تداعيات التفرّد في الرأي على المستوى اللبناني لها القدرة على ما يبدو من تغيير وقائع الأمور وإنسلاخ الفكر المتنوّر عن بيئته بما يتناسب مع المنظومة السياسية المتبعة بطريقة منهجية من قبل السلطة القائمة والتي يُحيط إنتاجها بظروف غامضة لا تمُّتْ إلى الواقع السياسي الديمقراطي . وعلى ما يبدو الغاية من هذا التفرُّد الوصول إلى مرحلة غامضة وقاتمة تؤثر سلبًا على واقع الإستقرار وضرب الهوية اللبنانية والصيغة اللبنانية القائمة على الديمقراطية وعلى قاعدة “لا شرق ولا غرب”، ولعل عودة سريعة بالذهن إلى تلك التحولات في تداعيات التفرُّد منذ أن سلّم ساسة لبنان الحاليّون أمرهم أو فوّضوا على ما يبدو “الدويلة ” زمام الأمور على كافة المستويات .
للأسف إنّ الديمقراطية في لبنان تـمٌّـر بأسوأ مراحلها ، وبالإستناد إلى “المؤتمر الدولي ” الذي عقدته ” الحركة العالمية من أجل الديمقراطية” ، برز واضحًا للمشاركين أنّ الديمقراطية العالمية في مأزق وعلى ما يبدو أنّ الوضع في لبنان سيتوّسع في تعداد مظاهـر التفرّد في الرأي والإنتكاسة في ممارسة العمل الديمقراطي السليم … والظاهـر أنّ الذين يُمسكون زمام الأمور يسعون جاهدين إلى الإطباق على كل الآراء المخالفة لتوجهاتهم والتي لا تنسجم مع “الشمولية ” المستوردة حديثًا والتي تفشّت في الجسم اللبناني “اللبّيس ” .
الإستبداد الفكري في لبنان يعّم كل مفاصل الدولة وقد عادت المجموعات السياسية القائمة إلى ممارسة أبشع الممارسات الإستبدادية ومع إنفلاش القبضة الأمنية أكثر من أي يوم مضى أنّ بمقدورها الإنقضاض على المعارضين والناشطين وحتى الباحثين والمفكرين ونشطاء المجتمع المدني وقوى الإصلاح دونما خشية من أي قانون قد يردع في مستقبل طال إنتظاره. المُلفت إنّ المجموعة المتسلّطة على الدولة تبحث عن غطاء تتلّطى”بدروته” وتبرِّرْ به ممارساتها القمعية والمؤسف أنها وجدت ضالتها في عدّة أمور أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
- إدعائها بالإنتصار على الإرهاب في ظرف ومكان معينين، والأمر يتطلب فرض قبضة حديدية عسكرية – أمنية تجهز على المعارضة أو مراكز القوى لدى المعارضين .
- إدعائها أنها المنتصرة دومًا على الإرهاب وحليفة المظلومين ، وهي التي تحمُلْ هموم الشعوب المستضعفة .
إننا كباحثين نتخوّف من عمليات الإستتباع والإستلحاق في علاقة البعض من الساسة المتوّلين زمام الأمور خلافًا لأي نص دستوري ديمقراطي ، وفي هذه التجربة نلاحظ كباحثين وناشطين كما يُلاحظ معنا العديد من مراكز الأبحاث في لبنان والعالم العربي والعالم الغربي أنه يجري التلّطي خلف شعارات غالبًا ما تلقى رواجًا لدى بعض الدوائر الإقليمية لتمرير مشاريع داخلية ذات طابع خاص وإمتدادي قوامها التفرّد في الرأي وتكريس الإستبداد الفكري وسلخ النظام اللبناني عن محيطيّه العربي والدولي ، وبالتالي يجري توظيف المنظومة السياسية التي تتبنّى “حماية الحقوق” والمُبرِّرة من تفاقم خطر الإرهاب للتعمية على ما يجري في الداخل اللبناني من أخطار محدقة قد تسببها حالة عدم حصر السيادة الوطنية بالقوى اللبنانية الشرعية التي يحصر قانون الدفاع الوطني حصرية حماية الوطن والدفاع عنه بواسطة قواه الذاتية إستنادًا للمادتين الأولى والثانية ، كما إنّ عملية الإستتباع والإرتهان تؤثر سلبًا على واقع النظام الديمقراطي القائم في البلاد إستنادًا لما ورد في مقدمة الدستور اللبناني.
