وبعد أن كانت المواقف الرسمية للحكومة اللبنانية منسجمة مع مطالب المجتمع الدولي بتطبيق القرار 1701 عاد ميقاتي ليتبنى ما أعلنه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله لناحية الربط بين جبهتي جنوب لبنان وقطاع غزة عبر الإعلان أن “الحديث عن تهدئة في لبنان فقط أمر غير منطقي، وانطلاقاً من عروبتنا ومبادئنا نطالب بأن يصار في أسرع وقت ممكن إلى وقف إطلاق النار في غزة بالتوازي مع وقف إطلاق نار جدي في لبنان”. وبعد أن صرح أكثر من مرة بأن قرار الحرب والسلم في لبنان هو لدى “حزب الله” وليس لدى الحكومة، برز أيضاً تبدل في موقفه، إذ قال أخيراً “إن قرار الحرب والسلم هو في يد الحكومة اللبنانية”، مما طرح تساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى انقلابه على مواقفه.
الجبهات الأربع
وبحسب المعلومات فإن سبب التغيرات في مواقف ميقاتي مرتبط بضغوط إيرانية تمارس عبر “حزب الله”، إذ باتت إيران تربط “الجبهات الأربع” في لبنان وغزة واليمن والعراق بالمفاوضات مع المجتمع الدولي، في حين تتشدد الولايات المتحدة والغرب بفصل الملفات عن بعضها والتعامل مع كل منها بصورة منفصلة، الأمر الذي دفع ميقاتي إلى تغطية موقف الحزب بالتستر خلف “البعد العربي” لربط ضبط الأوضاع في جنوب لبنان بحرب غزة والتسوية الإقليمية.
ويبدو أن موقف ميقاتي أثار تساؤلات عدد من سفراء الدول المشاركة في قوات الطوارئ الدولية “يونيفيل” في جنوب لبنان، إذ تؤكد المعلومات أن تلك السفارات أجرت اتصالات مع ميقاتي وعدد من الوزراء لاستيضاح دوافع رئيس حكومة تصريف الأعمال، وما إذا كان هناك تغيير في الموقف الرسمي اللبناني المعلن لتلك الدول.
الخط الرمادي
ووفق نائب معارض في البرلمان اللبناني (طلب عدم ذكر اسمه)، فإن حكومة ميقاتي ليست سوى أداة في يد “حزب الله” وهي في الأساس متماهية تماماً مع الحزب، موضحاً أن “التمايز” المؤقت لم يكن سوى تبادل أدوار منسق بينهما، معتبراً أن الحكومة ليست سوى واجهة “شرعية” للحزب يستخدمها في مخاطبة الرأي العام العربي والدولي. وفي رأي النائب ذاته فإنه تمت إزالة الخط الرمادي الذي كان يفصل بين “حزب الله” والحكومة اللبنانية منذ انتخاب الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون، إذ باتت الحكومات اللبنانية المتعاقبة خاضعة تماماً للحزب وبياناتها الوزارية جزء من استراتيجية الحزب للسيطرة على لبنان.
وأشار الى أن لدى ميقاتي طموحاً بالعودة إلى رئاسة الحكومة بعد انتخاب رئيس للبلاد، وتماهيه مع “حزب الله” هو محاولة لتجديد الاسترضاء وتقديم أوراق اعتماد لتكليفه رئاسة الحكومة مستقبلاً.
عقلانية “حزب الله”
في المقابل يوضح مصدر وزاري مقرب من رئيس الحكومة أن “ميقاتي يحاول تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية”، نافياً أن يكون هناك من يملي عليه القرارات والمواقف، أو أن تكون مواقفه منحازة إلى “حزب الله”، مشدداً على أن “الحكومة تعمل لمصلحة اللبنانيين، وليس لأي جهة داخلية أو خارجية”. ولفت إلى أن تصريحاته حول “الربط بين هدوء جبهة الجنوب وإيجاد تسوية لضبط التوترات وبين وقف إطلاق النار في غزة تعكس واقعية الأمور”، كاشفاً عن أن “ميقاتي نقل رسائل عدة من الحزب للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتين الذي لمس مرونة من جانب (حزب الله)”، مؤكداً أن “الحزب منفتح على النقاش وأنه يتصرف بعقلانية وبحسابات دقيقة”.
تناقض ميقاتي
ويشير الصحافي بشارة شربل إلى أن وجهة نظر ميقاتي باتت تتطابق مع سياسة “حزب الله” الرافضة فصل مسار الحرب في غزة عن مسار “المشاغلة” في جنوب لبنان، معتبراً أن “مواقف ميقاتي الأخيرة ألغت هامش المناورة للحكومة اللبنانية”.
وفي رأي شربل فإن “ضغوطاً مورست على ميقاتي للتراجع عن تصريحاته السابقة المتمايزة عن الحزب”، مشيراً إلى أن “كلام ميقاتي في السابق كان يعبر عن رغبة بالتعاون مع المجتمع الدولي وتطبيق القرار 1701 والتفاوض لحل النزاع”، لافتاً إلى أن “التغيير في الموقف أتى بعد لقائه الموفد الأميركي آموس هوكشتين الذي أبلغ ميقاتي أن الحل الدبلوماسي يبدأ مع انسحاب الحزب الى شمال نهر الليطاني” في جنوب لبنان.
البيان الوزاري
في المقابل تنفي مصادر مقربة من “حزب الله” ممارسة أي ضغوط على الحكومة لتغيير موقفها، معتبرة أن “الحزب جزء من الحكومة اللبنانية، ولا يمكن الفصل بينهما”، ومشددة على أن البيان الرسمي للحكومة اللبنانية يعطي الحزب الحق في حماية لبنان، ومن ثم فإن مواجهة إسرائيل في الجنوب “شرعية”.
من جهته، صرح عضو كتلة “حزب الله” البرلمانية النائب حسين الحاج حسن بأن “العمليات ضد إسرائيل بكونها إسناداً للشعب الفلسطيني، وأن الموقف الرسمي للحزب هو أنه لا نقاش حول أي موضوع يتعلق بلبنان قبل وقف الحرب على غزة”، مشدداً في الوقت ذاته إلى أن الحزب جزء من الحكومة اللبنانية”. وذكر بوجود “معادلة بين الجيش والشعب والمقاومة وبيان وزاري يؤكد ذلك”.