.. ساعاتٌ ويتّضح مَصيرُ طرْح رئيس البرلمان نبيه بري حول «حوار الأيام السبعة» تمهيداً لجلساتِ انتخاب مفتوحة والذي سيتحدّد في ضوء مآلاته مَسارُ الاستحقاقِ الرئاسي المُسْتَعصي منذ أكثر من 10 أشهر ومعه مَهمة الموفد الفرنسي الرئاسي جان – إيف لودريان المرتقب وصوله إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل.
فمع العدّ العكسي لعودة لودريان، قبيل تَسَلُّمه «مَهمّته المُهمة» كرئيس لوكالة التنمية الفرنسية في العلا (أفالولا)، لم يكن أحد في بيروت على إحاطةٍ كاملة بخفايا ما بدا «استنساخاً» من بري للمقترح الذي أوْدعه الموفد الفرنسي البرلمانَ اللبناني على شكل رسالة من سؤاليْن (حول مواصفات الرئيس العتيد وأولوياته) كمدخلٍ للقاء موسع للأطراف اللبنانيين تليه «انتخابات مفتوحة».
فبعدما أُحبطت محاولة لودريان استدراجَ غالبية قوى المعارضة إلى حوارٍ يصرّ عليه فريق «الممانعة» كممرّ إلزامي للإفراج عن جلسات الانتخاب الرئاسية، واختارتْ هذه القوى الردّ على «الفراغات البيض» في سؤاليْ الموفد الفرنسي بـ «حبرِ» البيان الأخير لمجموعة الخمس حول لبنان (تضمّ أيضاً الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر) رافضة أي اجتماع خارج اللقاءات الثنائية، تَقَدَّم بري المشهدَ باقتراحٍ ظاهرُه مُطابِقٌ لِما عرضه لودريان وتالياً يُفترض أن يكون الجواب «المتوقَّع» عليه من معارضي فكرة لودريان «نسخة طبق الأصل».
وفي موازاة محاولة بعض الأوساط اعتبار أن بري، وبإزاء تصاعُد الضغوط الدولية لإنهاء الشغور الرئاسي وتلويح «مجموعة الخمس» بعقوباتٍ بحق معطّلي الانتخابات «وفق الدستور»، أراد دفْع كرة المسؤولية عنه ووضْعها في ملعب رافضي الحوار كجسرِ عبورٍ إلى جلسات مفتوحة، قلّلتْ أوساطٌ أخرى من هذه القراءة معتبرةً أن «هذه الغاية» كان يمكن تحقيقها بالارتكاز على موقف غالبيةِ المعارضة الذي لم يستجب لمسعى لودريان الذي سلك المسارَ نفسَه ولاقتْه «الممانعة» بالترحيب.
وبحسب هذه الأوساط، فإن لودريان، الذي تشارك بلاده في مجموعة الخمس، وفّر بهذا المعنى غطاء، وبمعزل عما إذا كان مقصوداً أم لا أو إذا كان طرحه تحت سقف شركائه في المجموعة أم لا، لـ «الممانعة» للظهور في موقع المستجيبِ لطرْح الحوار «الموصول» بانتخابات مفتوحة على عكس موقف غالبية المعارضة، ما يجعل السؤال الكبير: ما الذي يفعله بري بمقترحه الذي رفضْته القوى نفسها التي أقامت «حائط صدّ» بوجه طرح الموفد الفرنسي، وأي قطبة مخفية فيه؟
ورغم أن الحصول على جواب شافٍ حول هذا السؤال بدا متعذّراً في بيروت، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع حرصت عبر «الراي» على الإضاءة على تفصيل مفصلي في ما يطرحه بري ويتمثّل في «الجلسات الانتخابية المفتوحة»، التي تُشتمّ منها محاولة لاستجرار تجربة الجلسات الـ 12 العقيمة منذ سبتمبر 2022 ولكن بإيقاع ربما يومي متوالٍ ومع قفلِ محضر الجلسة كل مرة لتُستأنف التالية «من الصفر» أي بنصاب الثلثين حضوراً وانتخاباً في الدورة الأولى مع تطيير النصاب في الدورة التالية، عوض أن يكون الأمر على قاعدة عقد جلسة انتخابية واحدة بدورات مفتوحة متتالية حتى يتم انتخاب الرئيس، وعلى أن يكون الانتخاب بعد الدورة الأولى وفق ما ينص عليه الدستور بالنصف زائد واحد (أي 65 صوتاً عوض 86).
