشخص المطلوب متواجدا أو مقيما على أراضيها أو أن المشتكي مواطن أو مقيم، لكن لا ضمانات لتنفيذ القرارات الصادرة عن هذه المحاكم إلا إذا كانت هناك اتفاقيات ثنائية مع الدولة التي يتواجد فيها الشخص المدعى عليه، في حين أن القرارات التي تصدر عن المحكمة الجنائية تلتزم فيها الدول الأطراف التي يصل عددها إلى 123 دولة، ومن هنا تنبع أهمية هذه المحكمة”.
وتشدد شحادة على أن “أهمية مذكرات التوقيف التي تصدر عن المحكمة الجنائية الدولية أنها لا تسقط بمرور الزمن، بل فقط في حال موت الشخص المطلوب أو إذا تمت محاكمته في محاكمة مستقلة ونزيهة في قضاء دولته بعد تأكد المحكمة الجنائية من ذلك ومن أنها تشمل نفس الجرائم والتهم الصادرة بحقه وبموجبها مذكرة التوقيف، وهو ما يجعل المحكمة الجنائية أقوى من أي محاكم وطنية وأحكامها تبقى كاللعنة التي تلاحق الشخص المطلوب حتى موته”.
“على الرغم من التقدم المحرز في السنوات الخمس الماضية”، فإن معدل الإفلات من العقاب على قتل الصحفيين لا يزال، بحسب اليونسكو، “مرتفعاً بشكل صادم” عند 86 في المئة.
وقالت المنظمة إن مكافحة الإفلات من العقاب تظل التزاماً ملحاً يجب تعزيز التعاون الدولي بشأنه.