رغم أن أكثر من نصف عدد السكان بات تحت خط الفقر بسبب التدهور الاقتصادي التاريخي الذي تعيشه البلاد، كشفت إحصائية جديدة أن “اللبنانيين هم أكثر الشعوب في العالم إنفاقا للسجائر الفاخرة”.
وبالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة التبغ، الذي صادف 31 مايو، نشرت شركة “ستاستا” المتخصصة في خدمات البيانات إحصائية تفيد بأن الفرد اللبناني أنفق ما يصل إلى 37 دولارا، خلال عام 2022، لشراء السيجار الفاخر.
ويتصدر لبنان القائمة، التي تضم دولا ثرية مثل الولايات المتحدة وقطر ولوكسمبورغ وآيسلندا وسويسرا والمملكة المتحدة والبحرين وهولندا وفنلندا على التوالي.
وأثارت هذه الأرقام تساؤلات بشأن قدرة المواطن اللبناني على شراء سيجار فاخر في ظل الأزمة التي جعلته معظم الشعب يكافح لشراء احتياجاته الأساسية.
ويرى محللون أن الإحصائية لا تعكس بالضرورة قدرة اللبنانيين على شراء السلع المرتبطة بالرفاهية وأن هذا الإنفاق قد يأتي من “الطبقة المرفهة”.
“الأغنياء الجدد”
وقال أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية في بيروت، جهاد الحكيم، إن من يشتري السيجار هم من “الأوليغارشية والأغنياء الجدد” الذين استفادوا من الانهيار الاقتصادي، وفق وصفه.
وأضاف في حديثه لموقع “الحرة” أن “الأكيد أن (عامة) الشعب لا يشتري السيجار”، مضيفا أن المحال التجارية غالبا لا توفر هذا النوع من التبغ نظرا للأوضاع المعيشية للمواطنين اللبنانيين الذين يكافحون من أجل قوت يومهم.
ويشهد لبنان، منذ 2019، انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي بأنه من بين الأسوأ في العالم. وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 98 في المئة من قيمتها، وبات غالبية السكان تحت خط الفقر مع قيود مصرفية مشددة وأزمة سيولة حادة، بحسب فرانس برس.
بالنسبة إلى الإحصائية التي وضعت لبنان على رأس قائمتها، احتسبت الأرقام كنسبة وتناسب بين المجموع الكلي لما تم إنفاقه على السيجار في الدولة وعدد سكانها.
في الاتجاه ذاته، قالت الأكاديمية اللبنانية وخبيرة الاقتصاد السياسي، زينة منصور، إن ظاهرة الإنفاق على استيراد السيجار في لبنان إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن هناك شريحة من اللبنانيين مازالوا يعيشون في رفاهية.
وفي حديثها لموقع “الحرة”، قالت منصور إن هذه الشريحة “قد تكون فاسدة”، وليست بالضرورة تمثل عموم اللبنانيين الذين فقدوا ودائعهم وباتوا يعانون من الفقر بعد أن صار 80 في المئة من السكان يعيش بـ 3 دولارات يوميا، وفق وصفها.
وأضافت أن “الشريحة المستهلكة للسيجار الفارخر والسلع المرتبطة بالرفاهية قد تكون استفادت من عملية تهريب الودائع الموجودة بالمصارف”، لافتة إلى أن عموم اللبنانيين صاروا عاجزين عن تأمين التكاليف الأساسية للمعيشة.
ومع بدء ظهور ملامح الانهيار الاقتصادي وانطلاق تظاهرات شعبية غير مسبوقة، في أكتوبر 2019، ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد، اتهم محللون ومراقبون، سياسيين ومسؤولين، بتحويل مبالغ ضخمة من حساباتهم إلى الخارج في حين يعجز المواطنون عن الوصول لمدخراتهم في المصارف المحلية.
ويشير الحكيم إلى وجود خلل في التركيبة الاجتماعية في المجتمع اللبناني، قائلا إن “الطبقة السياسية التي وضعت يدها على الممتلكات العامة وعلى ودائع الناس هي ذاتها تشتري (السيجار) سواء للاستهلاك الشخصي أو لإغداقه كهدايا من أجل تسيير أمورهم”.
ويرتبط السيجار دائما بمظاهر الترف، ولاسيما ذلك المصنوع في كوبا الذي يصنف على أنه الأفضل عالميا، حيث يشتهر هذا النوع من التبغ بأنه سلعة للأثرياء.
وهناك عامل آخر يتمثل في الاقتصاد النقدي الذي يعد أرضا خصبة لغسل الأموال وقد يكون كثير من هذه الأموال المبيضة يذهب لشراء السيجار وبقية السلع الفاخرة، حسبما ذكرت منصور.
“السلوك تغير”
وفي هذا السياق، قال الحكيم إن سلوك اللبنانيين تغير بعد الانهيار الاقتصادي الذي جعل المواطن ينفق ما لديه من مال بدلا من إدخاره وذلك بسبب تبخر ودائع كثير من الناس.
وتابع: “لدينا اقتصاد نقدي وهنا لا يوجد إدخار كثير، فما أن يأت المال بكميات كبيرة، ينفق على عقارات وسيارات وسيجار … الناس توقفت عن الإدخار وصارت تتهافت للإنفاق”.
وفي الشهر الماضي، حذر البنك الدولي في تقرير له من تنامي اقتصاد نقدي بالدولار في لبنان بعدما بات يقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي ويُهدد السياسة المالية ويزيد من عمليات غسل الأموال والتهرب الضريبي.
ويقدر “الاقتصاد النقدي المدولر”، وفق التقرير، “بنحو 9.9 مليارات دولار أو 45.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي”، ما يعكس “تحولا سريعا نحو المعاملات النقدية بالعملات الصعبة في أعقاب فقدان كامل للثقة بالقطاع المصرفي الضعيف وبالعملة المحلية”.
في سياق آخر، شددت منصور على أهمية سن تشريعات إضافية ترفع من الضرائب على الأمور المتصلة بالرفاهية ومنها السيجار.
وتابعت: “كان يتوجب على الدولة اللبنانية أن تسن تشريعات ترفع الضرائب ضريبية والرسوم الجمركية على السلع الفارهة ومنها السيجار حتى تعود لمصلحة الخزينة لعادمة لتمويل القطاع الطبي”.
وقالت إن الفاتورة الصحية الناتجة عن التدخين مرتفعة بعد انتشار أمراض السرطان التي لا تستطيع وزارة الصحة أو الضمان الاجتماعي تغطيتها.