يربط لبنان الأحزمةَ بينما تشتدّ الحربُ على جبهة إسرائيل – قطاع غزة، مُنْذِرةً بما لا يقلّ عن «تغيير شكل الشرق الأوسط»، كما توعّدت تل أبيب، في مقابلِ محاولة «محور المقاومة» إقامةَ «جدار دعْم» يحمي ظهر حركة «حماس» ويثبّت بالحد الأدنى الانتصارَ الباهرَ الذي حققّتْه عملية «طوفان الأقصى» لتثميره في ملف تبادُل الأسرى وترْكه «يفعل فعله» في عناوينَ إقليمية خفيّة لم يَعُد ممكناً فصْل الانفجار الأكبر منذ عقود عنها، وإن كان إمعانُ الإسرائيليين في تفويت فرص معالجة عادلة للقضية الفلسطينية والإصرار على محاولة «خنْقها» شكّل الصاعق النائم الذي تم سَحْبه «في المكان والزمان المناسبيْن».
وفيما كانت إسرائيل تعلن فَرْضَ الحصارِ على غزة التي لفّها زنار دم ونار بالتوازي مع تَوالي إعلان الغرب تعليقَ المساعدات المخصصة للفلسطينيين وتوفير الغطاء لتل أبيب للقيام «بما تراه مناسباً للدفاع عن نفسها»، بقي لبنان على «أعصابه المشدودة» وهو يشهد «تمرين نار» في جنوبه ويتلقى تحذيراتٍ من عواصم القرار من مغبّة جرّه إلى «عين عاصفةٍ» تشي بأن تكون «محرقةً» تَخْرج من بين رمادها وقائع جديدة سترسم وجه المنطقة لعقود.
وعلى وقع مضيّ إسرائيل في استعداداتٍ لمحاولةِ محو «وصمةَ العار» التي لحقتْ بها جراء مَشهدية السقوط المدوّي لـ «الأعجوبة الدفاعية الأمنية الذكية» (الحاجز الفولاذي الذي يطوّق قطاع غزة) وما تلا ذلك من عمليات «سيطرة (على مستوطنات) وأسْرٍ (لنحو 150 بعضهم من جنسيات غربية)» وحصيلة دموية أصابت تل أبيب بالذهول والصدمة، انشدّت «الرادارات» إلى الجنوب الذي شهد غداة «العملية الموْضعية» لحزب الله في مزارع شبعا المحتلة توتّراً هو الأخطر منذ حرب يوليو 2006 مع ما وُصف بأنه «عمليات تسلل مركّبة» نحو الأراضي الإسرائيلية نفّذتها عناصر تابعة لحركة «الجهاد الإسلامي» وأعلنت تل أبيب مقتل عدد منهم في أول عمليةٍ، قبل أن يتم إطلاق قذائف هاون من الجنوب ردّت عليها إسرائيل بغاراتٍ وقصْفٍ قرب مروحين وبلدات أخرى (ما أدى لتضرر عدد من المنازل) واستهداف ما قيل إنه مواقع مراقبة لـ «حزب الله» في منطقة التسلل في القطاع الغربي (لجنوب لبنان)، حيث قتل ثلاثة عناصر من الحزب في جنوب يلدة عيتا الشعب، احدهم هو القيادي عبدالحميد محمود شري.
ومع تَسارُع التطورات الميدانية، التي يخشى أن تتحوّل دراماتيكياً، وسط تسجيلِ اشتباكاتٍ على الحدود بغطاء من الطيران الحربي والمروحيات وسط تقارير عن إصابة 6 جنود إسرائيليين، بينهم 3 بجروح خطيرة، بالتوازي مع دعوة المستوطنين في المطلة وكريات شمونة للدخول فوراً إلى الملاجئ، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية «بأن مجموعة مقاومة مؤلّفة من 4 أشخاص تسللت عند حدود بلدة الضهيرة (قرب مخيم الرشيدية) في القطاع الغربي، واكتُشفوا من موقع العدو الإسرائيلي وحصل اشتباك بين المجموعة وقوات الاحتلال التي قامت بعدها بإطلاق قذائفها المدفعية باتجاه خراج بلدات الضهيرة ويارين والناقورة، كما سُمعت أصوات أبواق الخطر صادرة عن موقع لليونيفيل في بلدة شمع، قبل أن يتجدد القصف وتتسع رقعته إلى عيتا الشعب والعديد من البلدات والقرى في القطاع الغربي».
ولاحقاً، أفادت الوكالة بأن القصف الإسرائيلي تمدد «ليصل إلى مشارف بيت ليف ورميش وعيتا الشعب في قضاء بنت جبيل، والأودية والتلال المحيطة ببلدات شمع يارين ومروحين والزلوطية»، مشيرة إلى «أن الطيران الحربي المعادي كثف طلعاته وعمد إلى إطلاق قنابل حارقة اشتعل على أثرها الحد المحاذي للخط الأزرق في محيط بلدة رامية»، وأن «غارة استهدفت منزلاً خالياً في بلدة الضهيرة».
وكان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي ادرعي أعلن «ورود تقارير عن تسلل عدد من المشتبه فيهم إلى داخل الأراضي الإسرائيلية من داخل الأراضي اللبنانية حيث تنتشر قوات جيش الدفاع في المنطقة»، ليضيف لاحقاً «قواتنا قتلت عدداً من المسلحين الذين اجتازوا الحدود باتجاه الأراضي الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية. كما تشن المروحيات حالياً الغارات في المنطقة».
