يَمْضي لبنان في الفراغِ الرهيبِ مع إطفاء شَمْعَةِ الشهر الخامس عشر لخلوّ الرئاسةِ في الجمهوريةِ المظلومةِ والمصابةِ بلعنةِ احتجاز تَداوُلِ السلطة، بعد الإمعان في خطْفِ استحقاقِ المنافسةِ على الكرسيّ الأول للمرة الثالثة على التوالي، وكأن ثمةَ إرادةً في مكانٍ ما لنحْر التجربة الديموقراطية (على عِلّاتها) التي غالباً ما فاخَرَ بها الوطنُ الصغيرُ على امتداد مئويته الأولى.
قبل نحو سبعة أشهر، أي في يونيو 2023 حُرم لبنان من استعادةِ واحدةٍ من العلامات الفارقة المُشْرِقة في تاريخه حين أُجهضتْ عمليةُ المنافسةِ البرلمانية على انتخابِ رئيسٍ في جلسةٍ لو قُيِّدَ لها سلوكُ الآليات الدستورية لَكان للجمهورية رئيس اسمه جهاد أزعور الذي كسب الجولةَ الأولى بأصواتِ ائتلافٍ نيابي عريض وَجَدَ فيه الرجلَ المُناسِب.
لا يروق لأزعور القول إنه «الرئيس مع وقْف التنفيذ»، فهو يسلّم بالواقع السياسي واللا دستوري من دون أن يستسلمَ له ومن دون أن يحيدَ عن اقتناعاته. فالأسبابُ الموجبةُ التي دفعتْه للترشح تزداد رسوخاً مع تَعاظُم التحدياتِ التي تواجه لبنان المتعثّر في منطقةٍ مشتعلةٍ، ولذا فإنه ماضٍ في المنافسة.
ورغم أن مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي لا يهوى الضوضاءَ ومُقِلٌّ في الكلام المباح حول الاستحقاق الرئاسي المعلَّق بفعل أجنداتٍ داخلية وخارجية، فإنه في حِراكٍ دائم. لم يقفل أبوابَ الحوار مع أحد، ولبنان حاضِرٌ في يومياته وأسفاره، في التزامِه الوطني وفي مقارباته العِلْمية وفي… لبنانيته الصافية.
بعد جلسة الانتخاب الشهيرة في 14 يونيو الماضي وجعْل الملف الرئاسي كأنه في «وقتٍ ضائع»، كان أزعور في طيرانٍ دائمٍ، من القمة العالمية للمناخ في دبي، والاجتماعات المالية السنوية للصندوق والبنك الدولييْن في المغرب، والقمة الاقتصادية والاستشارية F11 في الرياض، إلى المنتدى العربي الإستراتيجي في دبي، ومؤتمر إطلاق برنامج النمو التشاركي للمنطقة في القاهرة.
وغالباً ما كان يلتقي المرشّحُ الرئاسي، في زياراته لعواصم في الجهات الأربع من العالم، باللبنانيين التوّاقين لخلاصِ بلادهم من فم المحنة الكبرى… دردشاتٌ وأحاديث وحوارات وتَبادُل أفكار، رصدتْها «الراي»، مع مَن كان يُصْغي إليهم ويُصْغون إليه، كما كان الحال في زيارته الأخيرة للسعودية والإمارات ومصر والمغرب والكويت والبحرين والأردن والجزائر وأرمينيا وكازاخستان، كأنه منتدى جوّال للبنان وحوله.
مَن التقاهم أزعور يقولون إنه غالباً ما يتحدّث عن أن المسار الذي قاده إلى الترشّحِ لرئاسة الجمهورية يستند إلى ركيزتيْن:
الأولى حاجةُ لبنان إلى عمليةِ نهوضٍ من الكبوة التي تنتابه، بالتوازي مع عمليةِ معاودةِ بناءِ الثقة مع محيطه ومع العالم، وهو ما يجعل الانتخابات الرئاسية فرصةً لمَن ينبغي أن تتوافر فيه المواصفاتُ لهذه المهمة.
