عشية دخولِ «حرب المُشاغَلة» في جنوب لبنان شهرها الـ 11، عادتْ هذه الجبهة إلى واجهة الاهتمام في بيروت بعدما طغى على هديرها الذي خَفَتَ لأيامٍ، دويُّ إطلاقِ مسارِ ملاحقة قضائية غير مسبوقة بحق الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة، بجرائم «اختلاس الأموال العامة والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال» ومحاولات تحريك المياه الراكدة في الأزمة الرئاسية التي تطوي في 31 أكتوبر المقبل، عامها الثاني.
وفي موازاة الانشغال الداخلي بمآل «الهزة» السياسية – المالية – القضائية التي شكّلها وَضْعُ سلامة تحت مطرقة العدالة وصولاً إلى الادعاء عليه من النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، مع انتظار أن يحدّد قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي، موعداً لاستجوابه مطلع الأسبوع، وسط توقّعات بإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه في قضية «الـ42 مليون دولار»، لم يكن ممكناً إشاحة النظر عن الارتجاجات القوية المستعادة على جبهة الجنوب في ضوء «تثقيلٍ» مستمرّ من إسرائيل لاستهدافاتها وسعي «حزب الله» إلى فرْض ما أمكن من تَوازُن ردعٍ تشظى بقوةٍ باغتيال القيادي الكبير فيه فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت (30 يوليو) ولم ينجح الردّ «المدروس» فجر 25 أغسطس في استرداده.
وتمّ التعاطي مع مضيّ تل أبيب في عملياتها ضدّ أهداف لـ «حزب الله» وتكثيفها في الساعات الماضية، على أنها إما لإبقاء «الطبخة ساخنةً» في ملاقاة أي اختراقاتٍ في مفاوضات هدنة غزة التي يكاد أن يحجبها «جنون» بنيامين نتنياهو على الضفة الغربية المحتلة، وإما في محاولةٍ لرفْع الدينامية العسكرية على الجبهة اللبنانية على وقع ارتفاع «المتاريس» على تخوم هذه المفاوضات، وذلك تمهيداً لخروجٍ تدريجي من سقف الحرب المحدودة في الجنوب، علّ إسرائيل تَستدرج تَفاهماً «تحت النار» أو أقله تَفرض واقعاً يجعل إصرارَ «حزب الله» على ربْط جبهته بالقطاع بمثابة «منشار» يكبّده أثماناً بحال صعّدَ لضغطٍ بدا أنه لم يَعُد ينفع لرفْد «حماس» بالدعم «على الطاولة» أو إذا اختار البقاءَ على الجرعة نفسها من مواجهاتٍ تَعتقد (تل أبيب) أنها تستنزفه.
وغداة استهداف إسرائيل لبلدة قبريخا بالقصف المدفعي ما أدى إلى سقوط سيدة وإصابة شخصين آخَرين بجروح بينهما طفل يبلغ من العمر 12 سنة، وما أعقبها من غارات متوازية ليلاً واستمرار الاعتداءات أمس وإحداها أدّت إلى مقتل عنصر من «حزب الله» في كفرا، كثّف الحزب عمليّاته الجوية ضدّ الثكن والمواقع الإسرائيلية، فنفّذ ثلاث هجمات بسرب من المسيّرات الانقضاضية استهدفت المقر المستحدث للواء الغربي 300 جنوب ثكنة يعرا وثكنة راموت نفتالي ومقر قيادة كتيبة السهل في ثكنة بيت هيلل.
وفيما أعلن الجيش الإسرائيلي «قصفنا البنية التحتية لحزب الله في منطقة قانا في جنوب لبنان، واعترضنا هدفَين جوّيَين أطلقا من الأراضي اللبنانية ولم تقع إصابات»، وسط تقارير في إعلام عبري عن وقوع «أضرار مادية جراء سقوط 3 قذائف في راموت نفتالي في الجليل الأعلى»، برز توسيع الحزب ضرباته للمستوطنات الإسرائيلية عبر إدخال نؤوت مردخاي إلى دائرة الاستهداف، إذ قصفها للمرة الأولى بِصلياتٍ من صواريخ «الكاتيوشا»، وذلك «رداً على اعتداءات العدو على القرى الجنوبية الآمنة، خصوصاً في بلدات مركبا وطلوسة والقنطرة وقبريخا، والتي أدت إلى استشهاد مواطنة وجرح اثنين آخَريْن».
وكان ليل الأربعاء – الخميس شهد حزاماً من غارات إسرائيلية إحداها استهدفت مجرى نهر الليطاني لجهة بلدة يحمر الشقيف.
