تستمر الأزمة الرئاسية في لبنان وما ينتج عنها من فراغ، في تعميق التداعيات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، حيث فشل البرلمان اللبناني هذا الأسبوع وللجلسة الثانية عشرة على التوالي، في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ليشغل المنصب الأعلى في البلاد، الذي أصبح شاغرا منذ بداية نوفمبر 2022.
وجاء مسار الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس في لبنان، مطابقاً للجلسات الـ 11 السابقة، فلم ينجح أي مرشح من المرشحين، وهما جهاد أزعور وسليمان فرنجية، في حصد الأصوات اللازمة للفوز من دورة الانتخاب الأولى، في حين فُقد النصاب المطلوب لانعقاد الدورة الثانية من الانتخابات، وذلك مع انسحاب عدد من النواب من الجلسة.
معضلة الاستحقاق الرئاسي
وقد تحوّل الاستحقاق الرئاسي في لبنان إلى معضلة، تنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي المتأزم في البلاد، فحالة الفراغ التي تُهيمن على الساحة السياسية منذ أشهر، شكلت عاملاً رئيساً في تراجع الثقة في البلاد، وتدهور الأوضاع المالية والنقدية، وأدت إلى عدم الانتظام في تسيير أمور الدولة، فخلو منصب رئاسة الجمهورية، يحد من قدرة الحكومة الموجودة حالياً، في إجراء تعيينات في المناصب الحساسة التي تصبح شاغرة، مثل منصب حاكم مصرف لبنان المركزي الذي سيصبح شاغراً في نهاية يوليو 2023.
لبنان بين البلدان ذات نقاط جوع ساخن
وبحسب أرقام البنك الدولي المحدّثة للأمن الغذائي، فقد سجّل لبنان أعلى نسبة تضخّم إسميّة في أسعار الغذاء حول العالم، بلغت 350 في المئة للفترة الممتدّة بين أبريل 2022 وأبريل 2023، في حين أضاف تقرير أعده برنامج الغذاء العالمي ومنظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتّحدة، لبنان إلى لائحة البلدان ذات نقاط جوع ساخنة في العام 2023، والتي قد تواجه تدهورا شديدا في مستوى انعدام الأمن الغذائي.
الليرة تخسر 99 في المئة من قيمتها
وقد ذكر التقرير أنّ الليرة اللبنانيّة قد خسرت أكثر من 99 في المئة، من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، في السوق الموازي منذ بدء الأزمة الاقتصادية في 2019، مشيراً إلى أن عدم التوافق السياسي في البلاد، لا يزال يشكّل عائقاً بارزاً لإنهاء الأزمة، إذ يقلل الجمود الحالي، من احتمالية عقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.
دين لبنان 102 مليار دولار
وفي هذا الوقت أظهرت إحصاءات جمعيّة المصارف في لبنان، ارتفاع الدين العامّ الإجمالي للبنان، بنحو 3.16 مليارات دولار أميركي على صعيد سنوي، ليسجل مستوى 102.47 مليار دولار أميركي في يناير 2023.
الدولار بمئات آلاف الليرات
ويقول الكاتب والمحلل السياسي والاقتصادي أحمد عياش في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه لا يختلف اثنان في لبنان على أن فشل البرلمان في انتخاب رئيس للجمهورية، وخصوصاً في الجلسة التي حملت الرقم 12 سيكون له تأثير سلبي، على جميع المستويات ومنها المستوى الاقتصادي، مشيراً إلى وجود توقعات بأن يفقد سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، حالة الاستقرار الهشة التي يعيشها، ليقفز مئات آلاف من الليرات مقابل الدولار الواحد وهي كارثة لا يمكن لأحد تحملها.
المتضرر الأبرز
وبحسب عياش، فإن سعر صرف العملة اللبنانية الذي يستقر منذ فترة قرب 94 ألف ليرة للدولار الواحد، قد يكون المتضرر الأبرز من الذي حصل، فالفشل المزمن في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، سيدفع ربما باللبنانيين إلى قعر أزمات لم يعرفوها من قبل، لافتاً إلى أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يمكن أن يتحول إلى عنصر من الاستقرار الذي يحفز الثقة في الاقتصاد، ويجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية، ويساعد على تنفيذ القرارات الضرورية لمكافحة الأزمة المالية وإيجاد الحلول لها.
ارتباط وثيق بين السياسة والاقتصاد
ويجدد عياش تأكيده على أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين السياسة والاقتصاد في لبنان، قائلاً إنه لو افترضنا أن المرشح للرئاسة جهاد أزعور، الذي يشغل منصباً رفيعاً في صندوق النقد الدولي تم انتخابه رئيساً للبنان، فإنه سيكون لذلك تأثير كبير على الاقتصاد، وسيؤدي حتماً إلى فتح المسارات المغلقة بين لبنان والعالم الاقتصادي الدولي وأيضاً العربي، داعياً إلى ترقب ماذا سيحصل فيما لو تمادت أزمة الانتخابات الرئاسية اللبنانية.
اختفاء 60 في المئة من حجم الاقتصاد
من جهته، يقول مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق ليمسLIMS د. باتريك مارديني، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن لبنان يمر بأزمة اقتصادية حادة منذ 4 سنوات، ما تسبب في انخفاض الناتج المحلي للبلاد من نحو 54 مليار دولار إلى ما دون 20 مليار دولار، ما يعني اختفاء 60 في المئة من حجم الاقتصاد، وسط تخلف الدولة عن دفع ديونها، وفي ظل أزمات في قطاع الكهرباء والاتصالات، ولأجل ذلك يأمل اللبنانيون أن تشكل الانتخابات الرئاسية، بداية صفحة جديدة تضع البلاد على طريق التعافي.
ضغوط على سعر الصرف
واعتبر مارديني أن فشل انتخاب رئيس للبنان، يؤثر على المدى القريب عبر ضغوط أكبر على سعر صرف الليرة التي تعيش اليوم استقراراً، بسبب التدخل الذي يقوم به البنك المركزي عبر ضخ الدولارات في الأسواق، من خلال منصة “صيرفة”، أما على المدى الطويل فإن التأخر في انتخاب رئيس، يعني التأخر في إنجاز لبنان لتعهداته تجاه صندوق النقد الدولي، في ظل حكومة تصريف أعمال لا يمكنها أن تتخذ قرارات خارج نطاقها وصلاحياتها.
ويعتقد مارديني أن لبنان اليوم يقف على مفترق طرق، فإما أن ينتخب رئيساً جديداً، يطلق مسارا إصلاحيا حقيقيا، وإما أن يكمل مسار الانهيار الذي يعيشه حالياً.