فالرئاسةُ في رأيه ليست هدفاً في ذاته، وتالياً فإن هذه المقاربة هي التي تشكل فارقاً بينه وبين الآخَرين.
والركيزةُ الثانية أن ثمة قوى داخلية، ممثِّلة وذات شرعية، متنوّعة ووازنة في الوقت عيْنه، التقتْ على تسميةِ شخصٍ (أزعور) لا ينتمي إليها، ويُعتبر من المعتدلين في طائفته ومن المنفتحين جداً على الآخَر، ولا يشكل جزءاً من الصراع إنما هو جسرُ عبورٍ مزدوج: نحو إرساء عمليةِ انفتاحٍ وتَعاوُنٍ في إطار فكرٍ جديد من جهة، والانتقال من المقاربات التصادمية إلى رحاب مقارباتٍ أكثر عقلانية من جهة أخرى، فمسائل من هذا النوع مفصليةٌ – بحسب أزعور – الذي يرى فيها مدخلاً لخلاص لبنان.
ورغم أن المجالس بالأمانات، فإن ما من أسرار يُخْفيها أزعور أمام محدّثيه عندما يعيد رَسْمَ المعطيات التي دفعتْ بقوى سياسية متنوّعة ومتنافرة أحياناً إلى الاتفاق على ترشيحه.
تلك القوى استطاعتْ التوافقَ على مَخْرجٍ من المأزق ومن شأنه أن يؤدي إلى الحلّ. اختارتْ الشخصَ الذي يمكن أن يكون الأكثر قبولاً عند الطرف الآخَر… مؤمنٌ باتفاق الطائف، منفتحٌ، مسيرتُه المهنيةُ مستقلةٌ ويتمتع بالمهنية وبالمعرفة السياسية في الوقت عيْنه.
وما شجّعه على الإقدام على الترشيح هو الخلْطةُ السياسيةُ ذات النكهة اللبنانية الجميلة. فأزعور الذي لا يبالغ حين يُنقل عنه أن القوى الوازنة التي دعمتْه كانت لديها غالبية برلمانية، يوحي بأنه لو استُكملت الانتخابات لكانت أوصلتْه رئيساً.
توافق مسيحي عريض
فهو حظَيَ بتوافقٍ مسيحي عريض (نظراً لأن موقع رئاسة الجمهورية ماروني) وبرعايةٍ من أعلى مرجعيات روحية، والأهمّ أن هذه الخلْطة لم تكن مسيحيةً صافيةً، إذ كان فيها نوابٌ مستقلون وتغييريون، إضافة إلى كتلة النائب السابق وليد جنبلاط.
الأهدافُ التي دفعتْ أزعور لدخولِ المنافسةِ في جلسة يونيو من الباب العريض، مازالت قائمةً أكثر من أيِّ وقت.
فهو على اقتناعٍ بأن البلادَ مازالت بحاجةٍ إلى رئيسٍ يكون جسرَ عبورٍ بين اللبنانيين وبين لبنان والمستقبل وبينه وبين محيطه العربي والعالم، وأن تكون الانتخاباتُ مدخلاً لمعاودةِ انتظامِ العمل السياسي حيث القوى السياسية اللبنانية هي التي ينبغي أن تختار مستقبلَها ومصيرَها.
وما يُنقل بالتواترِ عن أزعور يعكس أنه شديد التمسكِ بهذه المقاربة التي تمّ اختبارُها في جلسة الانتخابات في يونيو.
إذ إنه كان منسجماً مع نفسه حين دعمتْه قوى سياسية لبنانية من دون أيِّ تدخلٍ خارجي، بعدما توصّلتْ إلى اتفاقٍ في ما بينها من خلال حوارٍ سياسي حضاري على غرار ما يحصل في كل دول العالم، وفي ضوئه قَبِلَ الدخولَ في المنافسة انطلاقاً من أنها شريفة وديموقراطية.