وقد أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي ادرعي أنه «تم استهداف أكثر من 10 بنى تحتية عسكرية ومنصات إطلاق تابعة لحزب الله كانت تشكل تهديداً على مواطني إسرائيل».
زيارة بوريل
وعلى وهج استعادة جبهة الجنوب إيقاع مواجهات ما قبل الردّ على اغتيال شكر وتَعاظُم المخاوف من أفقها ما دامت أبواب هدنة غزة مازالت موصدة وإمكانُ شقِّ ممرّ آمِن للبنان من هذا الصراع شبه مستحيل بمعزل عن مآل حرب القطاع أو من دون العبور بتصعيدٍ للقتال قد يستدرجه نتنياهو، تنتظر بيروت زيارةً لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل منتصف الاسبوع المقبل، ستركّز على الوضع جنوباً، وسط رصْدٍ لِما سيَصدر عن المؤتمر الذي دعت إليه إسبانيا على نطاق وزاري من اجل غزة ولبنان منتصف سبتمبر الجاري وستشارك فيه الدول الأوروبية والعربية والدولية ومنظمات دولية وعربية.
اجتماع سعودي – فرنسي
وفي سياق متصل، برز اهتمامٌ موازٍ بالاجتماع الذي يفترض أن يكون عُقد أمس بين المبعوث الفرنسي إلى لبنان جان – إيف لودريان والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا في الرياض، للبحث في الملف الرئاسي، وسط تأكيد أوساط دبلوماسية (كما نقل موقع «لبنان 24» المحسوب على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي)، «أن اللجنة الخماسية (تضم واشنطن والرياض وباريس والقاهرة والدوحة) لا تملك مشروع حل رئاسياً جاهزاً، يتّسم بصفة الالزام. فمهمتها محدّدة وهي مساعدة اللبنانيين على التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية، والكلمة الفصل في هذا الملف هي لهم، ومن هنا فإن حِراك اللجنة المرتقب أملاه الاستشعار بالخطر، وتوجُّهها هو لإجراء لقاءات وحوارات مع الأطراف، بنفَس جديد يُحاكي حاجة لبنان الملحة إلى رئيس في هذه الظروف».
ملف سلامة
ومن خلف «دخان» الميدان والغبار الذي يلفّ مساعي إيجاد دينامية رئاسية جديدة، ارتقى ملف سلامة قضائياً مع ادعاء هيئة القضايا في وزارة العدل اللبنانية ممثلةً برئيستها القاضية هيلانة اسكندر على الحاكم السابق للمركزي وكل مَن يظهره التحقيق، وذلك تِبعاً لادعاء النيابة العامة المالية، من دون أن تستكين محاولاتُ تفكيك «شيفرة» رفْع الغطاء عن الشخصية المركزية في كل المَشهد المالي و«صندوقة أسراره» السياسية الدسِمة «الموْصولة» بالانهيار المريع (منذ 2020)، والذي كان أعلن قبل عام ونيف «من زمان المنظومة (السياسية) غسلتْ يديها مني وأنا أصبحتُ كبش محرقة»، وسط أسئلةٍ حول هل مِن «قطب مخفية» ستظهر وتتيح «رتي» صورته التي تَآكلتْ مع التهام الدولار لليرة وابتلاع ودائع اللبنانيين في المصارف وربما تمنع الدوس على «لغمٍ» يمكن أن يفجّر «الصندوق الأسود» لغالبية الطبقة السياسية وينفجر بها.
وكان لافتاً أمس، ما ذكرته وسائل إعلام لبنانية أنه بعدما أصدر النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار قراره بالاحتجاز الاحترازي للحاكم السابق وحوّله إلى مكتب ضابط التحقيق للتنفيذ، تمنّى سلامة على القاضي ألّا يساق مكبّل اليدين إلى السيارة، غير أن الحجار أبلغه باستحالة تنفيذ طلبه، مشيراً إلى أن في إمكانه أن ينزع سترته لتغطية يديه بها، وهو ما حصل.
وبحسب صحيفة «الأخبار»، فقد اقتاد عناصر الأمن سلامة الذي كان لايزال صلباً ومحافظاً على هدوئه. لكن ما إن وُضع مكبّلاً في سيارة قوى الأمن حتى انهار بالبكاء، مشيرة إلى أن «الحاكم السابق» نُقل إلى المقر العام لمديرية قوى الأمن الداخلي ووُضع في «زنزانة» هي عبارة عن غرفة على سطح المبنى، تضم برّاداً وتلفزيوناً وهاتفاً ومكيّفاً، ومحاطة بحديقة صغيرة تسوّرها قضبان حديدية مرتفعة.