وبحسب المعلومات تعمل قيادة الحزب على التنسيق بين المجموعات التي تحمل مشاريع فيدرالية لتوحيد جهودها والتوافق على مشروع موحد يجمع بين جميع الطروحات، إذ سيعلن الحزب تبني المشروع خلال فبراير (شباط) المقبل، والسعي إلى حشد تأييد حزبي ونيابي حوله.
دعوة قديمة
يعود الحديث عن “الفيدرالية” في لبنان إلى مرحلة الحرب الأهلية، حين كانت الانقسامات بين أحزاب يسارية وإسلامية تدعم ما تعتبره “المقاومة الفلسطينية” في البلاد وأحزاب “الجبهة اللبنانية” التي ترفض ما تعتبره “هيمنة الفلسطينيين”، حينها تعالت أصوات معظمها من النخب المسيحية تطالب بـ”الفيدرالية”، في حين ذهب البعض إلى طرح التقسيم كحل لوقف الحرب الأهلية، معتبراً أن التخلص من سيطرة “المقاومة الفلسطينية” ونفوذها بات مستحيلاً.
وطوال السنوات الماضية بقي تداول فكرة تحويل النظام اللبناني من نظام مركزي إلى فيدرالي، إذ يرى مؤيدو الطرح أن النظام الحالي لا يلائم التركيبة اللبنانية، معتبرين أن الفراغ الذي يحصل مع انتهاء كل ولاية رئاسية والذي يستمر أحياناً لأكثر من سنتين، إضافة إلى معضلة تشكيل الحكومات التي تستغرق أكثر من سنة، والإشكالات التي تواجه تعيين كبار الموظفين، دليل على فشل بنيوي في نظام لا يناسب مصلحة اللبنانيين.
تفكيك الحكم المركزي
وفي السياق يشير متخصص العلوم السياسية في جامعة كلاريمونت – كاليفورنيا هشام بو ناصيف، إلى أن تبني “الفيدرالية” بشكل أساس بدأه ناشطون مسيحيون، يعكفون منذ سنتين في الأقل على نشر كتب ووضع دراسات لعلها تكون الأكثر جدية من وجهة نظر أكاديمية، لافتاً إلى أنه مقابل اكتفاء الأحزاب بالشعارات الكبرى وشد العصب، يركز “الفيدراليون” على صراع الأفكار، ونشر المقالات والكتب، وصناعة رأي عام مؤيد لأفكارهم، لافتاً إلى أنه “حتى الساعة فإن جهودهم مثمرة على مستوى الرأي العام، خصوصاً في الوسطين المسيحي والدرزي”.
وأضاف بو ناصيف “ربما يكون جوهر التفكير الفيدرالي هو أن الطوائف اللبنانية بمثابة شعوب صغيرة تشكل الشعب الكبير مثل سوريا والعراق”، مشيراً إلى أن نظام الحكم المركزي يضع هذه الشعوب في صراعات دائمة مع بعضها بعضاً للسيطرة على موارد السلطة وسياساتها الخارجية وسياساتها الثقافية.
ووفق رأي الخبير السياسي فإنه “بمقدار ما نفكك الحكم المركزي ونسمح للمكونات بالإدارة الذاتية، بمقدار ما نقترب من اجتراح مشروع حل يقلل من الصراعات المستمرة، ويسمح بإدارة التنوع بعيداً من الحروب الأهلية الدائمة”، مشدداً على أن نقاط قوة الطرح الفيدرالي عديدة، أهمها أنه ينظر إلى الواقع المجتمعي ويكيف الطرح معه، بدلاً من أن يضع طرحاً ويتوقع أن يتكيف الواقع معه، وفي المقابل يصطدم الطرح بنية “حزب الله” السيطرة على كل لبنان، ثم إن الكنيسة المارونية لا تتبناه، لافتاً إلى أن “الطريق أمام الفيدراليين طويلة، ولكن تأييد طرحهم يتسع”.
عابر للطوائف
بدوره يكشف الأمين العام لـ”المؤتمر الدائم للفيدرالية” ألفرد الرياشي أن حوارات عديدة عقدت بين مؤيدي الطرح الفيدرالي مع مختلف القوى السياسية، لكن حتى الآن لم تتبن الأحزاب الكبرى رسمياً هذا الطرح على رغم التأييد الضمني لبعضها مثل “القوات اللبنانية” وحزب “الكتائب”.
وشدد الرياشي على أن حزب “الوطنيين الأحرار” الذي أعلن تبنيه مشروع “الفيدرالية” كان من أوائل الداعمين لهذه الصيغة، إذ كان رئيس الجمهورية الأسبق الراحل كميل شمعون من داعمي هذا الطرح في فترة معينة مع بداية الحرب اللبنانية، وكذلك “رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الأسبق كمال جنبلاط الذي دعا بدوره إلى هذا الطرح في 1956 من خلال ما عرف حينها بالندوة اللبنانية”.