وبعد الإضاءة على هذه المسألة ومع اعتبار مصادر رفيعة المستوى في المعارضة عبر «الراي»، أن أحداً لا يمكن أن يكون ضدّ مبدأ الحوار «ولكن الرفض هو لحوارٍ يحلّ محل الدستور الذي ينص بشكل واضح على آلية انتخاب الرئيس في البرلمان وليس حول طاولة حوار يكرّس معها فريقُ الغَلبةِ فيتو ثابتاً، هو لإيران أيضاً، على الانتخابات الرئاسية بحيث لا تكون رهن موازين القوى في البرلمان بل قوة الأمر الواقع خارجه وفي هذا قَضْمٌ جديد لاتفاق الطائف وتوازناته»، تتساءل الأوساط المطلعة عن «سرّ» طرح بري مبادرته بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان لبيروت بعد أقلّ من أسبوعين من زيارته للرياض، وهل في الأمر في محاولة لإيهام الآخرين «بأن ثمة تفاهماً إقليمياً على هذه الدعوة وعلى مرشح الممانعة سليمان فرنجية وأن الحوار الذي دعا إليه رئيس البرلمان هو لتتويج هذا التفاهم؟».
وإذ أكدت المصادر رفيعة المستوى في المعارضة أنها غير معنية «بمناورات رئيس البرلمان، وإذا اختار الدعوة إلى حوار بمَن حضَر فهو يخدمنا بذلك، ولتَظْهَر الأرانب على حقيقتها، والمطلوب توضيح إذا كانت الجلسات المفتوحة هي على شاكلة الـ 12 جولةِ لا انتخابٍ أم جلسةٌ واحدة وأخيرة بدوراتٍ متتالية مفتوحة حتى انتخاب الرئيس»، توقّفت أيضاً عند أن موقف «التيار الوطني الحر» الذي رحّب بدعوة رئيس البرلمان للحوار بدا متناغماً مع غالبية المعارضة في موضوع «الجلسة بدورات متتالية مفتوحة وليس جلسات مفتوحة»، متسائلة هل سيكون عدم توضيح بري هذه النقطة والإبقاء عليها رمادية وعلى طريقة «اللعب على الكلام» مقدّمة لعدم مشاركة التيار في حوار الأيام السبعة، وهو ما سيُفقده الغطاء الميثاقي (باعتبار أن المكوّن الدرزي غطاه وكذلك السني مع الشيعي)؟
plan B
ومع معلوماتٍ متداولة في بيروت عن وجود موفد قطري يُجْري لقاءات غير معلنة، وهو ما أكدت مصادر لـ «الراي» أنه في إطار جسّ نبض إمكان توسيع مروحة الخيارات الرئاسية عبر plan B وأكثر ما لم تنجح المساعي في فكفكة التعقيدات التي مازالت تحول دون توفير النصاب السياسي والعددي لانتخاب شخصية غير مدنية تحظى بقبول خارجي وداخلي، فإن الأوساطَ المطلعة توقفت عند حركة 3 من سفراء دول مجموعة الخمس في بيروت في الساعات الماضية.
فالسفير السعودي وليد بخاري الذي التقى الاثنين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عبّر عن موقف المملكة الذي يقضي«بضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ليساهم في إنقاذ لبنان، وأن يكون (الرئيس) جامعاً لكل اللبنانيين ويعمل على تمتين العلاقات بمحيطه العربي»، وهو الموقف الذي استكمله وليد غياض المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي، الذي قال إن «اللقاء المطوّل الذي استمر نحو ساعة، بحث في موضوع الساعة وهو انتخاب رئيس للجمهورية والمساعي التي تقوم بها المملكة داخلياً ودولياً، وبخاصة مع الفرنسيين والدفع بانتخاب رئيس بأسرع وقت، وقد أبدى السفير بخاري كل التمني والحرص باسم المملكة على الاستقرار في لبنان، وحماية الدستور وحماية اتفاق الطائف، وضرورة ألا يُمْلي أحد شروطاً على اللبنانيين، وأكد أن المملكة تحترم إرادة اللبنانيين ومتعاونة مع أي قرار يتخذونه».
