مع دخول الحرب على غزة مرحلةً جديدة عنوانها التوغّل البري المتدرّج بعد تحويل القطاع «سجناً كبيراً» ولفّ حبْلٍ حول عنق أكثر من مليوني فلسطيني وخنْق حتى الصوت كي تكون الإبادة الجَماعية «فيلماً صامتاً» ولإخفاء معالم المحرقة الجديدة، انشدّتْ الأعصابُ كما الأنظارُ في لبنان إلى كيفية تَفاعُل الحدود الجنوبية مع هذا التطور العسكري، هي التي تراوح منذ 7 اكتوبر بين دخول المعركة على قاعدة إشغال الجيش الاسرائيلي واستدراج القسم الأكبر منه بعيداً عن غزة وبين تَفادي فتْح الجبهة في شكلٍ يزجّ البلاد في الصراع المتفجّر ويشعل توتراً على امتداد المنطقة التي تقف على حافة انفجار ممنوع حتى الساعة حصوله ولكن «لوحة التحكّم» به تقبع في يد أكثر من طرف قد تتقاطع مصالحهم أو تتعاكس في تحديد وجهة تسونامي النار ومداه.
وشهدتْ الجبهة الجنوبية أمس تَسخيناً منذ ساعات الصباح الأولى عَكَسَ ثباتاً لدى «حزب الله» على الإبقاء على الجرعة نفسها من الإسناد لغزة من دون تبديلٍ نوعي في قواعد الاشتباك المفتوح منذ 20 يوماً (تاريخ اول عملية للحزب وكانت في مزارع شبعا المحتلة)، ومع محاولةٍ لتكييف الميدان مع أدوات المواجهة التي استخدمتْها اسرائيل حتى الساعة لمقارعة الحزب وإنزال خسائر بشرية في صفوفه ناهزت 45 عنصراً، في مقابل مضيّ تل أبيب في الارتكاز على المسيّرات والقذائف الفوسفورية والقنابل المضيئة وإمطار طول الشريط الحدودي بقصفٍ حارِق.
وفيما فعّل «حزب الله» مجدّداً منظومة الدفاع الجوي مستهدفاً مسيّرة بصاروخ اعترضه الجيش الاسرائيلي، وأكمل ضرب مواقع اسرائيلية على طول الحدود، بالتوازي مع إمعانِ تل أبيب في استراتيجية «تعرية الميدان» عبر تَعَمُّد حرق الأحراج لإخراج عناصر الحزب من مواقع إطلاق الصواريخ قبل استهدافهم ولجعلهم مكشوفين في أي عمليات أخرى مماثلة ومع إبقاءِ الأولوية في الميدان للمسيَّرات في مهمتيْ الرصْد وجمْع المعلومات وتنفيذ غاراتٍ، فإنّ وقائع أول يوم بعد بدء تكثيف العمليات البرية في غزة، وإن على قاعدة الدخول والانسحاب حتى الساعة، لم تحمل مؤشراتٍ إلى أن الجبهة اللبنانية تقف على مشارف الخروج عما طَبَعَها في الأسابيع الثلاثة الماضية، أقله ما لم تطرأ تطورات غير محسوبة تقلب معادلة «التسخين المضبوط» على حدود 100 كيلومتر وأكثر من الناقورة حتى مزارع شبعا.
ولمحاولة استشرافِ آفاق الوضع على الجبهة الجنوبية، انهمكت بيروت في رصْد أكثر من معطى ميداني على الحدود وفي ساحات محور الممانعة الأخرى كما على المنابر عبر مواقف أميركية وإيرانية، وكلها اعتُبرت مؤشراً إلى أنّ جميع الاحتمالات مفتوحة في المنطقة التي تسير على خيط رفيع قابلٍ لأن ينقطع عند أي «حمولة زائدة» لاستهدافٍ أو ردٍّ أو «لعبٍ بالنار» يمكن أن يحرق الخطوط الحمر.
وفي حين كان عدد النازحين من قرى التماس اللبنانية مع اسرائيل يرتفع إلى نحو 30 ألفاً، علمت «الراي» أن الميدان شهد في الساعات الماضية ارتداداً متبادلاً من الجيش الاسرائيلي و«حزب الله» اللذين ابتعدا عن الحدود إلى مدى 3 كيلومترات، مع اعتبار مصادر في «محور الممانعة» أن خسائر الحزب حتى الساعة لا تخرج عن التوقعات ولا عن طبيعة المعركة التي فتحها، مع تذكيرٍ بأنه في 2006 سقط لحزب الله في 22 يوماً 250 عنصراً من نحو الـ 350 الذين خسرهم على امتداد حرب الـ 33 يوماً حينها.