فرغم كل الكلام الذي قيل بحقّه والهجمات التي تَعَرَّضَ لها والافتراءات التي سيقت ضده، فهو لم يترك لمشاعره أن تتخطى للحظةٍ مقاربتَه للمشكلة والحلّ.
ومَن يعرف أزعور عن كثبٍ لا يتردّد في القول إنه يعتبر تحويلَ رئاسة الجمهورية جائزةَ ترضيةٍ في أي تسويةٍ أو مقاربة جزئية أو جعْلها انعكاساً لتطوراتٍ إقليمية «خطأ كبيراً، فهذا ما عشناه منذ العام 1990 وحتى اليوم، إذ عندما حوّلنا تطبيقَ اتفاق الطائف جزءاً من تسويةٍ إقليمية اهتزّ النظامُ ولم تخرج البلاد من الأزمات تلو الأزمات».
ويؤكد «عام 2005 وكذلك في 2008 تم التعاطي مع الملف الرئاسي كجزءٍ من تسوية فاضرّرنا بمستقبل لبنان. وليس خافياً أن مَن يعطي شرعيةً لأي رئيسٍ يأتي، ولأي مُنافِسٍ هي المعادلةُ السياسية – الديموقراطية، بمعزلٍ عن الربح والخسارة، أما البقاء في الممارسة السيئة، فهذا يعني أن الأسوأ ينتظرنا».
في المكاشفاتِ التي لا بدّ منها في دردشاتٍ، وعلى الواقف أحياناً مع المرشح الرئاسي «الأوفر أصواتاً» بحُكْم تجربةِ الجلسة الجدّية الوحيدة التي عُقدت قبل سبعة أشهر ونيف، يُسأل أزعور عن سرِّ «التوافق الناقص» حوله في ضوء موقف الثنائي الشيعي المناهض له… وسريعاً يُصوِّب النقاشَ لأن في رأيه التنافس السياسي الانتخابي لا يعني انقساماً «وقواعدُ انتخاب رئيس الجمهورية واضحةٌ في الدستور»، وتالياً فهو بحُكْم مواقفه وعلاقاته ليس بعيداً عن كل الأطراف بمَن فيهم مَن كانوا المعُارِضين الشَرِسين له، أي الثنائي الشيعي… يختلف بالسياسة ويتوافق بالسياسة. يحاول الإقناعَ بالحجةِ لا بفرْض آرائه على الآخَرين، ولا يغيّر من آرائه لأي مصلحة.
منفتح على الجميع
كان قبل الانتخابات، وبقي معها، واستمرّ بعدها، منفتحاً على الجميع ويلتقي الجميع بدءاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري والآخَرين.
من الأصول والقواعد التي ينبغي أن يعاد بناؤها أن الاختلافَ السياسي ليس مدخلاً لحربٍ أهليةٍ أو صِدامٍ وأن المنافسةَ لا تعني انقساماً.
إنها من المعادلات التي يحرص أزعور على ترسيخها وتعميمها كواحدةٍ من قواعد العمل السياسي، وتالياً هو وبعقلانيته المعهودة يقارب المعركةَ التي خيضت في وجهه والتي كانت تتطلب من الآخَرين شدَّ العصَب لتبرير عدم انعقاد الدورةِ الثانية وعدم السماح للجلسة الانتخابية بالاستمرار «إذ لا يمكنهم قول: لأن مرشّحَنا لن يتمكن من الفوز أوقفْنا الانتخابات».
لم يَعتبر أزعور يوماً أنه تَرَشَّحَ من منطلقِ تحدي أو أنه من فريق. والقوى السياسية التي دعمتْه مازالت تقول إنها تَلاقتْ على هذا الاسم وتَقاطَعَتْ عليه. ويُفاخِرُ بأنّ «أحداً لم يَقُلْ إنه كان لديه برنامج واتفق مع جهاد أزعور عليه أو طلبنا منه أن يلتزم به.