وأشار الأمين العام لـ”المؤتمر الدائم للفيدرالية” إلى أن رئيس الجمهورية الأسبق ميشال عون كان من مؤيدي الفيدرالية قبل أن ينتخب رئيساً للجمهورية في 2016، لافتاً إلى أن الطرح الفيدرالي يحظى بتأييد عند جميع الطوائف وليس فقط عند المسيحيين، كاشفاً عن أن حزبه المؤتمر الفيدرالي يضم مجموعات من طوائف مختلفة سنية وشيعية ودرزية ومسيحية.
حماية الشيعة
بدوره يرى رئيس “الائتلاف الوطني اللبناني” يوسف شمص أن لبنان يواجه تحديات وتقلبات عدة منذ تأسيسه قبل أكثر من 100 عام، مشيراً إلى أن النظام “الفيدرالي” هو الحل الوحيد للحفاظ على التوازن بين المكونات الطائفية والتعددية في البلاد.
ولفت شمص إلى أن النظام الفيدرالي هو الوحيد القادر على الحفاظ على المكون الشيعي من التقلبات في موازين القوى، كونه يؤمن العدالة والمساواة من خلال تمكينه من التشريع المحلي من دون الوقوع تحت تأثير السلطة المركزية التي ستبقى دائماً خاضعة للطرف الأقوى.
وفي رأيه النظام المركزي القائم حالياً يؤدي كل سنوات عدة إلى بروز قوة طائفية معينة تطغى على باقي الطوائف وتعزز الصراعات السياسية بين مكونات المجتمع اللبناني، وتنعكس تعطيلاً على المؤسسات وشللاً في المرافق العامة.
فيدرالية الطوائف
من ناحيته يعتبر الباحث في الأنظمة السياسية والقانون الدستوري سليم زخور أن النظام اللبناني قائم أصلاً على أساس “فيدرالي”، عبر “تكريس الطائفية والمذهبية على أنها مكونات سياسية لكل منها حصة في الحكم والمواقع الرسمية في الدولة”.
وأشار زخور إلى أن النموذج السائد هو عبارة عن “نسخة مشوهة” من الفيدرالية، كونه يتجاهل الاختلافات الأساسية بين هذه المكونات، مما يؤدي إلى خلافات مستمرة، مضيفاً أن “الفيدرالية ليست حلاً بالمطلق، لكنها بالتأكيد مسار طبيعي نحو تنظيم وإدارة التعددية في لبنان وصولاً إلى نظام سياسي صحي”.
وأضاف الباحث القانوني أن “النظام الحالي في لبنان يسمح للأحزاب السياسية باستغلال ثغرات لتحويل اللعبة السياسية إلى مذهبية وطائفية”، موضحاً أنه يمكن للنظام الفيدرالي تجاوز هذا الاستغلال عبر إعطاء هامش من الاستقلالية للمكونات في الوحدات الفيدرالية لتحديد خياراتها، وعبر آليات دستورية جديدة مختلفة عن آليات النظام الحالي لاتخاذ القرار على مستوى السلطة الاتحادية.
النموذج القبرصي
في مقابل الطرح “الفيدرالي” هناك من يعتبر أن الإشكالية في لبنان ليست مرتبطة بالنظام، إنما بهيمنة “حزب الله” المدعوم من إيران بالمال والسلاح والنفوذ الإقليمي، ومن ثم برأي هؤلاء أن على اللبنانيين العمل على تحرير الدولة من السيطرة الحزبية وإعادة تفعيل المؤسسات وفق قواعد الدستور، أو الذهاب إلى خيار أكثر تطرفاً من “الفيدرالية” وهو “التقسيم” إلى دولتين إحداهما تبقى خاضعة لـ”حزب الله” وأخرى محررة تخضع لسيادة القانون وتعيد تصحيح العلاقات مع المجتمعين العربي والدولي، مستندين إلى نموذج جزيرة قبرص المقسومة إلى جزءين تركي ويوناني.
ومنذ مدة نجح ناشطون لبنانيون في الولايات المتحدة في تحويل فكرة المنطقة الحرة إلى مشروع قانون تبناه أعضاء في الكونغرس الأميركي، إذ يتضمن إقامة منطقة خالية من الميليشيات المسلحة ما بين بيروت الإدارية والحدود الشمالية، وتشمل جبل لبنان وطرابلس وعكار، وتكون تحت حماية الجيش اللبناني وقوى الأمن، وضمنها يكون مقر رئاسة الجمهورية والحكومة والمصرف المركزي، وكذلك يتم فتح مطارين مدنيين في “القبيات” و”حامات” قرب البترون (شمالاً)، ويشرف الجيش على تأمين مرفأي بيروت وطرابلس.
في المقابل يعتبر آخرون أن تطبيق اتفاق الطائف بروحيته الأساسية وبكامل بنوده يعالج الخلل القائم في هيكلية النظام، إذ برأيهم أن الطائف هو النموذج الأفضل للبنان، إلا أنه منذ إقراره تم تشويه تطبيقه واستنسابية في انتقائية بنوده، مما أفرغه من مضمونه الحقيقي، ولا سيما البنود المتعلقة بتسليم الميليشيات سلاحها للدولة، واعتماد اللامركزية الموسعة إضافة إلى إلغاء الطائفية السياسية.