«لم يبقَ في منازل الجنوبيين إلا صور الشهداء.. هكذا يريدون أن نعيش.. في حزن مستمر.. هل قائد المقاومة يرضى بما يحدث في جنوبه؟ إلى متى ستبقى عائلات الجنوب تعاني؟».
رسالة مرفقة بأسئلة مشروعة، ما زالت معلقة على جدار إحدى الفتيات الجنوبيات في عالم التواصل الاجتماعي دون أن تلقى إجابة أو رد يشفي قلبها ويخفف من ألم الفقد والتهجير والدمار الذي يعيشه كل أبناء الجنوب اللبناني؛ منهم الرافض لفكرة الحرب، ومنهم الملتزم الصمت خشية الترهيب والقمع الذي يُمارس عليهم من قبل (حزب الله) الذي ورطهم في حربه مع إسرائيل.
رسائل رفض على الجدران
هذه الرسالة ليست وحدها التي لم تلقَ الإجابة، فقد امتلأت جدران التواصل بالرسائل، على مدى أكثر من سبعة أشهر، وخرج العديد من الشباب والشابات إلى الشوارع وكتبوا على جدران الأبنية والأزقّة أنهم يرفضون الحرب، إلا أن النتيجة نفسها.. لا مجيب.
أبناء الجنوب لم يقرروا الحرب، ولا يريدونها، بل تورطوا فيها، وها هم يدخلون الشهر الثامن منغمسين بتداعيات حرب غزة بعدما كُسرت قواعد الاشتباك والاتفاقات غير الموقعة وغير المكتوبة بين إسرائيل و(حزب الله)، عقب حرب تموز 2006 وصدور القرار 1701؛ أي بعد فترة الاستقرار الطويل التي عاشوها لما يقارب ١٧ عاماً، وأسهمت بتشجيعهم على إعمار مدنهم وقراهم وإقامة المشاريع السياحية والصناعية والخدماتية والزراعية.. إلا أن الحرب اندلعت مجدداً رغماً عنهم، وتهجّر أكثر من 100 ألف منهم، واستُشهد ما يقارب 355، فضلاً عن الخسائر في الأرزاق التي فاقت ملايين الدولارات.
تصعيد لم ينصر غزة
بالنسبة للدكتور علي خليفة، المؤسس في حركة (تحرُّر) المنطلقة من الاعتراض الشيعي في لبنان بوجه (حزب الله) وخياراته، فإن التصعيد المستمر منذ ٧ أكتوبر لم يُفِد القضية الفلسطينية بشيء ولم ينصر غزة، إذ تدمّرت بيوت الجنوبيين وقضوا بالمئات ونزحوا عن أرضهم بالآلاف وخسائر الاقتصاد اللبناني بالمليارات، علاوة على الأزمات الخانقة التي عصفت بالبلاد.
وقال الدكتور خليفة لـ«عكاظ»: بالنسبة لنا، قرار الحرب الذي اتخذه (حزب الله) في الجنوب لا يراعي المصلحة الوطنية العليا بل يجعل لبنان في مهب لعبة النفوذ. في حين أن المطلوب بالنسبة لنا هو ملاقاة ودعم الجهود العربية للوصول الى مسارات سلمية للصراع.
ولفت إلى أن مناخ الترهيب الذي يفرضه (حزب الله) على معارضيه وتقنين الخدمات للمواطنين في الجنوب لم تثنِ اللبنانيين عامة من رفع الصوت عالياً ضد الحرب، إلا أنه يبقى التخوف من انزلاق الأمور إلى مواجهات أوسع لا تُحمد عقباها ويدفع ثمنها لبنان البلد؛ الذي ما زالت الدولة فيه أسيرة الشلل والشغور نتيجة هيمنة دويلة (حزب الله) على قرارها ومصادرته أدوارها، لا سيما في ما يخص الدفاع والأمن وقرار الحرب والسلم.
خوف وذعر.. الأمل في انتهاء الحرب
من جهته، قال الدكتور هادي مراد، وهو ناشط سياسي في خط الاعتراض الشيعي المعتدل: إن ما يحصل في الجنوب وفي كل القرى التي تتعرض للقصف وصولاً إلى بعلبك بات أمراً مثيراً للمخاوف لدى كل أهالي هذه المناطق.
وتوقف في حديثه لـ«عكاظ» أمام مشهد الأطفال الذين فقدوا أملهم بالتعلم، وباتوا يعيشون الخوف من فقدان أهلهم ومنازلهم. وأكد أن هذه المشاهد قد تؤثر سلباً على هؤلاء الأطفال وهم في سن تكوين وعيهم ونضوجهم، لافتاً إلى أن الجميع، أطفالاً ونساء وشيوخاً، يعيشون الذعر والخوف والقلق من فقدان أرزاقهم وأولادهم وأشغالهم.
وعن موقف أبناء الجنوب من الحرب قال: موقفهم واحد، بيئة المقاومة، والبيئة المعارضة للمقاومة، وهو عودة السلم إلى كل الأراضي اللبنانية، وفي الوقت نفسه هو معارض لأي اعتداء سافر قد يتعرض له لبنان من العدو الإسرائيلي، آملاً أن تكون الدولة اللبنانية في المرصاد لصد أي اعتداء أو هجوم على الأرض والبشر، وهذا يتطلب جهوداً كبيرة من المنظمات الدولية التي يجب أن تكون مساندة بأخذ هذا القرار في إنهاء هذه الحرب.
ولفت الدكتور مراد إلى أن التوقعات يلوح فوقها الأمل أن الحرب لابد أن تنتهي، رغم الخوف لدى البعض من تطور أو تصعيد الحرب، لأنهم يدركون أنهم مجرد حصيلة أرقام، فهم الأبرياء الذين يتم التفاوض على جثثهم وأرواحهم، وكل التمني ألا يكونوا في هذه المرة أيضاً جزءاً هذه اللعبة فيرحلون «فرق عملة».
أبناء الجنوب صامدون رغم الترهيب الذي يُمارس عليهم، يتعرضون للقمع المعنوي والجسدي إنْ اقتضت الحاجة، يلطمون مرغمين فوق القبور التي يحفرها لأبنائهم (حزب الله).. فإلى متى سيبقى الحزب يقرر مصيرهم؟