تذهلنا مواقف بعض قادة الرأي من واقع الأحداث الحالية القائمة على الساحة اللبنانية ومن بعض التقارير التي تصدر تباعاً عن بعض مراكز الأبحاث في لبنان والخارج، حيث تُلزِمْ هذه المراجع المذكورة كل وسائل الإعلام بالإشادة بالمواقف التي تصدر عن ساسة الأمر الواقع لناحية الإستقرار السياسي – الأمني – الاقتصادي – المالي – الإجتماعي وكلّها وقائع تتنافى والحالة العامة في البلاد. في مفهوم «علم السياسة» الإنتقائية السياسية ليست فِعْل ديمقراطي سليم ولن تنجح أي منظومة سياسية في إلغاء «زعرنات» الساسة الذين يُمارسون هذا النهج التسلّطي القائم على الإنتقائية السياسية.
في لبنان يحتار أي باحث سياسي أو أي مركز أبحاث لبناني أو إقليمي عربي أو دولي عن وصف كل ما يجري على الساحة اللبنانية وبالتحديد على مستوى السلطات الشرعية «مجلس النوّاب – مجلس الوزراء – السلطة الإجرائية السلطة القضائية – السلطات الأمنيّة»، إزاء هذه السياسة الإنتقائية المنتهجة من قبل سلطة أقّلْ ما يُقال عنها «أنها فاقدة للمصداقية السياسية والشعبية والضمير»، وهل يُعقل أنْ يتُّم التعاطي مع ساسة أمر واقع يتصفّون بالعقم السياسي و«الصلبطة» على الجمهورية؟ وهل يُعقل أنْ يتُّم التعاطي مع جماعة سياسية أقل ما يُقال عنها أنها لا تراعي شيئاً من حقوق الإنسان والإلتزام بالمواثيق الدولية التي أقرّتها بعثات الأمم المتحدة؟ وهل يُعقل أن يتُم التعاطي مع جماعة سياسية تتبنّى الإرهاب وتتستّر عن الجرائم؟
في الجمهورية اللبنانية، هناك سياسة إنتقائية خبيثة وهي بلا شك غوغائية ما بعدها غوغائية وفوضى، لا بل سياسة لا أخلاقية وإنحياز تام للعار السياسي وللتفلُّتْ من القوانين وإنحياز لدول أخرى. ولنا في هذا المجال العديد من الوقائع نخجل ذكرها لسبب واحد لأن (الوسيلة الإعلامية التي تنشر مقالتنا تتمتع بحضور عربي وإقليمي وتُقرأ في كل أنحاء عالمنا العربي والأجنبي ومن المعيب نشر الغسيل الوسخ على صفحات جرائدنا ولكن هذا هو أمر واقعنا المرير). وقائع نخجل من ذكرها هدّمت كل الآمال وأحلام التحرّر والتقدُّم والإزدهار وبناء دولة شعبها يتمتّع بكل مقومات السيادة وحقوق الإنسان… وقائع دمّرت الإنسان اللبناني وتمنع التفكير السليم وتمنع التغيير حتى بالوسائل الديمقراطية.
هشاشة الأوضاع في الجمهورية اللبنانية تُلزمنا العــودة إلى الصفر، وجمهوريتنا هي مُجرّد وجهة نظر ورهينة في أيدي متسلّطي السياسة، الجمهورية بحالتها الراهنة تعاني من تحديات تجمع بين خطــر التدخل الخارجي وخطــر الصراعات الداخلية، لا بل مخاطر صراع لبناني – لبناني، وبالفعل نحن أمام حالة سياسية تشكل ثنائية مشاكل وإنقسامات وخارج يغزّيها وفقاً لمصالحه. جمهورية لبنان تمرُّ في ظرف سياسي خطير يبرز فيه عطب الحكم وأدواته، فلا الرأي العام ومن يُجاريه راضون عن الواقع المرير ولا هما مقتنعان بالتغيير، وهذا الأمر يلزمنا القول «جمهوريتنا تعيش ثنائية مشكلة هذا النظام السياسي الدكتاتوري المخالف لأبسط قواعد الديمقراطية ومعارضة ضعيفة هزيلة تكثُر فيها الرؤوس المهترئة، وقد صحّ قول أحدهم عندما سأل صاحب الغبطة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أحد ضيوفه عن واقع المعارضة «سيّدنا المعارضة متل صحارة البطاطا ملياني روس بس بأغلبيتها مفوخرة ومهرية» مع العفو عمّا ورد على لسان الضيف.
جمهورية تحكمها سياسة إنتقائية قاتلة، لكن في إطار التساؤل عن كيفية الخـــروج من هذه المحنة القاتلة التي نعيشها في جمهوريتنا، هــل هــو دور الفكر هامشيّ في العلاج المطلوب للمرض السياسي اللبناني المزدوج؟ إننا فعلاً نفتقر إلى أفكار بنّاءة لنهوض الجمهورية اللبنانية وطالما نحن في هذه الحالة فسنبقى في حالة الدوّامة القاتلة إلى حين صحوة ضمير كل لبناني.
في خلاصة هذه المقالة أتمنّى من القارئ الكريم ملاقاتنا بزيادة القدرة على ضبط الأوضاع ولكن برشادة أسلوب متنوّر أي ضرورة تنمية جمهوريتنا ضمن معايير الترشيد وفي مقدمتها الإلتزام بحكم القانون وفاعلية المساءلة وضمان الشفافية ومشاركة قوى النخبة في صنع السياسة العامة، وإلّا سنبقى في دوّامة جمهورية تحكمها سياسة إنتقائية قاتلة.