ومرّت أكثر من سبعة أشهر ولا أحد يمكنه القول إن هناك أيَّ التزامٍ منه لأي طرفٍ سياسي على برنامجٍ ما أو على قضايا صغيرة أو كبيرة. فالقوى السياسية كان لها اقتناعٌ واحدٌ ومحورُه أننا ندعم شخصاً يمكن أن يكون عنوانَ هذه المرحلة ويُناسِب ما تحتاج إليه البلاد».
أسير سلةٍ!
وثمة مَن يتفاجأ بما تنطوي عليه مبدئيةُ أزعور من تصويبٍ للسلوك السياسي المُصابِ بالتشوّه نتيجة التسويات الأقرب إلى الصفقات. ويَنقل بعض مَن التقوه عنه استغرابَه لنظريةِ وضْع رئاسةِ الجمهورية ضمن سلّة. فإذا كان الأمرُ لا يَسْري على انتخابِ رئيسِ البرلمان أو تعيينِ رئيسِ الحكومة، فلماذا عندما يتعلّق الأمرُ برئيس الجمهورية، رمز السلطات، يُراد تقييد انتخابه بالتزاماتٍ وجعْله أسير سلةٍ وفي إطار تسوية؟ هذا أمرٌ لا يجوز ولا يَقبل به، لم يُعرض عليه ولن يَقبل بأن يُعرض عليه.
وفي جلساتٍ يَغْلُبُ عليها «السين جيم» مع أزعور، لم تفاجئه أسئلةٌ من نوعِ أن القوى الوازنةَ التي دعمتْ ترشيحَه بدتْ أخيراً وكأنها تَخَلَّتْ عنه بعدما أَكْثَرَتْ من الكلامِ عن المرشّح الثالث، وأن مجرّدَ طَرْحِ اسمه بين الحين والآخَر يوحي بأنهم يتعاطون معه كمرشّحٍ لتقطيع الوقت، فهل يتملّكه شعورٌ بالخديعة؟… وهو يجيب على طريقته بأنه ليس مرشّحَ كل الأزمنة وكل الظروف بهدف الوصول. فمقاربتُه واضحةٌ بأن هناك ظرفاً ومرحلةً وحاجةً للبلاد وقواعد انطلق منها وتَلاقَتْ مع جُهْدٍ داخلي لإخراج لبنان من الأزمة، وهذا الجُهْدُ حظيَ بمباركةٍ خارجيةٍ ويُناسَبُ طريقتَه في مقاربة الموضوع.
وفي الجلسةِ مع أزعور تذكيرٌ بأنه حين التقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الرئيسَ الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان يتحدّث باسمِ ما يسمى اللجنة الخُماسية، حصل حديثٌ في الموضوع، وقال البطريرك إن هناك مرشّحاً ثانياً وإن ثمة منافسة، واتفقا أن يعملا على تأمين الطريق ليحصل انتخاب.
وماكرون تحدّث مع بري، والبطريرك مع القوى السياسية على أساس أن يحصل انتخابٌ، ومن ينَل أكبر عددٍ من الأصوات بحسب الآلية الدستورية، يُنتخب رئيساً.
لذا فإن أزعور لا يَعتبر نفسه مرشَّحاً بالمعنى التقليدي، أو أنه أَلْزَمَ نفسَه ولا القوى السياسية التي دعمتْه، فهو ينطلق من الظروف ومتطلّباتها والأهداف المطلوب تحقيقها «أما الفشل أو النجاح، فهذا موضوع آخَر».