تقدم الساحة العراقية
ولاحظت أوساطٌ مطلعة أنه في موازاة إبقاء النار مشتعلةً، وإن ضمن حدود عدم «حرق خطوط الرجعة» في جنوب لبنان، فإنّ الساحة العراقية تقدّمت المشهد تحت سقفِ «وحدة الساحات» في ضوء الاستهدافات المتكررة لقواعد أميركية، من دون أن يُعرف هل إن هذا الأمر هو في سياقِ «توزيع الأدوار»وعدم تركيز الضغط من جبهة واحدة بما يفجّرها ويجرّ طهران تالياً إلى وضْع كل أذرعها في «الوعاء المغلي» نفسه الذي أعدّت اسرائيل لوضع «حماس» فيه بدعمٍ غربي كبير وأميركي خصوصاً، أم في إطار تحميةٍ وترْك كل الخيارات على الطاولة بحال اقتضت دينامية الأرض تطويراً لكيفية إسناد «حماس».
واستوقف هذه الأوساط أمس، أنه غداة تحذيرات واشنطن لطهران من استمرار استهداف القوات الأميركية في المنطقة والتي أرفقتْها بضربات جوية ضد منشأتين في شرق سورية يستخدمهما الحرس الثوري وجماعات يَدعمها (رداً على سلسلة الهجمات ضد قواعد أميركية في كل من العراق وسورية)، أطلق مسؤولون إيرانيون مواقف حمّالة أوجه اشتُمّ في بعض منها إعادة تشكيل للتهديداتِ وتركيز على أن «حماس» ستتولى أقلّه في المرحلة القريبة الردّ على ما تتعرض له وقطاع غزة، وفي بعضها الآخَر إبقاء «الإصبع على الزناد» كلامياً.
فبعد تحذيراتٍ متوالية بأن الهجوم البري لن يمرّ من دون ردّ من «محور المقاومة»، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان لشبكة «سي ان ان»، أنّ بلاده لا تريد اتساع رقعة حرب غزة، معتبراً أن «ربط أي هجوم في المنطقة بإيران من دون تقديم أي دليل، هو أمر خاطئ»، وأضاف «قبل أسبوعين كنت في العراق وكذلك في سورية ولبنان وتمكنت بصورة شخصية وقريبة رؤية الجميع.. هم حساسون حيال التطورات في فلسطين وهم غاضبون.
هم لا يتلقون أوامر منا إنهم يتصرفون وفق مصالحهم».
ثم عاد عبداللهيان وقال لوكالة «بلومبرغ» إنّ «جبهات جديدة ستفتح ضد الولايات المتحدة إذا حافظت على دعمها المطلق لإسرائيل»، نافياً أن تكون إيران قد أعطت تعليمات لجماعات بسورية والعراق لاستهداف القوات الأميركية، ومشدداً على أنّ «الغزو البرّي لقطاع غزة ستكون له عواقب وخيمة على إسرائيل، ونحن لم نرسل قوات جديدة إلى سورية أو أجزاء أخرى بالمنطقة، لكننا لا نكتفي بالمراقبة».
في موازاة ذلك، كان قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي يحذّر من أنه «في حال شنت القوات الإسرائيلية هجوما برياً على غزة فسيتم دفنها هناك وحماس تملك الأفضلية القتالية في العمليات البرية وإسرائيل غير قادرة على مواجهتها».
وعلى وقع هذه المعطيات، وفيما تستعد بيروت لاستقبال مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربارا ليف الأسبوع الطالع لحضّ لبنان على تفادي جرّه الى الحرب، أكد الناطق الإقليمي باسم الخارجية الأميركية سام ويربيرغ أنّ بلاده لا توجّه أي تحذير إلى لبنان أو الشعب اللبناني«فالتحذير موجّه إلى حزب الله وإيران وأي من الوكلاء المموَّلين من طهران في المنطقة»، موضحاً (لصحيفة نداء الوطن) «أنّنا نوجّه رسالة واضحة إلى إيران وحزب الله أو أي طرف يفكر في دخول هذا الصراع بانّنا ضد ذلك وسنتخذ كلّ الإجراءات لمنع توسيع هذه الحرب».
وأضاف ان «الولايات المتحدة لديها الإمكانية للدفاع عن النفس وعن حلفائها وشركائها في المنطقة. ونحن واضحون مع حزب الله أو أي طرف يفكر في التدخل في هذا الصراع، ونقول: لا تفكروا في ذلك، لأنّنا لا نريد أي توسيع لهذه الحرب في هذه اللحظة الصعبة».
وفي موازاة ذلك، وبعدما تلقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصالاً من وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي تم خلاله البحث في التطورات الراهنة في غزة وجنوب لبنان، شارك ميقاتي أمس في جلسة المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى التي عُقدت برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان.
وأكد ميقاتي «أن الحكومة تقوم بالاتصالات والمساعي والجهود الديبلوماسية والسياسية عربياً ودولياً لوقف العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان وغزة». وشدد على«أن الحكومة اعدت خطة طوارئ لاحتواء تداعيات ما يمكن أن يحدث نتيجة العدوان الإسرائيلي على الجنوب والعدوان المستمر على الأشقاء الفلسطينيين».
