لمحكمة أصدرت حكمها القاضي بالسجن المؤبد خمس مرات على ثلاثة أعضاء في “حزب الله” هم سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي. أما الرابع مصطفى بدر الدين وهو مسؤول عسكري مهم، فسقط الحكم عنه، إذ اعتبرت المحكمة أنه قتل عام 2016 في سوريا.
في السياسة “حزب الله” وراء اغتيال الحريري وإن ذكرت المحكمة الأسماء ولم تذكر الرأس المدبر، فعندما صدر القرار الاتهامي بحق المتهمين الأربعة عام 2011 قال حسن نصرالله، القائد الأعلى للمتهمين، “لن يكون في الإمكان توقيف المتهمين لا في 30 يوماً أو 60 يوماً أو 30 عاماً أو 300 عام”.
وقبل هذا الموقف، وفي أغسطس (آب) 2010 قال “لديّ معطيات ومؤشرات وشيء يساعد على هذا الصعيد، أنا اليوم أقول لكم نحن نتهم العدو الإسرائيلي باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري”، ووصف الحريري في هذا السياق بـ”الشهيد” لا يبدو مقنعاً، بدليل سيل الشتائم والتهديدات التي لم يتوقف “حزب الله” وحلفاؤه عن رميها إلا بعد مقتله.
يذكر اللبنانيون جيداً ما قاله طلال أرسلان قبل أيام من الاغتيال عندما وصف رفيق الحريري بـ”بركيل قريطم”، والبركيل نوع من الأفاعي وقريطم الحي البيروتي الذي كان يسكنه المغدور.
في المحصلة، كانت وظيفة المحكمة جلب قتلة الحريري إلى قفص العدالة، لكنها كانت السبب، بين أسباب أخرى، وراء سلسلة اغتيالات، إذ حاول “حزب الله” جاهداً وبالوسائل شتى منع تشكيل تلك المحكمة، ثم حاول عرقلة أعمالها بعد تشكيلها، وشل الحركة في قلب العاصمة بيروت، وضغط سياسياً داخل الحكومات التي تلت الاغتيال، وجاء وقت لم يجرؤ عدد كبير من النواب والشخصيات المعارضة على التجول، وبما يشبه الإقامة الجبرية اعتصموا إما في الفنادق أو في بيوتهم أو في أماكن سرية.
بين 2005 و2013 اغتيلت 11 شخصية معارضة لـ”حزب الله”، آخرها محمد شطح الذي حمل قتله دلالة لافتة، إذ حصل قبل نحو أسبوعين من انطلاق محاكمات “المحكمة الخاصة” في 2013.
للعلم كتب شطح في آخر تغريدة قبل قتله “حزب الله يهول ويضغط ليصل إلى ما كان النظام السوري فرضه لمدة 15 عاماً، أي تخلي الدولة له عن دورها وقرارها السيادي في الأمن والسياسة الخارجية”. كلمات كأنها كتبت اليوم.
كل محاولات رفيق الحريري لإيجاد تسوية مع “حزب الله” لم تنجِّه من القتل، فعام 1996 لعب دوراً محورياً في ما عرف بـ”تفاهم نيسان” الذي أعقب عملية “عناقيد الغضب” التي شنتها إسرائيل ضد “حزب الله”.
وبعد نحو 1100 غارة ومقتل أكثر من 100 لبناني ودمار كبير لحق بالبنية التحتية، توصل الحريري وصديقه الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك وبدعم من السفير السعودي لدى واشنطن الأمير بندر بن سلطان، وبضوء أخضر من رئيس النظام السوري حافظ الأسد، إلى صيغة تجنب المدنيين شر أي قتال.
شكر “حزب الله” جهود الحريري آنذاك، ولاحقاً قال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، “نعتبر أن تفاهم نيسان أوصلنا إلى حال من الاعتراف الإسرائيلي والدولي بأن المقاومة عمل مشروع”.
وقبل اغتياله وصل عدد الجلسات السرية بين الحريري ونصرالله إلى أكثر من 20 جلسة، آخرها كانت قبل أيام من اغتياله. إن العودة لهذه الوقائع تطرح السؤال في شأن جدوى أي حوار مع “حزب الله” لتنفيذ القرار 1701، والأهم من هذا السؤال المخاوف التي ستلحق بلبنان بعد المطالبة المحلية والدولية بضرورة تنفيذ هذا القرار الأممي لتجنيب لبنان عدواناً إسرائيلياً يلوح في الأفق.
المحكمة الأممية بدلاً من أن تردع القتلة تسببت بزيادة عدد المقتولين، فكيف سيرد “حزب الله” على القرار 1701 في الداخل اللبناني؟ باغتيالات جديدة؟ بتشديد قبضته أكثر على المؤسسات الشرعية؟
أكثر الاحتمالات تفاؤلاً أن ينحني موقتاً أمام العاصفة. لا يبشر عام 2024 بالخير عندما يكون أقصى حد للتفاؤل بقاء الوضع على ما هو عليه.