يملك جوزيف عون صورة العسكري التقليديّة. لا يساير. منضبط. يضبط علاقته مع السياسيّين وفق المسافة التي يبقون فيها بعيدين عن المؤسّسة العسكريّة، وقد حماها، وهذا أكثر ما يُسجّل له بين إنجازاتٍ كثيرة، من التدخلات في التشكيلات وغيرها من القرارات العسكريّة الداخليّة. وهذا ما أدّى الى تدهور علاقته بمرجعيّاتٍ سياسيّة، أوّلها الرئيس العماد ميشال عون والنائب جبران باسيل، من دون أن يُصنَّف يوماً مع فريقٍ ضدّ آخر، أو يستخدم التوازنات السياسيّة ليحقّق تقدّماً في مكان، خصوصاً في السباق الرئاسي، فلا زار أحداً، ولا استقبل أحداً لغاياتٍ “رئاسيّة”، ولا قدّم هدايا أو إغراءاتٍ للنوّاب، فنال تأييداً مجّانيّاً من دون شروطٍ مسبقة فُرضت عليه. لا بل يُعرف عنه أنّه لا يخدم أصدقاءه، من سياسيّين وغير سياسيّين، حين يتعلّق الأمر بالجيش وصلاحيّاته.
طُرح اسم جوزيف عون رئاسيّاً منذ عامين ونصف العام، فارتفعت حظوظه مرّات وتراجعت مرّات، وظلّ صامتاً. لا باع ولا اشترى. لا تنازل ولا باع حصصاً في العهد القادم. جلس في مكتبه، تاركاً الكتل تتصارع فترفع السقوف، وتلوّح بالسيوف، قبل أن تتراجع، الواحدة تلو الأخرى، وتسلّم بالأمر الواقع الذي يحمل اسماً واحداً اليوم، هو جوزيف عون.
يتأهّب جوزيف عون، في يومه العسكريّ الأخير، لترك مكتبه في وزارة الدفاع، الذي شهد صراعاته مع وزراء الدفاع المتعاقبين. قد ينام الليلة، للمرّة الأخيرة، في سريره المنزلي، قبل أن ينتقل غداً لينام في الجناح الرئاسي في القصر الجمهوري، حيث تنتظره تحدّيات كثيرة، في وطنٍ خارجٍ من حربٍ ومن أزمات، ومن شغورٍ وفراغات.
وفي ليلة الغد، إن بلغ الرئاسة، سيطفئ شمعة عيده الواحد والستّين الذي يصادف بعد غدٍ، في العاشر من كانون الثاني. على أمل أن تشتعل، بوصوله، شمعة الوطن الجريح.