ومَن ينظر إلى حركة المرشح «الرقم واحد» بعد الجلسة الانتخابية في يونيو، يَجِد أنها تعبّر عن مقاربته للموضوع. فهو، بحسب مَن تسنى لهم التواصل معه، لم ينتقد مَن عطّلوا الدورةَ الثانيةَ لجلسة 14 يونيو، ولا قام بأي ردٍّ على مَن كان ينافسه فيها رغم استخدام كلامٍ غير لائق بحقّه، ولم يحاول حتى استمالةَ أي طرفٍ إلا بحسب اقتناعاته، وهو غالباً ما يُسمع يقول «أنا بطبيعتي منفتحٌ على الجميع وأحاور الجميعَ كما كنتُ دائماً، وعُدْتُ لمحاورةِ الجميع».
ماضٍ بترشيحه
وفي مرتكزات مضيّ أزعور بترشيحه أيضاً أن لديه الجهوزيةَ «ولكن إذا لم تسنح الفرصة، تكون لم تسنح»، وهو لا يقاربُ الموضوعَ من زاويةِ هل القوى السياسية التي تَقاطَعَتْ على ترشيحه أو دعمتْه، لديها أفكارٌ أخرى أو أن مثلَ هذا الأمر يشكّل مرارةً بالنسبة إليه. فالوزيرُ السابقُ يقرّ بأن الأحزابَ والنوابَ الذين دعموه، لكل منهم استقلاليته وقراره «وأنا لا أُلزِم أحداً ولستُ مُلْتَزِماً بأحد».
وحين يُقال أمام سليلِ العائلةِ السياسيةِ والذي لا يُشْبِهُ ما هي عليه «الألاعيب الآن»إنه بعد حرب غزة وتداعياتها المتدحْرجة والكلام عن المقايضات المحتمَلة فإن الظرفَ الذي يحوط بالملف الرئاسي تَبَدَّلَ لمصلحةِ «بروفايل» يميل أكثر نحو مقتضيات اليوم التالي لهذه الحرب، فهل يَعتبر أن الأسبابَ الموجبةَ التي اعتبرَها ملائمةً لخوْضه الاستحقاق الرئاسي تَغَيَّرَتْ، يَسْتَخْلِصُ الذين يلتقونه أنه على اقتناعٍ بأن الوضعَ في لبنان، ولا سيما في مرحلةِ ما بعد حرب غزة، يتطلّب رئيساً قادراً على أن يوفّر في انتخابه وشخصه وعلاقاته إمكانَ نهوضَ لبنان وإعادة دوره في منطقةٍ تتغيّر «فلبنان اليوم بحاجة إلى استقرارٍ داخلي، والأهمّ الوضع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي».
ويَستشعر هؤلاء «أن الانقسامَ بين اللبنانيين يزيد فيما تَضعف قدرةُ البلد على النهوض، وأن العناصرَ التي مَيَّزَتْ لبنان على مدى أكثر من مئة عامٍ باتتْ تحت الخطر، وأن مرحلة ما بعد حرب غزة تتطلّب أكثر من أي وقتٍ مقاربةً شبيهةً بالتي حصلت إبان اتفاق الطائف، أي مصالحة وطنية ترتكز على أسسٍ وليس تسوية، وذلك بما يتيح بناءَ بلدٍ على قواعد صحيحة ومعاودةَ إحياءَ ما يُسمّى بلبنان الرسالة، وليس لبنان التسوية الظرْفية أو أن يكون البلدُ جائزةَ ترضيةٍ لأي فريق».
لذا على أي رئيسٍ مقبلٍ «أن يكون قادراً على وَضْعِ رؤيةٍ نَهْضَوِيَّةٍ والتواصلِ مع المجتمعيْن العربي والدولي ليحافظ على مصالح لبنان في كل الظروف، رئيسٌ مقبولٌ خارجياً، ويَفهم لغةَ الخارج».
