يتجلى النجاح الإيراني في تطبيق مبدأ تصدير الثورة من خلال نموذج علاقتها بـ”حزب الله” في لبنان الذي تحرص على استنساخه في علاقتها بالفاعلين من غير الدول في البلدان التي تتدخل في شؤونها.
وطهران ترتكز على هؤلاء الفاعلين كأدوات تنفيذ أهداف سياستها الخارجية التي نتج منها اكتساب دور الفاعلين من غير الدول قوة مساوية أو متفوقة على مؤسسات الدولة الرسمية.
كان الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982 فرصة لزيادة عمق إيران الاستراتيجي داخل لبنان وطبع السياسة الإيرانية في الإقليم بالدولة الداعمة لقضايا التحرر من الاحتلال، مما سهل هذا النمط من العلاقات.
بدأت العلاقة الوثيقة بالحزب حينما قام رجال الدين الشيعة اللبنانيون من حزب الدعوة الإسلامي الموالي لإيران وكثير منهم درسوا على يد المرشد الإيراني آية الله روح الله الخميني، وبدأوا ينتظمون في ما عرف بعد 1985 باسم “حزب الله”، ثم تم إرسال قوات الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان للمساعدة في تطوير الجناح العسكري.
وأرسلت إيران كبار القادة العسكريين إلى لبنان لتقديم النصح وتدريب مقاتلين من الحزب لطرد القوات الإسرائيلية على مدى أعوام المواجهة المسلحة بين الحزب وإسرائيل، ومع الوقت تطورت العلاقة بين إيران والحزب الذي أسسته من علاقة الراعي والعميل patron-client relations إلى نوع من علاقة الاعتماد المتبادل.
وعلى رغم أن إيران لديها علاقات ثقافية وسياسية جيدة مع لبنان، إلا أن اهتمامها الأكبر فيه له علاقة بمدى التأثير الذي يمتلكه “حزب الله” داخل البلاد، إضافة إلى التهديد الإسرائيلي قبل التظاهرات العربية التي اجتاحت المنطقة عام 2011، حينما كان دور الحزب موجهاً للتهديد الإسرائيلي فقط، قبل أن يتوجه للدخول في الحروب الأهلية بالدول العربية.
المصالح الاستراتيجية
إلى جانب العامل الأيديولوجي في العلاقة بين إيران و”حزب الله”، هناك مصالح استراتيجية بيّن حرص الطرفين على الحفاظ على تحالفهما في شأنها، وذلك على النحو التالي:
– يساعد “حزب الله” في الحفاظ على توازن القوى الإقليمي، خصوصاً ضد التهديد الإسرائيلي، فالحزب أداة من أدوات الردع في مواجهة أي ضربات أو هجمات عسكرية من قبل الغرب لإيران، لذا مثل الحزب أحد مصادر الردع في التصدي لتهديدات توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية خلال الفترة من 2005 إلى 2010.
– يمثل الحزب محوراً رئيساً في استراتيجية إيران القائمة على الدفاع المتقدم forward defense التي تقوم على توظيف أدوات ووكلاء إقليميين في الدول محل اهتمام إيران، فاضطلع الحزب بدور إلى جانب الحرس الثوري في تأسيس وتدريب ونقل السلاح إلى الميليشيات والتنظيمات العراقية واليمنية، وكذلك قام بدور في الحرب السورية للحفاظ على بقاء بشار الأسد.
– تمثل إيران الداعم والراعي الرئيس للحزب بما تقدمه من دعم عسكري ومالي وإعلامي أسهم في تمتين ميزان القوى للحزب في مواجهة الفصائل والأحزاب اللبنانية من جهة، والحفاظ على الردع المتبادل مع إسرائيل من جهة أخرى منذ حرب تموز 2006.
الدعم الإيراني
يعد “حزب الله” الحليف الأهم لإيران في المنطقة، وفي مناسبات عدة دعم مصالح طهران وبأشكال عدة، وقام الحرس الثوري الإيراني بدور في تطوير الجناح العسكري للحزب.
أحد تقارير وزارة الدفاع المكلفة من قبل الكونغرس لعام 2010، أكد أن إجمالي المساعدات الإيرانية لـ”حزب الله” تراوح ما بين 100 و200 مليون دولار في السنة.
وقدر تقرير وزارة الخارجية الأميركية لعام 2015 أن إيران زودت “حزب الله” بمئات ملايين الدولارات، وبعد تدريب الحرس الثوري لمقاتلي الحزب تمكن هؤلاء من تدريب بقية عناصره.
ولم يكن مقاتلو “حزب الله” يجرون جميع التدريبات داخل لبنان فقط، بل أيضاً داخل معسكرات في إيران، كذلك عملت طهران على نقل الأسلحة له عبر الأراضي السورية.
لقد تطور “حزب الله” بفعل الدعم الإيراني فتحول من جماعة مسلحة تم تدريبها على يد قوات الحرس الثوري ليصل إلى مستوى أكثر اكتفاءً ذاتياً، وأصبح قادراً على مساعدة عمليات الحرس الثوري الإيراني في أي مكان آخر مثل سوريا والعراق واليمن، فتلقى الحزب التدريب على حرب العصابات أو ما يعرف بـ”الحروب المختلطة” التي تستخدم فيها أسلحة الجيوش النظامية مع تكتيكات حرب العصابات.
وأسهمت المساعدات الإيرانية السياسية والمالية والعسكرية لـ”حزب الله” في أن يصبح قوة كبيرة في السياسة اللبنانية ويقوم الآن بدور رئيس في اتخاذ القرارات واختيار القيادة في لبنان، بما في ذلك انضمام ميشال عون في أواخر عام 2016 كرئيس، وبات يشكل قوة سياسية عسكرية كبيرة داخل البلاد تنافس قوة الجيش اللبناني، فمنذ نهاية الصراع الإسرائيلي مع “حزب الله” عام 2006، ساعدت إيران أيضاً في إعادة تسليحه.
ونتيجة لارتباط الحزب بالسياسة الإقليمية لإيران فإنه كثيراً ما واجه انتقاداً صريحاً داخل لبنان وخارجه لدعمه النشط لبقية حلفائه الإقليميين عبر دعم نظام الأسد في سوريا.
ويقدر بأن “حزب الله” يشارك في المعارك السورية بنحو 4000 من مقاتليه، وهذا الدور أدى إلى تغيير الصورة الإقليمية عن الحزب باعتباره حركة مقاومة للاحتلال إلى أداة من أدوات السياسة الإيرانية.
ومع الدعم الإيراني للحزب أصبح أقوى من الجيش اللبناني وله مقاعد في البرلمان وبرامج للخدمات الاجتماعية وحتى محطة فضائية (المنار)، وتم تمويل “حزب الله” بصورة رئيسة من قبل إيران وسوريا.
عام 2012 قدر الخبراء أن التمويل الإيراني لـ”حزب الله” يراوح ما بين 100 إلى 400 مليون دولار في السنة، واستمر الحزب في كونه أهم أدوات السياسة الإقليمية لطهران وجزءاً رئيساً من استراتيجية “وحدة الساحات” التي أعلنتها إيران ضد إسرائيل في المنطقة.