للأسف وهذا الأمر تمّ تأكيده من قبل أكثر من منظمة سياسية عربية ودولية ، هناك حقيقة مرّة ومحزنة وهي أنّ السياسة الغالبة في لبنان هي دائًما سياسة التخلّي عن المسؤوليات وسياسة إحتواء … حكومة لبنان وبالتوافق والإنسجام مع سلطات الأمر الواقع يتصرفان في الغالب تجاه الشعب اللبناني بطرق دكتاتورية إتهامية وكأنه لا بُـدّ من تخويف وتخوين الشعب وإستمالته والسيطرة عليه ، وهذا أسلوب تتبعه كل الحركات القائمة في البلاد … لكن يبدو أنّ هناك دولاً تغزّي وتدعم مصالح رعاة النظام الفوضوي القائم في لبنان ومنهم من هم فاعلون على مستوى المسرح الدولي وخصوصًا بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي غالبًا ما تعرقل بعض القرارات الدولية التي صدرت وتصدر من أجل السيادة الوطنية اللبنانية وينسجم مع هؤلاء مجموعة من الساسة المغلوب على أمرهم والذين أعفوأ أنفسهم من المسؤوليات الوطنية لأجل بقائهم في السلطة وكلٌ على طريقته يستفرد ويتخلّى عن واجباته الوطنية .
بصفتي باحث وناشط في الشأن العام وبعد العديد من المراجعات مع مراكز أبحاث وتبادل الدراسات تبيّن لي أن الكوارث تتوالى وبالعودة إلى ما يحصل حاليًا في لبنان من فراغ متمادٍ في المؤسسات الرسمية والذي قد يطال على ما يبدو العديد من المراكز الحسّاسة في البلاد وتزامنًا مع إنسداد أفق الحلول السياسية في البلاد ومع ظاهرة التهرُّب من المسوؤلية وظاهرة “تدوير الزاويا” على حساب الصالح العام ، ومع غياب أي تحرّك للقوى الروحية المسيحية والإسلامية و”تطنيشها” عن واقع ما يُسببه الساسة المنضوين تحت رايتهما الدينية وتزامنًا مع ما يحصل في “غزة ” من حرب وما قد يستتبعها من تدخل مسؤولي الدويلة … كل هذه الأمور لا يمكن تصنيفها في خانة الصدف كما نجدها تتمدّدْ وتستعر وتكبُر دون رادع …
المطلوب اليوم قادة رأي شجعان ، والواضح أنّ هذه القوى القائمة حاليًا في لبنان هي صاحبة الفوضى ومتخليّة عن مسؤولياتها ، وهناك خطر من بقائها في مراكز القرار وخطر أفعالها سيتمدّد إلى أنظمة ودول مناطق أخرى ضمن خارطة التنافس على السيطرة والنفوذ الإقليمي – الدولي ، هل يعي من سيقرأ هذه المقالة هذا الخطر المتمادي ؟ هل من سيأخذ زمام المبادرة ويستقرأ المرحلة بواقعية وبكل دقّة وشفافية … إنها الحقيقة وما أعظمك أيتها الحقيقة وما أعظم الملتصقين فيكِ … حذار من أي طرف يملك أجندة قد تؤذي لبنان بمحيطيه العربي والدولي … الجمهورية اللبنانية هي جمهوريتنا على ما نص عليه الدستور في مقدمته ولا يجب الإستهانة بها على المستويين العربي والدولي.