وبحسب هؤلاء فإن وحدَه رئيسٌ بهذه المرتكزات «يمكنه إخراج لبنان من العزلة»، وذلك بمعزل عن الظروف التي «ربما تكون تَغَيَّرَتْ ولكن لم يتّضح كيف وفي أي اتجاه» وبمعزل عن التسوية (لحرب غزة) التي لا بدّ أن تنضج في النهاية «فلبنان لا يُخْرِجُه من هذه الأزمة المصيرية إلا رئيس يرعى مساراً يقوم على تفعيل القدرة على بناء دولةٍ عصرية تستعيد ثقةَ أبنائها والخارج، ويمكنها التعاونُ مع الجميع من دون أن يكون لبنان لا في محورٍ ولا رهينةَ أطماعِ أي طرف».
وبدا أزعور بحسب مَن التقوه، على درايةٍ وثيقةٍ بما يحصل في المنطقة بحُكْم عمله، ملمّاً بتأثير الأزمة الراهنة على دولِ المنطقةِ وما يمكن أن يكون عليه وَضْعُها والتوازنات التي يمكن أن تفرزها الحرب، وبالجِراح التي تتعمّق في ضوئها، وتالياً تأثير كل ذلك على لبنان.
لا فواتير أسدّدها لأحد
ولا يُخْفي أزعور الذي شغل منصباً وزارياً في واحدةٍ من أصعب الظروف، أمام زواره أنه بطبيعة الحال يعرف اللعبةَ السياسيةَ اللبنانيةَ وتناقضاتها «وكم أن بعض الذين ينتقدون التدخلَ الخارجي يسعون إليه، وكم أن بعض مَن يعتبرون أنني شخصٌ قريب من الغرب يلهثون كي تكون لهم علاقة جيدة مع الغرب».
وفي ما يبدو رسالةً متعدّدة البُعد، يُسمع من الشخصيةِ التي تَجْمَعُ بين الأرقام والديبلوماسية أن مَن تكن عليه فواتير كبيرة، سيسدّدها بطبيعة الحال من رصيد البلد وشعبه، وأن مَن يرد أن يكون رئيساً بتنازلاتٍ للخارج ووعودٍ له سيجعل البلدَ يدفع ثمنَها وسيصبح موقفُه وتَمَوْضُعُه مرتبطاً بتغيير موازين القوى الخارجية «أما أنا فليست عليّ أي فواتير أسدّدها لأحد، والأولويةُ الوحيدة والمصلحةُ التي لا يعلو فوقَها شيءٌ هي مصلحةُ البلد ومستقبل أبنائه».
وحين يُطرح أمام الوزير السابق هل من معايير معينة يمكن أن تجعلَه يقول «أمضي بترشيحي أو أنسحب»؟ لا يتردد في القول «لا يوجد شيء اسمه، انت مكفّي أو تنسحب، لأن انتخابَ الرئيس يتم في إطارِ عمليةٍ مبنيةٍ على عدد أصوات النواب حين تحصل جلسة انتخاب.
وفي انتخابات 14 يونيو الماضي ورغم كل التدخلات والتهويل والتهديد والمسار غير الدستوري الذي سلكتْه، فلو استمرّتْ العمليةُ الانتخابيةُ لدورةٍ ثانيةٍ الكلُّ يعرف مَن كان سيُنتخب رئيساً. وهذه الجلسة في دورتها الأولى أعطتْ صورةً واضحةً عن حجمِ الأصوات التي نالها كلّ مرشحٍ والاتجاهِ الذي كانت تسير نحوَه الانتخاباتُ برمّتها، وإلا لَما تم تعطيل الدورة الثانية».
ورغم ذلك، يُعْطي أزعور إشاراتٍ إلى أنه ليس من المدرسة التي تَعتبر أن جلسة 14 يونيو «أعطتْه حقاً بات مُكْتَسَباً، فالحقُّ المُكْتَسَبُ الوحيدُ هو للبلد بأن يكون لديه رئيس للجمهورية».