حتى أوان عودة الموفد الأميركي توماس باراك إلى لبنان في غضون أسبوعين أو ثلاثة، حاملا الرد الأميركي على الورقة اللبنانية الرسمية، سيكون الترقب والانتظار عنواني المرحلة في لبنان، لاسيما في ظل ما تحتمل المواقف المعلنة للمبعوث الأميركي من تأويل وتناقض حد ضياع من يرصدها ويتابعها. وكان بلغ التأويل حدا متقدما حين أعلن باراك في أحد تصريحاته الصحافية أنه «إذا لم يحل لبنان قضية سلاح حزب الله، فقد يواجه تهديدا وجوديا ويعود إلى بلاد الشام»، قبل أن يعود ويوضح ما قصده بعد ردود لبنانية عليه عنوانها أن «لبنان لا يزول» (الكلام لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل) وموقعه ليس للنقاش لا اليوم ولا غدا وهو محدد ومتجذر بشعبه وجغرافيته وليس تابعا لأحد، فقال إن «تصريحاته كانت إشادة بالتقدم الملحوظ الذي تحققه سورية، لا تهديدا للبنان».
في أي حال، فإن بعض المراقبين قرأوا في تصريحات باراك وفي ثناياها ما هو أقرب إلى التحذير منه إلى التهديد، وبالتالي المضي في مضاعفة الضغط الأميركي على لبنان ليحذو حذو سورية في سرعة خطواتها نحو السلام وحتى التطبيع، وإلا فسيكون لبنان خارج «الشرق أوسط الجديد» الذي تريده الولايات المتحدة، وحينها وعلى ذمة التحذيرات الأميركية سيترك لبنان لقدره.
تصريحات باراك كانت محور ردود في الداخل، قوية وحادة من فريق معين، ومتفهمة من فريق آخر، من دون التفريط بالكيان اللبناني، وبينها موقف لرئيس حزب «القوات اللبنانية» د.سمير جعجع جاء فيه: «إن تصريح الموفد الأميركي إلى سورية ولبنان توماس باراك هو برسم السلطة والحكومة اللبنانية. من الواضح والجلي أن السياسة الدولية برمتها بالتقاطع مع شبه إجماع عربي، بصدد ترتيب أوضاع المنطقة لإخراجها من الأوضاع التي كانت قائمة في بعض دولها، بهدف الوصول إلى دول طبيعية بدءا من إيران وليس انتهاء بحزب العمال الكردستاني في تركيا.
إن السياسة الدولية لا تتحمل الفراغ، وأي دولة تعجز عن ترتيب أوضاعها وإعادة الانتظام لدستورها ومؤسساتها وأعمالها كدولة فعلية، ستكون خارج السباق وعلى هامش التاريخ.
إذا استمرت السلطة، ومن خلالها الحكومة اللبنانية، في ترددها وتباطؤ قراراتها وتثاقل خطواتها فيما يتعلق بقيام دولة فعلية في لبنان، فإنها ستتحمل مسؤولية ان يعود لبنان الوطن والدولة في مهب الريح من جديد. في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعندما وجدت السياسة الدولية ان دولة الطائف التي نشأت في لبنان بعد الحرب الأهلية كانت قاصرة، تم تلزيم لبنان لسورية الأسد، فهل تعيد الحكومة والسلطة الكرة من جديد وتدفعان السياسة الدولية والعربية إلى تلزيم لبنان لأحد ما انطلاقا من القصور الذي تظهره الدولة اللبنانية؟، ان الأيام التي نعيش مهمة ودقيقة ومصيرية جدا، وأي تماد في التقصير بنقل لبنان إلى وضع الدولة الفعلية من قبل السلطة والحكومة اللبنانية يمكن ان يعيدنا عشرات السنوات إلى الوراء، إن لم يكن أخطر وأسوأ من ذلك.
على السلطة اللبنانية ان تحزم أمرها في أسرع ما يمكن، وان تتخذ الخطوات العملية المطلوبة من أجل تحويل لبنان إلى دولة فعلية تشكل وحدها الضمانة للمجموعات اللبنانية كلها، وإلا ستبقي لبنان ساحة وتعرضه للاستباحة من جديد».
فيما قال الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال سليمان: «يتعين على الدولة اللبنانية أن تتعامل بجدية مطلقة مع التحذير الذي أطلقه توماس باراك، على افتراض انه لم يصدر من فراغ، وأن تبادر على الفور إلى استيضاح الموفد الرئاسي الأميركي بشأن تصريحاته المتعلقة بإعادة لبنان إلى إطار بلاد الشام.
وفي حال اقتضت التوضيحات ذلك، ينبغي الشروع في مقاربة ديبلوماسية نشطة وواضحة، تتوجه إلى كل من الجمهورية العربية السورية، وجامعة الدول العربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، إضافة إلى منظمة الأمم المتحدة، وفي طليعتها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن».
تصريحات باراك أعادت إلى ذاكرة اللبنانيين ما واجهته السلطة اللبنانية الرسمية منذ سبعينيات القرن الماضي مع الموفدين الأميركيين، وفي طليعتهم السفير دين براون، الذي خير المسيحيين بركوب البواخر والهجرة إلى الأميركيتين في بداية الحرب الأهلية. وقد جوبه بالرفض من قبل رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية، الذي رد بقسوة على طرح الموفد الأميركي.
بعدها في 1988، عرض السفير ريتشارد مورفي في أثناء محاولة تسويقه لرئاسة الجمهورية اسم نائب عكار الراحل مخايل ضاهر على الرئيس أمين الجميل والبطريرك الماروني الراحل الكاردينال نصرالله صفير معادلة «مخايل ضاهر أو الفوضى»، في محاولة لترجمة اتفاقه مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
وكان الرفض اللبناني، الذي أسفر فراغا رئاسيا وإدارة البلاد من قبل حكومتين، إحداهما عسكرية برئاسة العماد ميشال عون، وصولا إلى اتفاق الطائف في 1989، وتطبيقه فعليا في 13 أكتوبر 1990 بعد إطاحة العماد عون من قصر بعبدا بعملية عسكرية سورية.
وفي ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، علمت «الأنباء» ان رئيس الجمهورية كرر أمام سائليه استعداد لبنان لحل قضية الموقوفين والمحكومين السوريين ضمن الأطر القانونية، وهذا الأمر قد بدأ فعلا. إلا أن الرئيس عون شدد على رفضه إطلاق سراح من قاتلوا الجيش اللبناني أو نفذوا عمليات إرهابية في لبنان.
على صعيد آخر، يتحول مقر مجلس النواب غدا إلى ساحة مواجهة سياسية، يتخللها نقاش حاد خلال جلسة مناقشة الحكومة التي دعا إليها الرئيس نبيه بري. والجلسة قبل الظهر وبعده، ما يعني أنها ستشهد نقاشات موسعة.