وكان لافتاً أن الراعي تلقى أمس اتصالاً من رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع «حيث تداولا بآخِر مستجدّات الوضع العام في لبنان وخصوصاً ملف انتخابات رئاسة الجمهوريّة» وذلك بعد مواقف السقف الأعلى لجعجع الأحد من «حزب الله» وفريق الممانعة «الإجرامي» جازماً «ع بعبدا ما بيفوتوا» و«ماضون في الصمود والمواجهة السياسية»، وذلك بعد ساعات من موقفٍ للبطريرك حُمّل مضموناً داعماً لدعوة بري للحوار، علماً أن رأس الكنيسة المارونية ربط كلامه حول مقتضياته بعبارة «الحوار إذا حصل رغم التجاذبات».
ولم يقلّ دلالة استقبال الراعي أمس السفير الفرنسي الجديد هيرفيه ماغرو في زيارة بروتوكولية، إثر توليه مهماته الديبلوماسية الجديدة، وذلك غداة محطة الأخير في عين التينة حيث التقى بري الذي زاره أيضاً السفير القطري الجديد الشيخ سعود بن عبدالرحمن بن فيصل ثاني آل ثاني.
مواقف منصوري
في موازاة ذلك، انشدّت الأنظار الى مشاركة حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في اجتماعات المؤتمر المصرفي العربي في الرياض واللقاءات التي يعقدها والمواقف التي أعلنها.
وفيما أعلن المكتب الإعلامي لمنصوري أن اجتماعه مع محافظ المصرف المركزي السعودي أيمن بن محمد السياري «تضمّن طلباً لبنانياً للحصول على مؤازرة سعودية، وتنشيط الاستثمارات المالية المشتركة»، تحدثت تقارير في بيروت عن «زيارات ستحصل الى لبنان في الأسابيع المقبلة واتفاقات أولية لعقد مؤتمرات مالية في بيروت في المرحلة المقبلة من شأنها مؤازرة المصرف المركزي اللبناني في خطواته لاستعادة الثقة الداخلية والعربية بالمسار المالي اللبناني الذي أصيب بأزمة حادة منذ أعوام، ويحتاج الى انعاش يبدأ بإقرار قوانين إصلاحية».
وفي حين يعود منصوري إلى بيروت غداً، وسط معلومات عن أنه سيلتقي إضافة إلى أبناء الجالية اللبنانية في المملكة، مستثمرين سعوديين، توقفت دوائر مالية عند مواقف حاكم المركزي بالإنابة التي أطلقها من الرياض ولا سيما جزمه بأن «قرارنا نهائي بعدم تمويل الدولة لا بالليرة ولا بالدولار».
وقال إن «على الدولة إيجاد وسائل لتمويل عجز ميزانيتها»، معتبراً أن «إعادة الأموال للمودعين ليست مستحيلة»، ومشيراً إلى أنه «لا ينبغي أن ينتظر المودعون لفترة أكثر».
وكشف أن البنك المركزي ينوي توفير منصّة تداول جديدة من خلال وكالة «بلومبرغ» وسيكون هذا الموضوع على جدول أعمال مجلس الوزراء هذا الأسبوع «وهذه المنصة تُسهّل تحويل الليرات الى دولار»، لافتاً إلى «أن حجم الاقتصاد اللبناني تراجع من نحو 55 مليار دولار إلى نحو 20 ملياراً»، ومشيراً إلى أن «الأزمة لا يمكن حلها إلا بكثير من التكامل بين الجهات الفنية والقانونية والسياسية».
وأكد أن السعودية «تلعب دائماً دوراً إيجابياً في حل الأزمة المالية اللبنانية»، معتبراً في الوقت نفسه «أن أساس حل الأزمة هو من لبنان. ويجب أن ينهي لبنان مشروع الإصلاحات في أقرب فرصة».