إرشادات وتعليمات في مطار بيروت
وإذ دعا رئيس البرلمان نبيه بري إلى اجتماع الثلاثاء للجان المشتركة لمناقشة خطة الحكومة في هذا الإطار، تفاعل التعميم الذي أصدرته السلطات اللبنانية ويتضمن إرشادات وتعليمات بإخلاء مطار رفيق الحريري الدولي والمرافق المحيطة به في حالة الطوارئ مع تصاعد التوترات على الحدود.
وقد أكّد رئيس المطار فادي الحسن أنّ «التعميم الذي أصدرناه أتى استكمالاً لخطة الطوارئ التي تحدثنا عنها قبل أسبوعين، والمطار لايزال يعمل بشكل طبيعي».
وقال في تصريح تلفزيوني «حتى اللحظة فقط لوفتهانزا والخطوط الجوية السعودية هي التي علقت رحلاتها (موقتاً) من والى المطار، أما بقية الشركات فلا تزال تعمل بشكل طبيعي».
وأشار إلى أنّ «عدد الركاب الذي يصل يومياً الى المطار 4 أو 5 آلاف، فيما المغادرة بين 6 او 7 الاف، وهذه الأرقام منطقية جداً في ظل الظروف الراهنة»، مشدداً على أنّ «السوق الحرة لاتزال تعمل بشكل طبيعي، ولم يتم إخراج أي شيء منها، لكن من الطبيعي ان يكون هناك قلق مما يحصل».
قصف متبادل
وفي الوقائع الميدانية، استهدف «حزب الله»، أمس، موقع العباد الاسرائيلي قبالة بلدة حولا، كما قصف ثكنة«هونين»بالصواريخ الموجّهة ونفذ عمليات ضد موقع ريشا ونقطة الجرداح.
وردّ الجيش الإسرائيلي بقصف حولا وشرق بلدة مركبا وأطراف عيتا الشعب والناقورة والضهيرة والبستان ويارين وميس الجبل وحولا وعيترون.
ولاحقاً استهدفت المدفعية الإسرائيلية منطقة اللبونة في الناقورة وخراج علما الشعب بأكثر من 40 قذيفة من عيار 155 ملم وقذائف فوسفورية حارقة ضوئية طاولت أحراج متفرقة جنوب الناقورة بهدف إشعال النيران فيها.
وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية عصراً، أن «خراج شيحين وزبقين قُصفت بقذائف 155 ملم وبالقذائف الفوسفورية الحارقة، وقد خلّف القصف حرائق في الأودية والاحراج. وسُمعت اشتباكات في محيط موقع العرامشة بين العدو والمقاومة لجهة بلدة الضهيرة».
وكان قبل الظهر انطبع بسماع دويّ انفجار قوي قرب قرى قضاء صور، تبيّن أنّه ناجم عن انفجار صاروخ «باتريوت» فوق المنطقة.
وأفاد الجيش الإسرائيليّ بأنّ قواته «تُهاجم مصدر إطلاق صاروخ أرض – جو داخل الأراضي اللبنانية». كما ذكرت الإذاعة العسكرية ان«الدفاعات الجوية اعترضت صاروخ أرض – جو أطلق من لبنان باتجاه الجليل الأعلى».
وبعد الظهر، نفّذت مسيّرة إسرائيلية ثلاث غارات استهدفت تلة الأميركان ومنطقة مفتوحة في جبل صافي في منطقة إقليم التفاح، وذكر الجيش، في بيان، انّ «طائرة مسيّرة استهدفت «خليّة» حاولت إطلاق صواريخ مضادّة للدروع في جنوب لبنان».
استهداف مقر «اليونيفيل»
وأعلنت «اليونيفيل» مساء، ان قذيفة سقطت أمس، داخل المقرّ العام للقوات الدولية في الناقورة، و«لحسن الحظ لم تنفجر، ولم يصب أحد بأذى، ولكن تضرر مقرّنا. وتمت إزالة القذيفة ونعمل على التأكد من مصدر الهجوم».
وأضافت في بيان “ليست المرة الأولى التي تصيب فيها قذيفة مقرّنا العام، حيث تعرّض العديد من مواقعنا الأخرى لأضرار في الأسابيع الثلاثة الماضية.
إنه تذكير صارخ بالبيئة الهشة والمتوترة والمتقلبة للغاية التي يعمل فيها حفظة السلام في الوقت الحالي.اننا نحضّ جميع الأطراف على وقف إطلاق النار فوراً.
كما ندعو جميع المشاركين في النزاع الدائر إلى وقف أي أعمال تعرّض سلامة وأمن المدنيين أو موظفي الأمم المتحدة للخطر، ولا سيما وأن هذه الأعمال قد تشكل انتهاكات للقانون الدولي”.
وأضافت «رغم هذه الهجمات والهجمات السابقة، لا يزال حفظة السلام التابعين لليونيفيل في مواقعهم ويعملون بنشاط مع الأطراف على جانبيْ الخط الأزرق لتهدئة التوتر وتجنب سوء الفهم الخطير».