وقال الناطق باسم قوة «اليونيفيل» أندريا تيننتي في بيان، إن «جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل رصدوا بعد ظهر الاثنين انفجارات بالقرب من بلدة البستان في جنوب غربي لبنان».
وأضاف: «بينما نعمل على جمع المزيد من المعلومات، فإن رئيس بعثة اليونيفيل الجنرال أرولدو لاثارو، على اتصال مع الأطراف المعنية، ويحثهم على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس واستخدام آليات الارتباط والتنسيق التي تضطلع بها اليونيفيل لمنع المزيد من التصعيد والخسائر في الأرواح».
وعزّزت هذه الوقائع الخطيرة المخاوف من انزلاقِ لبنان، بخطأ كبير أو قرار كبير، إلى قلب «حرب أكتوبر 2023»، ولا سيما في ظلّ رسائل عاجلة من دول غربية، ولا سيما واشنطن وباريس، تلقتْها بيروت وحذّرت من توريط «بلاد الأرز» في هذه المعركة.
وبعدما كان المندوب الإسرائيلي لدى مجلس الأمن جلعاد أردان، كشف عن طلب حكومته من «دول عدّة إبلاغ حكومة لبنان بأنّنا سنحمّلها مسؤولية أي هجوم لحزب الله على إسرائيل»، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أنه تابَع الوضع في الجنوب«عبر سلسلة من الاتصالات الدولية والعربية والمحلية، وتلقيه اتصالات من عدد من رؤساء الدول والحكومات في الإطار ذاته»، كاشفاً «أن الاتصالات التي قمتُ بها أكدت حرص الدول الصديقة والشقيقة على بقاء لبنان في منأى عن تداعيات الوضع المتفجر في الأراضي الفلسطينية، وحمايته».
وكان وزير الخارجية عبدالله بوحبيب أكثر وضوحاً بقوله بعد لقاء ميقاتي «نحن لا نريد أن يدخل لبنان في الحرب الدائرة، ونسعى لذلك، ويقوم رئيس الحكومة باتصالات كثيرة وان شاء الله خيراً، وكل الأطراف الدولية تدعونا أيضاً لعدم الدخول في الحرب، وهذا هو موقف لبنان».
وإذ لم تُعِر أوساط سياسية اهتماماً للموقف الرسمي اللبناني في ضوء إقرار الجميع في الخارج بأن قرار الحرب والسلم ليس في يد الدولة، وإن كانت رأت في تحذيرات الدول لبيروت تحميلاً ضمنياً لها للمسؤولية عما قد يقوم به «حزب الله» تحت عنوان «وحدة الساحات»، فإن مصادر على بيّنة من خيارات الحزب قالت لـ «الراي» إن الأخير لا يقيم وزناً لأي اعتبارات داخلية، كما أنه يدير «الأذنَ الطرشاء» لـ «تمني» الوسطاء من الدول الغربية الالتزام بما يسمى «الهدوء»، أي إدارة الظهر لِما يجري في الداخل الفلسطيني.
ورأت المصادر أن الميدان وحده يُمْلي على «حزب الله» تحديد خياراته في البقاء على جهوزيته أو التدخل في إطار وحدة الساحات، مشيرة إلى أنه في حال طلبت «حماس» المساندة، فالحزب لن يتردّد كما سواه من أطراف محور المقاومة.
وذكرت تقارير محدودة التداول أن الجيش الإسرائيلي الذي شاهد بـ «أم العين»، «وحدات الرضوان» منتشرة على الجانب اللبناني من الحدود، زجّ بالمزيد من قواته على الجبهة الشمالية تحوطاً للمفاجآت وسط حال استنفار شبيهة بالتدبير الرقم 3.
وكانت مؤشراتٍ مُقْلِقة أطلّت مما نقلته «وول ستريت جورنال» عن أن مصر «حذّرت المسؤولين الإسرائيليين من أن الغزو البري لغزة سيؤدي إلى رد عسكري من حزب الله»، بالتوازي مع كشْفها أنّ مسؤولين أمنيين إيرانيين ساعدوا في التخطيط لهجوم «حماس» المفاجئ على إسرائيل، وأعطوا «الضوء الأخضر» للهجوم في اجتماع عُقد في بيروت الاثنين الماضي، مؤكدة وفق أعضاء كبار في الحركة و«حزب الله»، أنّ «ضبّاطاً من الحرس الثوري تَعاونوا مع حماس منذ أغسطس الماضي في التخطيط لعملية التوغّل داخل الحدود الإسرائيلية برّاً وبحراً وجواً، في الهجوم الذي يُعدّ أكبر خرق لحدود إسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973».
وأضافت «أنّه تمّ تنقيح تفاصيل العملية خلال اجتماعات عدّة في بيروت حضرها ضباط في الحرس الثوري الإيراني وممثّلون عن أربع جماعات مسلّحة مدعومة من إيران، بما في ذلك حماس بالإضافة إلى حزب الله»، وأن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إسماعيل قاآني حضر بعض تلك الاجتماعات إلى جانب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، والأمين العام لـ«الجهاد الإسلامي» زياد النخالة، والقائد العسكري في «حماس» صالح العاروري، وأنّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان حضر اجتماعَين على الأقل أيضاً.