شكّل الاتصالُ الذي تَلقّاه الرئيسُ اللبناني العماد جوزاف عون من نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون «رأس جبلِ» دبلوماسيةٍ صامتة في غالبيتها وباتجاهين، عربية دولية نحو بيروت وبالعكس، وعنوانُها «صمود» تحييد «بلاد الأرز» نفسها عمّا يشي بأنه قد يكون آخِر انفجارات «بركان النار» في المنطقة التي يَندثر تباعاً النظامُ الإقليمي الذي حَكَمها لعقود لمصلحةِ شرقٍ جديدٍ يتشكّل من قلب الدم والدمار.
وفي الوقت الذي كان «حزب الله» مازال يَمتنع عن الدخولِ في «الحرب الأخيرة» التي سيعاد بعدها وفي ضوء مآلاتها ترتيب المنطقة وتَوازناتها «على أنقاض» النفوذ الإيراني وتَمَدُّده «الأخطبوطي» في ساحاتِ الإقليم، فإنّ لبنان بقي يقيم فوق مخاوف «مشروعة» من انفلاتِ الأمور في أي لحظةٍ وجرِّه مجدداً إلى «المحرقة» خصوصاً في حال طال «التطاحن» بين إسرائيل وإيران.
وفي تقييمٍ لأوساط واسعة الاطلاع، أنه إذا استجرّ «الأسد الصاعد» فصولاً أكثر دراماتيكية تستوجب أن تلعب طهران «كل أوراقها» لحماية نظامها بعدما باتت «كرة النار» تتدحْرج بين يديها و«تلامس رأسها»، فإن احتمالَ انخراطِ «حزب الله» في المواجهة يرتفع خصوصاً أنه مازال يملك مخزوناً من الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى والمسيّرات.
ووفق هذه الأوساط، فإن بقاءَ «حزب الله» حتى الساعة «على الحياد» لا يرتبط باعتباراتِ المصلحة اللبنانية بالدرجة الأولى، بل في الجانب الأهمّ بتقديرِ إيران بأنها قادرة، في هذه المرحلة أقلّه، على إدارة الحرب بما يوائم بين مقتضياتِ الدخول الاضطراري فيها، بعدما بادرت إسرائيل إلى «الضغط على الزناد» بما لم يترك أمام طهران إلا خيار تجرُّع كأس الردّ، وبين حِفْظِ «خط الرجعة» إلى طاولة المفاوضاتِ، وذلك بمعزل عن أن العودةَ إلى المسار الدبلوماسي صارت محكومةً واقعياً بشرط تصفية البرنامج النووي عن بكرة أبيه و«تقليم» الترسانة البالستية والقدرة على تطويرها.
ومن هنا ترى الأوساط نفسها أنه لا يمكن أن يَخرج من الحسابات إمكانُ تراجُع «حزب الله» عن النأي بنفسه عن الحرب بين إسرائيل وإيران لو تطلّبتْ مجرياتها ذلك، ولا سيما في ظلّ الإشاراتِ المتوازية التي تَصدر عن واشنطن، على طريقة «جزرةِ» الإبقاء على «شعرة المفاوضات»، و«عصا» التلويح باحتمال انضمامها إلى تل أبيب «للقضاء على البرنامج النووي الإيراني»، كما نُقل عن الرئيس دونالد ترامب أمس.
وفي المقلب الآخَر، يبقى حاضِراً سيناريو توسيع إسرائيل الحرب في اتجاه جبهة لبنان، تَزامُناً، وفق «الإشارة» التي صدرت بهجماتها أول من أمس على الحوثيين في اليمن، وذلك تحت عنوان «ضربة استباقية» أو «استكمالية» للمواجهةِ التي عُلّقت باتفاق 27 نوفمبر وتعتبر تل أبيب أنها لن تطوى نهائياً إلا بسحب سلاح «حزب الله».
وفي حين ارتاب اللبنانيون أمس من عودة تحليق الطيران الإسرائيلي المسيّر بكثافة في أجواء بيروت وضاحيتها الجنوبية، لم تقلّ دلالة «نقزتهم» من استحضار وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس العاصمة اللبنانية في معرض إعلانه «أن المرشد الإيراني علي خامنئي، يحول طهران إلى بيروت».
ورغم أن هذا الكلام اعتُبر بمثابة رسالةٍ إلى أنّ «نموذج» بيروت وضاحيتها الجنوبية سيُعمَّم على طهران، سواء وفق إستراتيجية «عقيد الضاحية» التدميرية، في نسختيْها 2006 و2024 أو سيناريو التحذيراتِ من الجيش الإسرائيلي لسكان مربّعات في عينها بوجوب إخلائها قبل «مسحها» من الطيران الحربي، فإنه أثار مَخاوف من «تماثُلٍ» قد تكون إسرائيل تعدّ له بين إيران ولبنان خصوصاً مع استعادتها أمس شعار «الجبهات السبع» الذي رفعته غداة «طوفان الأقصى».
وفي حين يَختبر لبنان الرسمي اليوم موعداً كان حُدِّد لبدء تسليم السلاح الفلسطيني ومن داخل 3 مخيمات في بيروت ويترقّب إذا كان المبعوث الأميركي إلى سورية توم باراك سيزوره بعد يومين، وفق ما سبق أن جرى تَداوُله، وتالياً ماذا يمكن أن يَحمل معه بعد كفِّ يد مورغان أورتاغوس عن الملف اللبناني، فإنّ اتصالاته لم تهدأ داخلياً ومع الخارج لضمان «ممرّ آمن» يوفّر عليه ضربةً «قاضية»، هو الذي يتلقى حتى الساعة «تشظيات» صوتية ومرئية للحرب التي تَعبر صواريخُها المتبادَلة سماءه، وقد حوّلها اللبنانيون أشبه بـ «تأثيرات بصرية» لحفلاتهم الصاخبة التي لم تتوقف وثّقوها بفيديواتٍ أقرب إلى «أفلام الخيال».
وكان عون تلقى مساء السبت اتصالاً من ماكرون «تم خلاله البحث في التطورات المتسارعة بعد تصاعد المواجهات الإيرانية الإسرائيلية».
وأكد سيد الاليزيه «وقوف باريس إلى جانب لبنان في هذه المرحلة الدقيقة ودعمها لسيادته والمحافظة على الأمن والاستقرار فيه».